31/10/2010 - 11:02

حسابات محمود عباس في مواجهة الوهم والمجهول../ د.أسامة الأشقر*

حسابات محمود عباس في مواجهة الوهم والمجهول../ د.أسامة الأشقر*
الموقف السياسي في التعاطي مع تداعيات الأزمة الناشئة عن سيطرة حماس على قطاع غزة وإنهائها للأجهزة الأمنية لدى القوتين الفلسطينيتين المتخاصمتين فتح وحماس أصبح واضحاً الآن، فقيادة حركة فتح تتبنى رسمياً رفض الحوار مع حركة حماس لترتيب البيت الفلسطيني وترفض التعامل مع نتائجه، وأما حركة حماس فقد أعلنت مراراً عن رغبتها في تأسيس حوار جديد يستند إلى قاعدتين: تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية في الضفة والقطاع، وبناء الأجهزة الأمنية على أسس وطنية دون محاصصات حزبية كما هو واقع الآن وتسبب في هذه الأزمة الكبيرة.

ومهمتنا في هذه القراءة أن نرى أفق تطبيق توجهات فريق رئاسة السلطة أي حركة فتح ورئيسها محمود عباس وإمكانية نجاحه في تجاوز الأزمة ومعرفة الأساسات التي انطلق منها في إصراره على سياسته.

من المفهوم في الجو العام للأزمة أن تكون هناك ردود انفعالية لاسيما إزاء حدث كبير من هذا النوع، ومن المفهوم أن تتسم هذه الردود الانفعالية بالكثير من العصبية والتشنج، لاسيما أن تداعيات ما جرى كبيرة على حركة فتح، بل يمكن القول إن كرة الثلج داخل حركة فتح بدأت بالتدحرج إلى الأسفل، وهي تكبر باستمرار حتى ترتطم بجبل أو صخرة كبيرة أو تتفكك في السفح المتعرج الناتئ، ولكن بعد مضيّ أسابيع على هذه الحادثة فقد آن الأوان لتجاوز مرحلة ردود الفعل وبناء رؤية لتقييم موضوعي لما جرى وفهم أسبابه والعمل على تجاوزه وبناء تصور للخروج من الأزمة، فقد غابت السكرة الآن وجاءت الفكرة ولم يعد مفيدا لحركة فتح أو رئيسها أن يستمروا في مواجهة هذا الواقع الكبير والمتغير الثقيل بهذا المنطق السلبي، فحركة فتح لا تمثل فصيلها فقط بل إن بيدها رئاسة السلطة وبيدها منظمة التحرير الفلسطينية وشطراً مهماً من القرار الفلسطيني، وأي قرار يستند إلى حسابات فتحاوية فئوية دون النظر إلى الحساب الفلسطيني العام سيتسبب في ضرر بالغ للقضية الفلسطينية.

وفي تحليلي فإن السيد محمود عباس يقوم بإجراء حسابات خاطئة وتقييمات مغلوطة مبنية على إشكالية انفعالية خطيرة يساندها موقف سلبي أصلاً من المقاومة الفلسطينية التي لا يرى لها محمود عباس أي مستقبل بل إنه لا يتورع عن إهانتها والتقليل من شأنها والاتفاق مع قوى إقليمية ودولية على إضعافها ومحاصرتها، وأعتقد أن شخصية محمود عباس الطرية والهادئة والمزاجية أيضاً تتأثر بطواقم المستشارين السلبيين من حوله، والذين ثبت للفلسطينيين على مدار السنوات الخمسة عشر السابقة فشلهم في محطات خطيرة.. فقد فشلوا في محطات المفاوضات مع الاحتلال، وفشلوا في إدارة الوزارات والهيئات التي قادوها، وفشلوا في استثمار الدعم العربي والدولي لتحسين أوضاع الفلسطينيين، وفشلوا في فك ارتباط المصالح الحيوية للفلسطينيين عن الاحتلال، بل عملوا على تثبيت واقع سيطرة الاحتلال على مصادر حياة الشعب الفلسطيني، وفشلوا أيضاً في الانتخابات التشريعية الأخيرة، وفشلوا في إدارة الشراكة مع حركة حماس، كما أنهم غير مقبولين شعبياً كما يعلم الجميع، والأمر الأكيد في هؤلاء أنهم باتوا محسوبين على الجهة الإقليمية أو الدولية هذه أو تلك ولكل منهم حساباته لدى الجهة التي يتبع لها ويمثّل مصالحها، وفي هذا كلام كثير وحديث مستفيض.

