31/10/2010 - 11:02

حكومة شارون تتعمد اهمال المرونة السياسية الفلسطينية/ محمد خالد الأزعر

-

حكومة شارون تتعمد اهمال المرونة السياسية الفلسطينية/ محمد خالد الأزعر
من رحاب الأمم المتحدة، أرفع منابر التعبير عن الإرادة الدولية، وفي حضرة زهاء مئة وخمسين ملكاً وأميراً ورئيس دولة أو ممثليهم، جهر آرييل شارون بأن إسرائيل ستعمل على إعاقة الانتخابات الفلسطينية (التشريعية) إن شاركت فيها حركة حماس. بذلك، زود رئيس الوزراء الإسرائيلي الساخرين من زعم الديموقراطية في بلاده بمادة إضافية ودسمة.

غير أن المناسبة تسمح بما هو اعمق غوراً وأوسع نطاقاً من العكوف القديم على تفنيد المقاربات التي تدرج إسرائيل في عداد الديموقراطيات. فالتصريح الإسرائيلي يسهم في تقويض منطق المتبجحين بإمكان إجراء انتخابات حرة ونزيهة بين يدي شعب يخضع للاحتلال، في فلسطين كما في أفغانستان والعراق.

السوابق والعبر التاريخية ذات الصلة تقول إن سلطة الاحتلال، أي احتلال، لا تقف طرفاً محايداً في حال قدر للشعب الواقع تحت سيطرتها خوض تجربة الاختيار الانتخابي بين أكثر من قوة متنافسة، فغالباً ما تقحم هذه السلطة تفضيلاتها وانحيازاتها وتدس أنفها في غمرة هذه العملية. مثل هذه المداخلة قد تجري بصورة قبلية أثناء الاستعدادات الأولية، وربما جرت يوم التصويت والاقتراع أو عبر التلاعب عند فرز الأصوات وإعلان النتائج، ولا يعدم الأمر أن تلجأ سلطة الاحتلال إلى تجاوز نتائج التجربة كلياً إذا ما جاءت على غير ما تراه في صالحها وأهوائها.

كقوة استعمارية لم تكن إسرائيل يوماً بدعاً من هذا التقليد، ولا سلكت غيره وهي تعالج الحياة السياسية الفلسطينية، فهي سايرت العملية الانتخابية الفلسطينية وتقيدت بنتائجها طالما استبصرت فيها ما يوافق برنامجها للتسوية، ثم إنها مانعت في سيرورة هذه العملية أو خالفت مخرجاتها بمجرد استشعارها للعكس. وليس بعيداً عن الذهن مقاربتها للمرحوم ياسر عرفات، التي خلت من تأثير العامل الانتخابي في تحديد مكانته لديها أو سياستها تجاهه. ومن الثابت أنها عارضت آلية الانتخابات الرئاسية الفلسطينية في السنوات الثلاث الأخيرة من حياة الرئيس الفلسطيني الراحل خشية تجديد أو شحذ شرعيته الديموقراطية.

لا يعد الإجراء الانتخابي، ولا الديموقراطية بكل شعائرها، وجوداً أو عدماً، محدداً أساسياً ولا هامشياً للتعامل الإسرائيلي مع أي قوة فلسطينية، هي لم تتفاعل مع نخبة أوسلو داخل منظمة التحرير الفلسطينية قبل 1993 ولا بعده لأنها كانت منتخبة· تجاوبت مع هذه النخبة، وعلى رأسها عرفات، يوم لم تحظ بشرف القيادة عبر انتخابات حرة ولا مغشوشة. ونبذت من غضبت عليه منهم عن أسباب لا تمت للديموقراطية بصلة حتى بعدما نالوا هذا الشرف في انتخابات العام 1996.

هذه القناعة ذاتها تنطبق على الموقف الإسرائيلي من السلطة الفلسطينية ومعارضيها على حد سواء، على فتح وحزب الشعب كما على حماس والجهاد. هناك مسوغات للادعاء بسلطوية فتح، حزب السلطة، وكذا لرمي كثير من رموزها القيادية بالفساد، بأكثر مما تتوافر اتهامات مماثلة بحق حماس وأخواتها في المعارضة· ومع ذلك، فإن شارون وبطانته يستمرئون التعاطي مع فريق فتح والسلطة· ويقيناً تبدو إسرائيل عموماً على استعداد للتسامح مع وجود هذا الفريق وتسهيل حصوله على غالبية في الحكم والإدارة فلسطينياً، سواء تم ذلك بانتخابات عامة أم من دونها.

