31/10/2010 - 11:02

حرب المئة عام العربية ـ الإسرائيلية../ سمير كرم

حرب المئة عام العربية ـ الإسرائيلية../ سمير كرم
لا يكاد احد منا يتذكر حرب المئة عام الأوروبية التي دامت طوال الفترة من عام 1338 الى عام 1453. فهي تمر بنا مجرد نبذة سريعة في دراستنا الثانوية عندما يدخل تاريخ اوروبا في مناهجنا الدراسية، ولا نلبث ان ننساها.

حرب المئة عام كانت حرباً متقطعة ولكنها متواصلة بين انكلترا وفرنسا ومن اجل تخليص المناطق الفرنسية التي كانت واقعة تحت سيطرة الانكليز، وكذلك تخليص السيادة الفرنسية من مزاعم ملوك بريطانيا المتوالين في تلك الحقبة بأن لهم السيادة على فرنسا ولهم وراثة عرشها.

إننا ـ في الغالب ـ لا نعرف أن حرب المئة عام الأوروبية انتهت بانتصار حاسم للمقاومة الفرنسية بقيادة «القديسة» جان دارك، التي قلبت موازين تلك الحرب باستيلائها على اورليان عام 1429. وبعد استشهاد جان دارك حرقاً على أيدي أعدائها الانكليز عام 1431 بتسعة اعوام كاملة، عادت النورماندي الى فرنسا بفضل المقاومة، ثم أعادت المقاومة بوردو الى السيادة الفرنسية عام 1453 ولم تلبث في عام 1458 ان استعادت كاليه التي كان الانكليز قد وضعوا أيديهم عليها عام 1360.

ويبدو ان ما هو مشترك بين حرب المئة عام الأوروبية وحرب المئة عام العربية ـ الإسرائيلية ليس مجرد الامتداد الزمني الطويل. الأهم هو استمرار المقاومة، وفي فترة حاسمة اتخاذ المقاومة طابع الجهاد الديني حتى انتصار المقاومة.
لعل من الضروري التذكير بمجريات حرب المئة عام الأوروبية في الوقت الحالي الذي يبدو فيه وكأن العالم قد اعتاد على الصراع العربي ـ الإسرائيلي، بحيث اصبح يعرف كيف يتعايش معه، بل لعل بعض الاطراف صار يخشى ان ينتهي هذا الصراع، فتنشأ عن ذلك ظروف وأحوال محلية وإقليمية ودولية غير مألوفة، والأخطر غير ملائمة، لاستمراره في الحياة او في الحكم (...).

نعم لقد حدثت حالة من الاعتياد على حرب المئة عام العربية ـ الاسرائيلية، خاصة لدى الاطراف الخارجية التي تخوضها بأدوار متباينة، ابتداءً من دور مصدر السلاح ومصدر التأييد السياسي والاقتصادي والدبلوماسي، وهذا دور تؤديه الولايات المتحدة بالكامل منذ عام 1967 في دعمها لإسرائيل في هذه الحرب، ودور التلويح بما يشبه الحياد كما يؤديه الاتحاد الاوروبي الآن. وهذا دور على الرغم من انه لا يعد استمراراً للدور الأوروبي القديم ـ كالذي لعبته فرنسا في حرب السويس عام 1956 ـ الا انه لا يقترب من حياد حقيقي ولا من انفصال نهائي عن الدور الاميركي. ربما لهذا يمكن ان نعزو ذلك الى ما نعتبره الاعتياد على العيش ـ والتكيف ـ مع الصراع العربي الإسرائيلي، بل والاستفادة مادياً منه: استمرار الحصول على النفط العربي، استمرار الاستثمار الاقتصادي والمالي في الاقتصادات العربية، خاصة في الدول التي تبدي «اعتدالاً» في مواقفها من الصراع.

والملاحظ ان القوى الفاعلة الاساسية في العالم تبذل جهوداً كبيرة من اجل استمرار الصراع، تفوق تلك التي تقوم بها من أجل إنهاء هذا الصراع. كأنها تدرك ان العالم لن يعود كما هو اذا انتهى هذا الصراع. وكأنها تعتقد أن مصالحها قد لا تعود مصونة في عالم ما بعد الصراع العربي ـ الإسرائيلي، خاصة اذا انتهى على النحو الذي انتهت اليه حرب المئة عام الأوروبية... اي بانتصار المقاومة بصورة نهائية وحاسمة.

ولتوضيح هذه النقطة قد يكون من المفيد ان نرى الصراع الأميركي ـ الإيراني في ضوء الصراع العربي ـ الإسرائيلي. إن اشتداد حدة الصراع الاميركي ضد إيران لا يعود مفهوماً بوضوح إلا باعتباره احد الضمانات الاميركية لاستمرار الصراع العربي ـ الإسرائيلي عن طريق حجب الدور الإيراني فيه. وليس من سبيل الى حجب إيران عن دور في الصراع العربي ـ الإسرائيلي يتفق مع مبادئها ومصالحها معاً إلا بشغلها بصراع ربما اكثر حدة ... ربما بحدة صراع نووي.

