31/10/2010 - 11:02

حماس والسلطة: الصعود إلى الهاوية../ مصطفى إبراهيم*

حماس والسلطة: الصعود إلى الهاوية../ مصطفى إبراهيم*
الصدمة والدهشة أصبحت السمة السائدة لدى الفلسطينيين خاصة في قطاع غزة، لم ينتهوا من متابعة الأخبار حول حملة أمنية انتهت بمقتل 14 مواطناً الشهر الماضي، حتى بدأت حملة أمنية جديدة قامت بها الأجهزة الأمنية والشرطة في حكومة غزة، 14 ساعة وصوت الرصاص والقذائف والعبوات الناسفة تهز أرجاء مدينة غزة، لم يتحرك أحد ولم يستطع أي من الصحافيين أو العاملين في مؤسسات حقوق الإنسان معرفة ما يجري.

المعلومات القليلة التي استطعت الحصول عليها، على رغم أن منزلي لا يبعد سوى عشرات الأمتار عن مكان الهجوم، وغيري من الزملاء الصحافيين والعاملين في مؤسسات حقوق الإنسان، تفيد أن الحملة الأمنية على عائلة دغمش بدأت لإلقاء القبض على مشتبه به بقتل شرطي، ومتهم بقضايا جنائية أخرى.

المفاوضات التي قام بها بعض فصائل العمل الوطني والإسلامي انتهت قبل أن تبدأ، برفض "حماس" شروط العائلة بتسليم أحد المطلوبين فقط، وإعطائهم فرصة لتسليم الأخرين، واشترطت تسليم اثنين آخرين.
14 ساعة من الرصاص وقذائف "ا ربي جى" وهاون وخوف و قلق لدى الأطفال والكبار، الذين لا يملكون من أنفسهم شيئاً سوى المحاولات الفاشلة للتهدئة من روع أطفالهم.
الصمت والدهشة سيطرتا ليس على المواطنين فقط، بل على الأحزاب والفصائل الوطنية والإسلامية والشخصيات الوطنية والاعتبارية، ومؤسسات المجتمع المدني، حتى بعدما ظهرت الأعداد الحقيقية للقتلى والجرحى.

إن أحداً لا ينكر حق أي سلطة بفرض القانون والنظام.
لكن إلقاء القبض على أحد المطلوبين اختبأ وتحصن مع من أشقائه وأقاربه في منزله، ومنزل آخر للدفاع عن أنفسهم وعنه، لا يتم من خلال قتل بعضهم بعدما ألقوا سلاحهم حسب إفادات مشفوعة بالقسم أدلى بها أقاربهم للعاملين في مؤسسات حقوق الإنسان.

وهل فرض الأمن والقانون تكون نتيجته سقوط 12 قتيلاً في عملية تستهدف اعتقال مطلوب واحد أو أكثر؟!!
دهشة وصمت من قبل الفصائل والأحزاب السياسية لم ترق إلى مستوى الحدث الكبير.

خلال الـ 15 شهراً الماضية منذ سيطرة "حماس" على القطاع بالقوة، ارتكبت الشرطة والأجهزة الأمنية التابعة لها وكتائب عزالدين القسام انتهاكات جسيمة وخطيرة لحقوق الإنسان، وضد المئات من الفلسطينيين من أعضاء حركة "فتح" وأنصارها، وضد الصحافيين، ووقعت اشتباكات مسلحة عنيفة ودامية بين عدد من العائلات، والشرطة، و بين "حماس" وبعض الفصائل، وصلت حد الاشتباكات في داخل بعض المساجد ومحيطها، ومقتل عدد كبير من المواطنين، وأفراد من الشرطة.