المحدد الأساس في المسافة التي تتخذها إسرائيل من طيف القوى الفلسطينية، قبولاً أو رفضاً، اقتراباً أو ابتعاداً، يتعلق بمدى إصغاء هذه القوى لخطاب التسوية الإسرائيلي وتفهمه والتجاوب معه. بخلاف ذلك، لا تعبأ إسرائيل بمن راح وجاء في جوف النظام الفلسطيني، بل إنها قد لا تنشغل إطلاقاً بالكيفية التي تصعد بها القوى الفلسطينية إلى قمة صناعة القرار داخل هذا النظام·

من أجل التخلي عن موقفها الرافض لمشاركة حماس في الانتخابات، لم تشترط إسرائيل إخضاع حماس للفحص المجهري بحثاً عما إذا كانت حركة ديموقراطية من عدمه· هي تحدثت فقط عن ضرورة شطب ما يتعلق من ميثاق الحركة برفض الوجود الإسرائيلي وعن إلقاء الحركة لسلاحها. لم تقل إسرائيل إن حماس مثلاً تقوم على منطلقات عقيدية دينية مغلقة على فئة من الناس، بما يفتح مجالاً للتشكيك في ديموقراطيتها الحقة. ولا هي ذهبت إلى أن هذه الحركة تتبع السرية في تحركاتها والمركزية في صنع قراراتها، ما يعزز هذا التشكيك. كل ما يعينها من أمر حماس هو ممانعتها لنهج التسوية المستند إلى الإملاءات الإسرائيلية واستعصامها بالمقاومة المسلحة كأحد أدوات التعبير عن هذه الممانعة.

ولعله من المهم في هذا الإطار، ملاحظة ما تنطوي عليه السياسة الإسرائيلية من إغفال وتجاوز عمدي لمسألة التجليات الديموقراطية في سلوك حماس، فالحركة كانت مرفوضة إسرائيلياً إبان ازورارها عن الانغماس في صلب النظام الفلسطيني بشقيه: منظمة التحرير والسلطة الوطنية، قبل أوسلو وبعده· والمدهش أن يظل الرفض الإسرائيلي على حاله بعد اتجاه حماس للانخراط في هذا النظام بشقيه أيضاً، والاحتكام إلى الصندوق السحري، صندوق الانتخابات الذي يصدع الإسرائيليون «الديموقراطيون» رؤوس الخلق عن دوره في إنعاش الحياة الديموقراطية والإصلاح السياسي.

قبل تصريح شارون أعلاه، كانت الأوساط الإسرائيلية تلمح إلى موقفها من حماس والانتخابات. لكن هذا التصريح قطع، بفجاجته وتوقيته ومكان البوح به، كل توقع بتراجع إسرائيل عن هذا الموقف. والظاهر أن الانتقال من ثرثرات المسؤولين الإسرائيليين حول القضية إلى تبنيها علناً وبصلافة على لسان رئيس الوزراء، تم بعد تقدير دقيق مسبق لتداعيات وجود حماس في قلب العملية السياسية الفلسطينية. قبل ذلك، كانت لدي إسرائيل آمال في أن تعيد حماس النظر في توجهها أو تحيد عنه، تحت ضغط الاستفزازات التي توالت عليها خلال الشهور القليلة الماضية، فلما انقضت هذه الآمال وخابت، أخرجت إسرائيل العقدة ووضعتها في المنشار.

ونحسب أن هذا الحسم يعود إلى حسابات موجزها أن حماس المنضوية في الشرعية الانتخابية الفلسطينية، علاوة على الشرعية الثورية، ستكون أكثر حماية من ضربات إسرائيل المادية والإعلامية التحريضية. ثم ان كل المؤشرات تشي بأن هذه الحركة الفوارة ستمسي في اليوم التالي للانتخابات بين حالين، فإما أن تكتسح غالبية تمكنها من رقبة النظام الفلسطيني، وإما أن تنال ثقة تؤهلها شعبياً وسياسياً إلى مكانة المعارضة القوية المؤثرة في توجيهات النظام وسياساته ومواقفه.

وفي الحالين، لن تصبح إسرائيل بصدد حكم أو سياسة طيعة فلسطينياً حتى وإن ارتضت حماس سبيل التفاوض المصوب بتهدئة مسلحة ممتدة·

تملك إسرائيل في كل حال القدرة على إعاقة انسياب العملية الانتخابية الفلسطينية، كما تملك الرغبة في ذلك. ولذا لا تنبغي الاستهانة بموقفها الراهن من هذه العملية، والدفع بأن هذا شأن فلسطيني داخلي لا سلطان لدولة الاحتلال عليه!· ويفصلنا من الآن إلى يوم الاقتراع المفترض فلسطينياً، أربعة اشهر، لا يتعين إهدار لحظة منها في فضح عوار السلوك الإسرائيلي تجاه استحقاق ديموقراطي إصلاحي فلسطيني بالغ الأهمية· ومطلوب من السادة حراس التحول الديموقراطي في فلسطين أو أفغانستان والعراق وعموم الشرق الأوسط، النزول إلى ميدان الجدل والمشاركة في التشهير بهذا السلوك.

التعليقات