وإذا حاولنا أن نفهم سياسة رئيس السلطة القائمة على رفض الحوار مع حماس فيمكننا أن نلخصها في العناوين التالية:

- حماية حركة فتح من تداعيات الأزمة ولملمة جراحها بتوحيدها على نمط شعوري واحد يتأسس على الحقد على حماس وإثارة الروح العصبية الحزبية.
- تعزيز صورة رئيس السلطة بوصفه الرجل القوي القادر على مواجهة الأحداث الكبيرة وإعادة الهيبة لقيادة السلطة وحركة فتح.
- معاقبة حركة حماس على ما فعلته في قطاع غزة مما اعتبره (انقلاباً على الشرعية الفلسطينية).
- استثمار هذه الأزمة لعزل حركة حماس وبرنامج المقاومة العسكرية محلياً وإقليميا ودولياً.
- إعادة تشكيل النظام السياسي الفلسطيني بإبعاد حماس عن السلطة التنفيذية والتشريعية .
- إعادة الاعتبار للمشروع السياسي القائم على رؤية بوش بإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة بجوار دولة الاحتلال وتحريك عملية السلام.
- دعم الدور الأمريكي وحاجة الإدارة الأمريكية لبعث الحياة في المشروع الأمريكي للسلام في المنطقة.

وإذا حاولنا مناقشة هذه الأسباب فسنكتشف أن رئيس السلطة يقودنا في سياسته هذه إلى وهمٍ كاذب وخادع أي أنه يتخبط في سياساته تلك مستنداً إلى القوة الأمريكية تحديداً لتنفيذ هذه السياسة، لاسيما أن الدول العربية التي استوعبت المتغير السياسي الكبير في الساحة الفلسطينية، وتعاملت معه بمنطق متوازن هذه المرة، ليست متشجعة الآن للدخول في اصطفافات حزبية فلسطينية تؤجج لمزيد من الفتنة والهرج والفوضى، بعد أن ثبت لها خسارة جميع الرهانات الفلسطينية والإقليمية والدولية لضرب حركة حماس القوة الكبيرة القادمة إلى المعترك السياسي، والتي أثبتت نفسها كطرف مهم في المعادلة الإقليمية لا يمكن إلغاؤه أو تجاوزه.

وفي قراءة المواقف العربية في التعاطي مع الحدث فإننا نجد أن محمود عباس قد فشل في إقناع الدول العربية بسياسته القائمة على رفض الحوار، بل إن مؤتمر وزراء الخارجية العرب أصدر موقفاً متوازناً من الطرفين واعترف بالشرعيتين (الرئاسية والتشريعية) وطالب صراحة بإعادة بناء الأجهزة الأمنية الفلسطينية على أسس وطنية دون محاصصات فصائلية، وهو ما يشكل ضربة خطيرة للبناء الأمني الذي تقوم عليه سلطة عباس، كما أن تأكيد وزراء الخارجية العرب على تشكيل لجنة تقصي للحقائق ساوى تماما بين الفريقين مما يعني رفضهم للرواية الرسمية الفتحاوية وأسبابها.

وإذا نظرنا في تطورات الموقف المصري بعد تصريحات الرئيس المصري قبل قمة شرم الشيخ، فإننا نرى أن الموقف المصري قد نضج باتجاه تبني الحوار بين فتح وحماس، وقد تبلور الموقف العربي أكثر بهذا الاتجاه بعد زيارة العاهل السعودي لمصر والأردن، مما يعني أن محمود عباس يخسر عربياً الآن في ظل إصراره على رفض الرؤية العربية الموضوعية التي قرأت الحدث بصورة متكاملة وقرأت تداعياته، وثبت لديها النظر في ضرورة إعادة إطلاق قطار الحوار بين فتح وحماس، وقرار السعودية بإلغاء لقاء الملك السعودي مع محمود عباس في الأردن نتيجة إصرار عباس على سياسته واضح في أن العرب لا يمكنهم القبول بهذا المنطق التأزيمي .

ومن الواضح أن محمود عباس يضع أوراقه كلها الآن في السلة الأمريكية وقد أوضح مستشاره المقرّب منه نبيل عمرو ذلك بوضوح في لقائه بأبناء الجالية الفلسطينية في الكويت أن محمود عباس يثق بالأمريكيين ويعتمد عليهم في سياسته حتى إن لم يُرضِ ذلك العرب، ولا شك أن الأمريكيين سيدفعون باتجاه تغيير الموقف العربي المؤيد للحوار والحريص عليه، لكن الأمريكيين ليس لديهم سوى التصور الأمني للحل الذي فشلوا فيه سابقا عبر منسقهم الخاص كيث دايتون، وهو الأمر الذي يجعل العرب غير متشجعين للاستجابة للضغوط الأمريكية هذه المرة .

وفي السلوك السياسي الميداني لمحمود عباس فإنه يعمل على سياسة التضييق الاقتصادي والسياسي المتدرج على قطاع غزة، دون أن يكون مسؤولاً مسؤولية مباشرة عن ذلك من خلال سلسلة المراسيم التي أصدرها والتي تحظر حركة الفلسطينيين في القطاع إلى الخارج وإلى الداخل من خلال إلغاء الاعتراف بجوازات سفرهم، وعبر مراسيم العصيان المدني، ورفض الخدمة في المؤسسات الحكومية، واستمرار إغلاق المعابر عبر التأكيد على تطبيق اتفاقية المعابر التي تفرض وجود أطراف أربعة ( أمن الرئاسة – الاحتلال – المراقبون الأوربيون – مصر) وسيكون اعتماد عباس في هذه المرحلة على المساعدة الإسرائيلية أكثر من غيرها لتنفيذ برنامج الحصار المتدرج ضمن ما يسمى بسياسة ( افتح وأغلِق) الدوّارة.

