31/10/2010 - 11:02

تقسيم العراق بعد فلسطين: ما أشبه الليلة بالبارحة../ فيصل جلول

تقسيم العراق بعد فلسطين: ما أشبه الليلة بالبارحة../ فيصل جلول
بعد مضي ستين عاماً بالتمام والكمال على مشروع تقسيم فلسطين عام 1947 يواجه العرب اليوم مشروعاً مماثلاً في العراق وافق عليه الكونجرس الأمريكي للتو. ولعل نظرة أولية في تفاصيل المشروعين تفصح عن تطابق في المنهج والذرائع والأهداف والظروف والوسائل، كما تفصح عن رفض عربي وإسلامي مشابه لم يحل دون سقوط فلسطين وربما لن يفلح في سقوط العراق، ما يعني أن كارثة فلسطين التي شغلت العرب ومازلت تشغلهم منذ ما يقارب القرن سيضاف إليها وأمام أعين الجميع كارثة جديدة في بلاد الرافدين.أما أوجه الشبه فيمكن حصرها في الخطوط العامة التالية:

* أولاً: خرج تقسيم فلسطين من رحم الاحتلال البريطاني وتم بناء على “طلب الدولة المنتدبة تشكيل لجنة خاصة من الأمم المتحدة لإجراء تحقيق حول حكومة فلسطين” فأوصت بمشروع تقسيم على قاعدة “اتحاد اقتصادي” بذريعة “أن الحالة الحاضرة في فلسطين من شأنها إيقاع الضرر بالمصلحة العامة والعلاقات الودية بين الأمم لذا تحيط الدولة المنتدبة جميع الأعضاء علما بأنها تنوي الجلاء عن فلسطين في أغسطس/آب عام 1948وتدعو الجمعية العامة سكان فلسطين إلى اتخاذ جميع التدابير التي قد تكون ضرورية من ناحيتهم لوضع هذا المشروع موضع التنفيذ، وتناشد جميع الحكومات والشعوب الامتناع عن كل عمل قد يعرقل أو يؤخر تنفيذ هذه التوصيات”.

وخرج مشروع “تقسيم العراق” من رحم الاحتلال الأمريكي وبالشراكة مع الاحتلال البريطاني إياه وهو يدعو إلى تقسيم البلاد إلى ثلاثة أقسام على أن يبقى الاقتصاد موحداً وموزعاً بين الأقسام المذكورة.

وعلى غرار الدعوة المذكورة في مشروع تقسيم فلسطين يدعو الكونجرس الأمريكي الشعب العراقي إلى تطبيق مشروع التقسيم كما “يدعو دول العالم ولاسيما دول الجوار إلى مساعدة العراق للخروج من محنته بما يمهد للسماح للقوات الأمريكية بالعودة إلى بلادها”.

ثانياً: نهض مشروع تقسيم فلسطين على القسمة الدينية بين العرب واليهود وعلى القسمة العرقية بين المستوطنين اليهود الوافدين من الغرب والعرب أصحاب الأرض المقيمين. وينهض مشروع تقسيم العراق على أسس مذهبية وعرقية ضمن بلد واحد موحد يحتفظ شعبه بتعايش ناجح ومجرب منذ مئات السنين. ولا يقل تقسيم العراق خطورة عن تقسيم فلسطين فهو يمنح دولة لما يسمى بالأقلية الكردية من شأنها أن تفتح في المستقبل شهية الأقليات العرقية الأخرى في العالم العربي وتحفزها السير على الرسم نفسه.

* ثالثاً: إذا كان القرار الأول قد صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بطلب من المحتل واستجابة لرغبته فإن صدور القرار الثاني عن الكونجرس الأمريكي لا يغير شيئاً من طبيعته الخطرة فلا شيء يحول دون أن يتبناه الرئيس الحالي أو المقبل ويدفعه إلى الأمم المتحدة حيث يمكن تسويقه بسهولة كما تم تسويق القرار لأول قبل ستين عاما مع الإشارة هنا إلى أن الكونغرس تبنى من قبل قرار “تحرير لبنان ودمقرطة سوريا” الذي أصبح من بعد قراراً أممياً شهيراً بالرقم 1559.

رابعاً: وافق الأكراد وحدهم على قرار تقسيم العراق ورفضه العرب السنة والشيعة، وفي فلسطين وافق اليهود على القرار ورفضه المسلمون والمسيحيون. واليوم يرفض العرب والمسلمون قرار تقسيم العراق كما رفض أسلافهم قرار تقسيم فلسطين. لم يمنع الرفض تطبيق المشروع الأول ومن المنتظر ألا يمنع الرفض تطبيق المشروع الثاني.

خامساً: في فلسطين قاتل العلماء المسلمون المشروع الصهيوني البريطاني ويقاتل في العراق العلماء المسلمون وغيرهم المشروع الأمريكي المدعوم بريطانياً. لم يحل القتال الفلسطيني المعزول دون ضياع فلسطين وقد لا يحول القتال العراقي المعزول والمنبوذ من العديد من الدول العربية دون ضياع العراق.

سادساً: لقد بدا ضياع فلسطين بالنسبة لمعاصري الحدث أمراً غير معقول وتشير شهادات اللاجئين الفلسطينيين في الشتات إلى أنهم حملوا معهم مفاتيح منازلهم على أمل العودة إليها خلال شهر. ويعتقد عرب اليوم وعلى رأسهم العراقيون أن ضياع العراق أمر غير معقول ويأمل ملايين اللاجئين العراقيين في دول الجوار العودة إلى بلادهم خلال أشهر تماما كنظرائهم الفلسطينيين سوى أن تقسيم العراق قد يحوّل العراقيين المهاجرين إلى “فلسطينيين” جدد ترعى شؤونهم الأمم المتحدة كما هو حاصل اليوم في الأردن وسوريا وتركيا ولبنان.

سابعاً: احتلت بريطانيا فلسطين بذريعة تحرير أهلها من الاستبداد العثماني فكان أن مدحها الشعراء والكتاب الفلسطينيون إلى حد صدور الأبيات التالية” بني التايمز قد فزتم.. وبالانقاذ قد جئتم.. بلاد القدس شرفتم.. فأهلاً أينما بتم.. وسهلاً فيكم اجمع”، وكما في فلسطين رحب القسم الأكبر من النخب العراقية بالمحتل الأمريكي الذي ادعى تحرير العراقيين من الاستبداد الصدامي ووصل الترحيب إلى عبارات مشابهة قالها كثيرون من بينهم المثقف العراقي المعروف كنعان مكية الذي رأى في تصريح شهير أن أصوات الصواريخ الأمريكية المنهمرة على بغداد “أحب إلى قلبي من موسيقا بيتهوفن” في الحالة الأولى انتهى التحرير من الاستبداد إلى ضياع فلسطين وفي الحالة الثانية قد ينتهى إلى ضياع العراق.

* ثامناً: أثناء كارثة فلسطين كان قسم من العرب تحت الاحتلال الأجنبي وقسم آخر يخضع للأجنبي عن بعد، واليوم أثناء كارثة العراق يبدو الخضوع للأجنبي شاملا إلى حد أنه لا توجد في عاصمة عربية واحدة لجنة معروفة لدعم المقاومة العراقية.

بين فلسطين الأمس وعراق اليوم ثمة من يقول ما أشبه الليلة بالبارحة وهو قول صحيح مع كل الأسف والغضب.
"الخليج"

التعليقات