إن حجم ونوع التناقضات بين الولايات المتحدة وإيران لا يكفي لتبرير حدة الموقف الاميركي من إيران، إنما يبرره ويدفع باتجاهه حجم ونوع التناقضات بين ايران الثورة الاسلامية وإسرائيل الكيان الصهيوني الممسك باحتكار القوة النووية في منطقة الشرق الاوسط.

والصراع الراهن مع تركيا يعطي أوضح الأدلة على ان الولايات المتحدة تخشى من دور يمكن أن تؤديه دولة عضو في حلف الاطلسي ارتبطت مع الولايات المتحدة ومع اوروبا بأوثق صلات التحالف الاستراتيجي والسياسي. فما أن بدت على تركيا علامات على تغيير باتجاه تأييد الجانب العربي (الإسلامي) في الصراع العربي ـ الإسرائيلي ـ بعد سنوات طويلة من اتباع الطريق الاميركي في هذا الصراع، حتى بدأت الولايات المتحدة تقف من تركيا موقفاً يتجه باتجاه التشابه مع موقفها من إيران. أصبحت تركيا بشكل شبه فجائي عاملاً فاعلاً في تأثيرات الصراع العربي ـ الإسرائيلي يمكن أن يكشف مواقف الأطراف المباشرة العربية التي انحازت لجانب الإبقاء على الصراع كما هو أو ـ اذا امكن ـ دفعه باتجاه نهاية توطيد مصالح اسرائيل.

بل الواقع أن الولايات المتحدة لا تكتفي في مواجهة الإضافة الإيرانية وبعدها التركية الى عناصر مقاومة التفوق الإسرائيلي الاستراتيجي والسياسي، بانتهاج سياسة حرب ضد إيران وسياسة ضغط ضد تركيا ... ان الولايات المتحدة تلعب دوراً لم تصل خطورته إلى الصراع العربي ـ الاسرائيلي الى هذه الدرجة. وهو دور يدفع حلف الاطلسي دفعاً حثيثاً الى التوسع الاستراتيجي (العسكري أساساً) في منطقة الشرق الاوسط عبر اتفاقات مع إسرائيل تتضمن المناورات البحرية والجوية والبرية المشتركة مع القوات الاسرائيلية. وهذه تمثل ـ اول ما تمثل ـ إنذاراً للدول والقوى المناوئة لإسرائيل بأن حلف الاطلسي لن يكون بعيداً في حالة نشوب عمليات تكون إسرائيل فيها هدفاً.

ويشمل هذا الإنذار غير المباشر إيران وتركيا ولكنه يشمل بدرجة اساسية الدول المعتدلة العربية التي تجد نفسها في حيرة بين اتجاهات الرأي وسط جماهيرها وما تريده منها الولايات المتحدة. ولا يغيب عن بالنا ان خطة إشراك حلف الاطلسي في الدفاع عن إسرائيل قد استوجبت في السنتين الاخيرتين بوجه خاص عقد اتفاقات لها الخصائص ذاتها التي اتسمت بها الاتفاقات مع اسرائيل... اتفاقات شملت مصر والأردن وبعض دويلات الخليج.

فإذا صحت الأنباء الملحة عن حالة استعداد أميركية ـ اسرائيلية لشن ضربات واسعة النطاق على إيران تشمل عدة آلاف كثيرة من الأهداف الاستراتيجية والاقتصادية، فمعنى هذا ان الدول التي ارتبطت باتفاقات للمناورات المشتركة مع حلف الاطلسي ستجد نفسها مجبرة على تنفيذ عمليات مشتركة مع إسرائيل ومع الناتو ... عمليات موجهة ضد إيران. وليس خافياً أن أطرافاً عديدة رأت في قرار مجلس الامن الاخير بزيادة العقوبات على إيران تحت ضغط أميركي غير مسبوق باعتباره إشارة «ضوء اخضر» من المجلس تحت إمرة أميركا بالموافقة على توجيه ضربات هجومية ضد إيران بذريعة وقف نشاطها الرامي الى اكتساب سلاح نووي.

يتحدث المخططون الاستراتيجيون الاميركيون ـ المؤيدون لسياسة ادارة اوباما تجاه إيران والمعارضون لها على السواء ـ عما يسمونه الآن «ضربة وقائية نووية» تستعد الولايات المتحدة لتوجيهها الى إيران باعتبار انه ليس من سبيل آخر لوقف «الخطر النووي الإيراني».

