31/10/2010 - 11:02

حصاد عام 2007 بين إسرائيل والفلسطينيين../ ماجد كيالي

حصاد عام 2007 بين إسرائيل والفلسطينيين../ ماجد كيالي
لم تحصل في العام 2007 تطورات ذات أهمية كبيرة في المشهد الإسرائيلي، ولا في مشهد العلاقات الإسرائيلية ـ الفلسطينية، ولكن المشهد الفلسطيني حفل بتطور على غاية في الأهمية والخطورة تمثل بالانفصال السياسي بين قطاع غزة والضفة الغربية، إثر سيطرة حركة حماس على القطاع في يونيو من هذا العام.

هكذا ففي العام 2007 ليس ثمة في الجانب الإسرائيلي، أية تطورات ذات أهمية سياسية تذكر، وذلك على الصعيدين الداخلي والخارجي، وبرغم ذلك فقد استطاعت إسرائيل أن تأخذ المنطقة، طوال العام الماضي، نحو كثير من الترقب والتوتّر، بالنظر لترويج بعض النظريات عن اعتزام هذه الدولة توجيه ضربة عسكرية، نحو لبنان أو نحو سورية، أو نحو إيران، في الصيف ثم في الخريف، لترميم هيبة جيشها، وإضعاف سورية، وتحجيم نفوذ إيران على الصعيد الإقليمي، وتقويض محاولاتها امتلاك القدرة على إنتاج أسلحة نووية.

المفارقة أن موقف إسرائيل إزاء سورية اتسم عام 2007 بالكثير من الحيرة، وربما المراوغة، حيث تراوح هذا الموقف من التصعيد الكلامي ضدها، إلى تنفيذ هذا التصعيد فعلا في الغارة التي تمت على منشأة في شمال شرق سورية، والعمل بنفس الوقت على إشاعة مواقف مؤيدة لاستئناف التفاوض معها.

وعلى الصعيد العسكري ركزت إسرائيل جهودها عام 2007 على إعادة تأهيل جيشها، من الناحية التكنولوجية والتسليحية ومن ناحية القطعات والتدريب، لترميم هيبته، واستعادة قوته على الردع، بعد أن تبينت مواقع العطب فيه، على ضوء إخفاقه في تجربة الحرب على لبنان (صيف العام 2006)، وأيضا لتأهيله لصد المخاطر الأمنية الجديدة التي تواجهها إسرائيل، من إيران أو سورية أو حزب الله في لبنان، ومن عمليات المقاومة في فلسطين. وفي المجال الخارجي جرى حثّ الإدارة الأمريكية على رفع قيمة المساعدات المالية /العسكرية، بحيث وصلت إلى 3 مليارات دولار (بدلا من 2.4 مليار سنويا).

على الصعيد الحزبي لم تشهد إسرائيل تطورات دراماتيكية باستثناء عودة ايهود باراك إلى رئاسة حزب العمل، بدلا من عمير بيريتس، على خلفية إخفاق هذا الأخير بإدارة حرب لبنان. ولاشك بأن هذا التحول، الذي كان من شأنه تسليم باراك وزارة الدفاع الإسرائيلية، تقوية حكومة ايهود اولمرت، وتعزيز الثقة بها.

داخليا، أيضا، شهدت إسرائيل تطورات لافتة بالنسبة للطبقة السياسية القائدة فيها. فإيهود أولمرت رئيس الوزراء (وزعيم "كاديما")، خضع لتحقيقات مطولة بشأن وقائع حرب لبنان، شملت أيضا عمير بيريتس (وزير الدفاع وزعيم حزب العمل آنذاك)، وعديد من القادة العسكريين، وضمنهم الجنرال دان حلوتس رئيس أركان الجيش (سابقا)، الذي قدم استقالته بسبب الشبهة في مسؤوليته عن الإخفاق في الحرب. وثمة لجنة تحقيق رسمية (لجنة فينوغراد)، مازالت تواصل تحقيقاتها وتقاريرها، بشأن تعيين المسؤولية عن الإخفاق في الحرب المذكورة.

وإذا كانت تلك التحقيقات طاولت قضايا مصيرية، تتعلق بقوة إسرائيل وهيبة جيشها وطريقة اتخاذها للقرارات، فثمة تحقيقات ومحاكمات تعرض لها نخبة من قادة إسرائيل على خلفيات أخلاقية. فموشيه كتساف رئيس الدولة (حينها) اضطر إلى أخذ إجازة للخضوع للتحقيق في قضية اغتصاب، وحاييم رامون، أيضا، اضطرته قبلة خفيفة وعابرة إلى مغادرة الحياة السياسية، ولو إلى حين، بتهمة تحرش جنسي؛ علما أنه من ألمع نجوم السياسة في إسرائيل، وأكثرهم شعبية.

على الجانب الفلسطيني كانت التطورات غاية في الخطورة والأهمية، كما قدمنا، إذ شهد هذا العام احتدام الاقتتال بين الفلسطينيين، بين السلطة وحركة فتح من جهة، وحركة حماس من الجهة الثانية، بحيث أن حصيلة ضحايا الفلتان الأمني في قطاع غزة، خلال الربع الأول فقط من العام الحالي (2007)، بلغت (1065) شخصاً، بينهم (147) قتيلاً. وقد شهد هذا العام محاولات بذلتها عديد من الأطراف العربية لرأب الصدع في الساحة الفلسطينية، توجت بقيام المملكة العربية السعودية بدعوة الطرفين المعنيين (فتح وحماس) للحوار والتوقيع على اتفاق "مكة" (فبراير 2007)، المتضمن تحريم الاقتتال الفلسطيني، والتوافق على وثيقة إجماع سياسي، وإنشاء حكومة وحدة وطنية.