وهذا الأمر غير قابل للنجاح بسبب وجود حسابات سياسية أخرى لجهات نافذة فمصر لا تستطيع أن تبدو كجهة حصار لشعب فلسطيني محاصر أصلا ولا يمكنها أن تقبل هذا الدور بل هي تعتبر قطاع غزة امتدادا حيوياً لأمنها القومي ولابد أن تتعاطى مع مصالحها القطرية والقومية أولاً وهذا أكبر تحدٍّ سيواجهه عباس في تنفيذ خطة حصار القطاع.

ومن أهم بنود خطة عباس القضاء على برنامج المقاومة في الضفة الغربية، وقد أصدر عدة مراسيم أهمها حظر ما سماه الميليشيات المسلحة، وإصدار قانون إعادة تنظيم الجمعيات الأهلية والخيرية وتطبيق خطة السيطرة على المساجد، وإطلاق يد التشكيلات غير المنضبطة من البلطجية والزعران لإحراق مؤسسات فلسطينية مقربة من التيار الإسلامي، والبنى التحتية لحماس والعمل الخيري والدعوي والتعليمي واعتقال المئات من ناشطي حماس، والغرض من هذا إضافة إلى ضرب حماس إضعاف قدرة المقاومة واستعداداتها لبدء مرحلة مقاومة جديدة في الضفة الغربية ضد الاحتلال.

وهذا الأمر يكرر سيناريو الأجهزة الأمنية في قطاع غزة منذ عام 1996 وسيدفع بالأمور نحو اتجاهات سيئة في المستقبل القريب كما حدث في القطاع ولا ننسى أن قادة التغيير في قطاع غزة الآن هم من ضحايا أجهزة الأمن الفلسطينية في تلك الحقبة والذين يختزنون الكثير من الغضب وذكريات التعذيب ومشاهد الألم.

كما أن هذه الأمر قد يدفع باتجاه تصعيد مواقف حادة قد تتطور إلى احتراب أهلي وعائلي، مما سينعكس بالضرورة على النظام الأهلي، وستصل شرارته إلى الأردن حتماً بأبعاده الأمنية والسياسية والإستراتيجية، كما أن لدولة الاحتلال مصالحها أيضاً والتي لا تنسجم بالضرورة مع تكتيكات عباس، وسيكون لسلوكها العدائي المتواصل ضد شعبنا الفلسطيني الأثر الأكبر في تلبيس خطوات عباس ثوباً غير وطني، ولاسيما مع إصرار عباس على حوار متواصل مع الاحتلال دون أي مقاومة عسكرية.

وفي اعتقادي فإن رهانات محمود عباس خاسرة وحساباته غير منطقية وغير موضوعية، وهو سيجرفنا إلى المجهول استنادا إلى وهم ثقته بالأمريكان الذين خذلوه دائماً. ولا ننسى أنهم لم يستطيعوا حمايته عندما تناغم مع الإرادة الأمريكية لحصار ياسر عرفات سياسياً، وفرضوا على عرفات أن يكون محمود عباس رئيساً للوزراء في سلطته، وخاض معركة أمريكية مع عرفات بمساندة محمد دحلان، الرجل القوي سابقاً في الأجهزة الأمنية، ثم مُني عباس بخسارة فادحة نتيجة قدرة عرفات على امتصاص الإملاءات الأمريكية، وعرقلة جهودها في دعم عباس مما دفع عباس للاستقالة بعد نحو مائة يوم .

والأمر هاهنا اليوم شبيه بذاك فإن حركة حماس التي حسمت معركة قوية في قطاع غزة قادرة حقاً- وبشهادة العرب والفلسطينيين والأجانب- على قطع الطريق على برنامج عباس.
وفي مجال النظام السياسي فإن عباس يسعى لاستغلال اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير والمجلس المركزي الفلسطيني لتغطية تجاوزه على المجلس التشريعي في إجراءاته القادمة لتشكيل حكومة جديدة عقب حكومة سلام فياض، مما يعني أن مشروع السلطة سيكون مهددا بالانهيار القانوني والسياسي هذه المرة من طرف محمود عباس نفسه والذي يعتبرها جوهر المشروع الوطني الذي يعمل على تكريسه بحسب اتفاق أوسلو الكارثي.

ومن هنا فإننا نحذر- من موقع المثقف الملتزم- من تداعيات مظلمة لسياسة عباس الخطيرة في رفض ترميم البناء الفلسطيني وإصلاحه، والاستناد إلى القوة الأمريكية. وندعو عقلاء شعبنا لاسيما أبناء حركة فتح والذين بدأنا نسمع لهم صوتاً عالياً أن يتدخلوا بسرعة لتصحيح المسار قبل السقوط في الوهم والمجهول.

التعليقات