31/10/2010 - 11:02

تمخض اجتماع أنابوليس فوَلدَ... أمناً لإسرائيل!../ هاني المصري*

تمخض اجتماع أنابوليس فوَلدَ... أمناً لإسرائيل!../ هاني المصري*
تمخضت الدعوة الأميركية لعقد اجتماع دولي للسلام في أنابوليس عن اختزال هذه الدعوة بتطبيق خريطة الطريق، خصوصاً في مرحلتها الأولى. وتحاول إسرائيل جاهدة أن تفرض رؤيتها لهذه الخريطة، كما فرضت رؤيتها للوثيقة المشتركة.

في بداية الاتصالات للتحضير لاجتماع أنابوليس كان الحديث يدور عن «إعلان مبادئ» أو «اتفاق إطار تفصيلي»، ثم تم اختزال الأمر كله إلى «بيان مشترك» باتت رايس تنصح بأن تكون عباراته عمومية، من دون وضع جداول زمنية ملزمة لإقامة الدولة الفلسطينية وغيرها من قضايا الصراع الجوهرية التي من المفترض ان يتم الاتفاق على الأسس التي تضمن حلها.

استطاعت الحكومة الإسرائيلية إنزال الإدارة الأميركية، بدءاً ببوش وانتهاء برايس، عن شجرة التوقعات العالية، بحيث أصبحت أكثر ميلاً لتبني الموقف الإسرائيلي الذي يريد أن يجعل اجتماع أنابوليس مناسبة لاستئناف المفاوضات لا أكثر ولا أقل.

على ضوء ما سبق، فإن أقصى ما يمكن أن يتوصل إليه اجتماع الخريف هو تحديد موعد نهائي لإنهاء التفاوض، والاتفاق على القضايا الجوهرية، من دون الاستناد إلى أسس تتفق مع القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية. فبدلاً من وضع جدول زمني لتطبيق الاتفاق الذي يفترض أن يتحقق في الوثيقة المشتركة، ستتم الاستعاضة عنه في أحسن الأحوال بتحديد سقف زمني للتوصل إلى اتفاق. فرايس تحدثت عن 14 شهراً لتحقيق هذا الهدف. واولمرت سبقها بالإعراب عن تمنياته بالتوصل إلى اتفاق دائم خلال عام. فماذا حصل حتى غير اولمرت موقفه الذي أعرب عنه منذ أسابيع والذي جاء فيه أن الاتفاق بحاجة إلى ما بين 20 و30 سنة لإبرامه حتى أخذ يتحدث عن عام واحد؟

إن ما يفسر تغير موقف اولمرت، كما نقل عنه، انه يريد أن يستثمر الفرصة الذهبية المتوفرة لإسرائيل حالياً في ظل وجود إدارة بوش التي تعتبر أفضل إدارة في دعمها لاسرائيل. فاولمرت يريد أن يستفيد من حقيقة أن إدارة بوش أعطت ورقة الضمانات الأميركية لإسرائيل عام 2004، التي منحت إسرائيل موافقة أميركية على عدم العودة إلى خطوط 1967، وعلى ضم الكتل الاستيطانية، وعلى عدم حل قضية اللاجئين على حساب إسرائيل من خلال عودتهم، ولو بأي اعداد، إلى ديارهم وممتلكاتهم كما ينص القرار 194 ومبادئ القانون الدولي. كما يريد اولمرت أن يستفيد من خريطة الطريق التي تعطي الأولوية للأمن الإسرائيلي وقبل التفاوض على القضايا الجوهرية، وقبل إقامة الدولة الفلسطينية، وخصوصاً أن ادارة بوش في فترة ولايته الأولى، تعهدت علناً وفي بيان مشترك نادر وقعه كل من باول ورايس، بأنها ستأخذ الملاحظات الإسرائيلية على خريطة الطريق في الحساب عند تطبيقها. وهذا ما حصل فعلاً، وهذا ما يمكن أن يحصل لاحقاً رغم المديح الفلسطيني المتواصل لخريطة الطريق.

في هذا السياق، لم يكن تصريح تسيبي ليفني بعد لقائها الأخير مع رايس، أن الأولوية يجب أن تُعطى للأمن الإسرائيلي، صاعقة في سماء صافية، بل استمراراً للسياسة الإسرائيلية التي اعتمدتها حكومة شارون وسارت عليها حكومة اولمرت وتحظى بالدعم والرعاية من الإدارة الأميركية. وحتى يمكن إدراك خلفية الموقف الإسرائيلي لا بد من التوقف أمام تصريحات ليفني الأخيرة التي قالت فيها إن على القيادة الفلسطينية أن تدرك ضرورة تلبية الاحتياجات الأمنية الإسرائيلية أولاً، مع ما يعنيه ذلك من التزام السلطة الفلسطينية قولاً وفعلاً محاربة «الإرهاب» وتفكيك بنيته، وأن تدرك ان اجتماع انابوليس هو بداية وليس نهاية المفاوضات. وما تفوهت به ليفني ليس موقفها الشخصي بل يعبر عن الحد الأدنى من الموقف الرسمي الإسرائيلي، هذا الموقف الذي يهدد اجتماع أنابوليس بالفشل الذريع.

فإسرائيل لا تريد أن تفاوض حول القضايا الجوهرية، وتريد تطبيق القراءة الإسرائيلية لخريطة الطريق، والتي تقوم على ضرورة توفير الأمن الإسرائيلي أولاً.

والسؤال هو: كيف يمكن تحقيق الأمن الإسرائيلي أولاً؟ ففي ظل استمرار الاحتلال والعدوان العسكري بكل اشكاله، وتكثيف الاستيطان وبناء بؤر استيطانية غير شرعية، ومواصلة بناء الجدار والحصار وتقطيع الأوصال وتشديد الخناق على قطاع غزة، والتهديد باجتياحه بعد اجتماع أنابوليس، ومع حملة الاعتقالات الإسرائيلية اليومية، وتردي الحياة الاقتصادية والمعيشية الفلسطينية إلى معدلات غير مسبوقة، في ظل هذه الأوضاع كلها وغيرها، كيف يمكن تحقيق الأمن الإسرائيلي؟

لا أمن ولا سلام ولا استقرار في ظل الاحتلال والعدوان والاستيطان والجدار، فالسلام مفتاح الأمن، ولا يمكن أبداً أن يكون الأمن مفتاح السلام.
"الحياة"

التعليقات