هل تذهب الولايات المتحدة الى هذا الحد في حماية اسرائيل؟ لقد حل هذا السؤال محل السؤال الذي كان مطروحاً قبله، وهو هل تهاجم اسرائيل ايران؟ ويؤكد المخططون الاستراتيجيون الاميركيون انه اصبح في حكم المؤكد منذ شهر تشرين الاول/اكتوبر الماضي ان اسرائيل لا تملك الوسائل التي تمكنها من مهاجمة ايران على النطاق المخطط له والذي يشمل ـ كما قلنا ـ آلافاً مؤلفة من الاهداف الاستراتيجية والاقتصادية، بما في ذلك منشآت البنى التحتية مثل محطات الطاقة والجسور والطرق... ويضيفون انه بالتالي لم يعد مفر من التنسيق مع البنتاغون.

ولم يمض وقت طويل حتى استبدلت هذه الكلمات الاخيرة بالقول بأن هذه مهمة لا تستطيع القيام بها إلا الولايات المتحدة. وقد لحظ المراقبون ان آخر مرة جرت فيها إشارة الى احتمال قيام اسرائيل بمهاجمة ايران كانت في تصريحات نصحت فيها هيلاري كلنتون وزيرة الخارجية الاميركية مستمعيها بأن لا يستبعدوا هجوماً استباقياً اسرائيلياً على إيران، وكان ذلك في شهر حزيران يونيو من العام الماضي.

والتحذير ـ بالأحرى الإنذار ـ يشمل تركيا اذا تبّنت تركيا سياسات إلغاء التعاون العسكري مع اسرائيل، التي اصبحت سياسة فاعلة منذ وقوع الهجوم الإسرائيلي الإجرامي على السفينة التركية، ضمن قافلة الحرية لنقل المعونات الانسانية الى شعب غزة المحاصر، ولكنه ـ بالطبع ـ لا يشمل توجيه ضربات عسكرية من أي نوع لتركيا. وربما لا يصل الإنذار الى تركيا الى أكثر من تأييد انقلاب عسكري داخلي يتخلص من حكومة الحزب الحاكم برئاسة الطيب اردوغان.

يضاف الى هذا تحرك الولايات المتحدة لبناء قواعد عسكرية في بلدان آسيا الوسطى (الجمهوريات السوفياتية السابقة). فعلى الرغم من ان المصادر الاميركية تعتبر ان الهدف هو ـ أساساً ـ إحاطة روسيا بقوة عسكرية اميركية من كافة الجهات وفي الوقت نفسه الاقتراب من الصين التي وصلت قوتها العسكرية الى حدود تعتبرها الولايات المتحدة خطراً لا يمكن السكوت عنه، الا ان قرب جمهوريات آسيا الوسطى من إيران وما هو معروف عن نفوذ إيران العقائدي والثقافي فيها، امور تجزم بأن الولايات المتحدة إنما تهدف ضمن ما تهدف إليه في تلك المنطقة الى التصدي لإيران ومحاصرتها بشبكة من المنشآت والقواعد العسكرية الأميركية.

وقد دعا التحرك الأميركي في آسيا الوسطى بعض المحللين الاميركيين لأن يفسروا عدم استخدام روسيا او الصين حق الفيتو في مجلس الأمن ضد قرار العقوبات على إيران بأنه من دلائل خوف كل من موسكو وبيجين من هذا الزحف العسكري الأميركي وليس فقط كدليل على المدى الذي وصلت اليه السيطرة الاميركية على مجلس الامن (مايكل شوسودوفسكي: في غلوبال ريسيرش على شبكة الانترنت).

ويؤكد شوسودوفسكي أن هجوماً على إيران سيؤدي على الفور الى تصعيد عسكري... إن الشرق الاوسط بأكمله ومنطقة آسيا الوسطى ستشتعل، وهو وضع يمكن ان يتحول الى سيناريو حرب عالمية ثالثة. وبمعنى واقعي جداً فإن مغامرة عسكرية أميركية ـ أطلسية ـ إسرائيلية تهدد مستقبل البشرية.

مع ذلك فإنه ليس مستبعداً ان الولايات المتحدة تناور من اجل استمرار الصراع العربي ـ الاسرائيلي كوسيلة للحيلولة دون نهاية تطرد اسرائيل من مركزها الاستراتيجي الراهن، سواء استوجب هذا مهاجمة ايران او شغلها باستمرار بخطر حرب مقبلة.

ان الولايات المتحدة هي المستفيد الاكبر من استمرار الصراع العربي ـ الاسرائيلي من دون نهاية حاسمة، وهي لا تجد نفسها مستعدة لتخسر كل مكاسبها ومواقعها التي يؤمّنها لها استمرار الصراع، حتى أصبح حرب المئة عام العربية.
"السفير"

التعليقات