31/10/2010 - 11:02

حكيم.. من اللدّ إلى اللحد../ غسان الشامي

حكيم.. من اللدّ إلى اللحد../ غسان الشامي
هل كان يعلم من سمّوه أهله على اسم ابن بلدته، القديس الأكثر شعبية في بلاد الشام، الذي ما تزال كنيسته هناك في اللد، أنه سيكون حكيماً أكثر مما ينبغي، وأن الكثيرين من السائرين على حراثة دروب فلسطين سينسون اسم جورج او جاورجيوس أو جرجس أو جرجي ومعناه"الحارث"، ويصبح الطبيب المضمّخ برائحة تلك البلدة حكيماً فقط .. في ثورة قدّمت أبناءها قرابين وأكلت الكثيرين منهم؟!.

هل كان يتوقع الثمانيني الذي شغل العالم بصلابته ودماثته وبندقيته وأدويته وأيلوله وحزيرانه وتواضعه وعناده أننا سنصل إلى زمن كانونيٍِّ يفترق فيه الأهل والقبيلة وسكان الحي والمخيم والرفاق والأخوة، ينهشون لحم ضغائنهم وأنه سيوارى في لحدٍ خارج مسقط رأسه، مشيّعاً من بضعة آلاف فقط ؟!.

ما أثار حنقي في وفاة جورج حبش أنه مرّ على شاشات الفضاء العربي الملوّث مرور الضيف الثقيل، وفي أقنية الطوائف وغربان الماضي كخبرٍ عابر، احتل الطقس حيزاً أوسع منه، وكأن من يمسك بمؤخرات العرب الفكرية الآن يريد محو أرشيف المكان العالي من أجسامهم.

من أطلق اسم فلسطين في سماء الكون عبر طائرات هنا وهناك، وجلب ثوار العالم إليها، وتنقل من حصار إلى قتال، ومن توّسد أرضيات الأقبية نحو شمس الصراع، الرافض إلاّ اسم فلسطين كما هو، من دون إضافات أو اجتزاءات، الذي لا يلتفت إلى الأوسلويين ولا إلى الغارقين طيّ ماضويتهم وطقوسيتهم، القائل أنه لا يستطيع العبور إلى فلسطينه من معبر يرفع العلم الإسرائيلي.. كان يجب أن تتجاهله كاميرا الحاضر العربي المخصصة فقط للذين يتعرّون أمام الكلينتونية والبوشية، الذين سيدهشهم في أيار القادم، أي بعد ستين عاماً على خروج "الخُضر اللدّاوي" ومئات الآلاف من الطيبين إلى شتاتهم، كيف يجرّ آخر أوغاد المؤسسة الحاكمة في سبط الذئاب حكّام العالم"الحرّ" ليرقصوا فوق دماء الذين قضوا مؤمنين، أو شردّوا وما بدّلوا.

لو كان الحكيم طائفياً أو مذهبياً أو تابعاً أو مستزلماً أو ماسحَ جوخٍ أو واقعياً أوسلوياً، أو وادي عربهياً وكامب ديفيدياً لكان عرب المستقبل دفعوا أقمارهم الاصطناعية وديجتالاتهم وعدساتهم التي يدير واقعيتها بُعران الفكر المتمدن ومسوخ الحداثوية المستعربون، لتصوير الجنازة، لكنه واحد من آخر القوميين الأمميين المقاتلين الثائرين العروبيين الأيلوليين ذوي الهوية الناصعة، الذين يفضّل نسيانهم وطمر مرحلتهم تحت إسمنت العلاقات المميزة مع..أمريكا.

في المؤتمر الوطني الفلسطيني بدمشق في أواخر كانون أول قبل حوالي عشر سنوات جالدَ الحكيم ليرتجل كلمة مشوشة في موضوع العمل الفلسطيني من النهر إلى البحر، فكتبت معلقا أن على الرجل ترك مطرحه للآتين، ولم تمض سنة ونيف إلاّ وسلّم الدفة إلى شهيدها أبو علي مصطفى، ومن بعده أحمد سعدات المظلوم في زنزانته.. نعم، خضرُ من نار وماء يترك كرسيه في هذا الشرق لدماء جديدة..

أيها الحكيم حتى اللحد.. أجنحتكَ فوق.. عكّازك يقرع قحوفهم..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

التعليقات