لكن هذه الجهود لم يكتب لها النجاح، في تجنيب الساحة هذا التردي المريع الذي وصلت إليه، وكان أن قامت حركة حماس بحسم الأمر بالسيطرة الأحادية والاقصائية على قطاع غزة، بوسائل القوة، في يونيو 2006، حتى أن ثمة إحصائيات تفيد بمقتل مئات من حركة فتح ومنتسبي الأجهزة الأمنية في هذه المحاولة.

وقد نتج عن ذلك تداعيات جد خطيرة على الساحة الفلسطينية، فالكيان والسلطة والمرجعية في هذا الساحة، انقسمت إلى كيانين وسلطتين ومرجعيتين، الأولى في رام الله، المدعومة من قبل منظمة التحرير، والنظامين العربي والدولي، وتعتبر السلطة الشرعية، والثانية في قطاع غزة تسيطر عليها حركة حماس، وهي باتت محاصرة على كافة الصعد. وهكذا أضحت الساحة الفلسطينية في حالة من الانقسام السياسي والديمغرافي علاوة على الانقسام الجغرافي بين غزة والضفة.

ومن النتائج الخطيرة لهذا الانقلاب في العلاقات الداخلية، تشريع الحسم بالسلاح، لحل الخلافات البينية، ووأد العملية الديمقراطية، وتقويض التنوع والتعددية في حركة التحرر الفلسطينية، والتسهيل على إسرائيل مخططاتها بشأن التملص من التزاماتها إزاء الفلسطينيين.

أما على صعيد العلاقات الفلسطينية ـ الإسرائيلية، فإن العام 2007 شهد العديد من التطورات من ضمنها تشديد إسرائيل حصارها لقطاع غزة، على خلفية سيطرة حماس عليه، واعتباره كيانا عدوا، وهو الأمر الذي اخضع القطاع لعزلة سياسية واقتصادية وأمنية خانقة، باتت تضيق أكثر فأكثر على حيوات مليون ونصف مليون فلسطيني فيه. بالمقابل فإن عمليات إطلاق الصواريخ من قطاع غزة تواصلت، بين حين وآخر، الأمر الذي جعل إسرائيل تستفرد بالقطاع بعمليات الاغتيال والتدمير فيه، بدعوى الرد على القصف الصاروخي، مستغلة في ذلك العزلة الدولية والإقليمية، التي بات القطاع يتعرض لها بعد سيطرة حماس عليه.

أما التطور الأبرز على صعيد العلاقات الفلسطينية ـ الإسرائيلية، في العام 2007، فهو المتمثل بالإعلان عن استئناف المفاوضات بين الجانبين، في المؤتمر الذي نظمته الإدارة الأمريكية في أنا بوليس (ولاية ميريلاند) في نوفمبر الماضي، بحضور نحو 54 دولة وهيئة إقليمية ودولية، والذي يمهد لمرحلة جديدة من الصراع التفاوضي بين هذين الجانبين.

فوق ذلك فإن هذا المؤتمر أفضى بدوره إلى عقد مؤتمر اقتصادي دولي للدول المانحة في باريس في منتصف ديسمبر، والذي تعهدت بموجبه هذه الدول بدعم قيام الدولة الفلسطينية، سياسيا وماديا، وبتأمين مبلغ قدره 7.4 مليار دولار، على ثلاثة سنوات لهذا الغرض.

وكالعادة فإن أجواء التفاؤل بين الفلسطينيين والإسرائيليين سرعان ما تنقشع، فما إن انتهت الأجواء الاحتفالية للمؤتمرين المذكورين حتى سارعت إسرائيل للإعلان عن إنشاء مستوطنات جديدة (في جبل أبو غنيم في القدس مثلا)، وعن تسمين مستوطنات قائمة (معاليه ادوميم)، ضاربة عرض الحائط بكل الالتزامات السابقة، وضمنها ضرورة عدم قيام أي طرف بتغيير الوضع على الأرض، والالتزام بتجميد النشاط الاستيطاني، وتفكيك النقاط الاستيطانية العشوائية.

أخيرا وبحسب الاحصائيات فإن العام 2007 هو الأهدأ لإسرائيل حيث قتل خلالها 11 إسرائيليا فقط، في حين قتلت هي حوالي 375 من الفلسطينيين، بينما كان ضحايا الاقتتال الفلسطيني أكثر من ذلك!

هكذا انتهى العام 2007 والصراع التفاوضي بين الفلسطينيين والإسرائيليين على أشده بشأن ما يحق لإسرائيل وما لا يحق لها، وبشأن التزامها بعملية التسوية وبشأن الاستيطان، الأمر الذي يهدد بإطاحة كل الآمال التي أشاعتها مناخات أنابوليس وباريس. فما الذي سيأتي به العام 2008؟ وهل من تطورات جديدة حقا؟

التعليقات