وقُتل عدد من المواطنين سواء في مراكز التحقيق أو في ظروف غامضة، ولم تقم الشرطة في حالات عدة بتطبيق القانون في الاعتقالات بل نفذت العديد من حالات الاختطاف وسجل عدد كبير منها ضد مجهولين.
وفي كل مرة كنا نسمع من حركة "حماس" تبريرات غير مقنعة في طريقة فرضها للأمن وتطبيق القانون والنظام، وسمعنا كذلك عن عدد من لجان التحقيق التي شكلتها الحكومة في غزة، حول انتهاكات خطيرة وقعت في القطاع، إلا انه حتى الآن لم تعلن نتائج التحقيق باستثناء عدد محدود جداً، يتعلق بأحداث فردية ومحسوم الأمر فيها، ولا تمس بأي شكل من الأشكال حركة "حماس" والأجهزة الأمنية التابعة لحكومتها.

ونسمع الآن عن توقيف عدد من المشتبه بهم في أحداث عائلة دغمش، لكن لم نسمع عن محاكمة أي منهم، سواء سابقاً أو لاحقاً.
الحكومة في غزة تتصرف بعقلية التنظيم وليس الحكومة ولم تقدم تجربة في الممارسة الديمقراطية التي فازت على أساسها بالحكم، ووعدت الناس بها، وتثبت كل يوم أنها تحكم بمنطق القبيلة والتنظيم العسكري الذي لا يرى سوى مصالحه الخاصة.

فعلى إثر الحملة الأمنية على حي الشجاعية بمدينة غزة مطلع الشهر الماضي ومقتل 14 مواطناً، وفرار نحو 150 آخرين باتجاه إسرائيل، وما سبقها من هجمة على مؤسسات "فتح" والاعتقالات السياسية التي رافقتها، خرجت بعض الأصوات التي نادت من أجل فتح تحقيق فيما جرى، إلا أنه لم يحصل شيء، ولم تتقبل "حماس" والحكومة في غزة أي نقد، وكانت هناك تبريرات من بعض أعضاء "حماس" أن حجم جريمة الشاطئ أسكت كل الأصوات التي نادت بالتحقيق سواء من داخل الحركة أو من خارجها.

وكل مرة أيضاً كنا نسمع عن تبريرات أن بعض أفراد الشرطة الذين شاركوا سواء في الحملة على الشجاعية أو على عائلة دغمش، كانوا من خارج مدينة غزة، وأن هؤلاء هم من قتلوا المطلوبين بعد استسلام بعضهم، وأن بعض أفراد الشرطة المشتبه هم من عائلات لهم ثأر مع عائلة دغمش، ونفذوا تصفية حساب مع بعضهم الذين كانوا في يوم من الأيام أعضاء في كتائب القسام، وهذا ما تحدث به بعض أفراد العائلة، وبعض أفراد الشرطة الذين قال بعضهم أنهم اعتقلوا عدداً من المطلوبين، الذين شاركوا في مقاومة الشرطة والأجهزة الأمنية ولم يقتلوهم.

وقام بعض أفراد الشرطة بتصوير عملية القتل، ورفضهم تقديم الإسعاف للجرحى وسمعت أصوات بعضهم، من خلال شريط مصور يظهر عدد من القتلى واحد المصابين قبل أن يفارق الحياة، وهم يمنعون بعضاً منهم من تقديم الإسعاف للجرحى، وتركهم ينزفون حتى الموت، وهذا ما أشارت إليه روايات شهود العيان وذوي الضحايا من أن بعض أفراد الشرطة نفذوا عمليات قتل خارج نطاق القضاء.
يمكن أيضاً أن تكون هذه الصور غير صحيحة ولكن يجب التحقيق في مدى صحتها.

ما جرى لدى عائلة دغمش خطير كما حدث ذلك أيضاً مع عائلة حلس، وغيرها من الأحداث التي وقعت، وتم توثيق بعض فصولها.
وليست هذه المرة الوحيدة التي تخرج صور بذلك، فالصور التي خرجت حول مقتل عدد من أفراد عائلة دغمش، صورت من كاميرات هواتف نقالة خاصة ببعض أفراد الشرطة، كتلك التي صورت بعض الأحداث في حي الشجاعية لإفراد من عائلة حلس وهم يساقون ويجبرون على الهتاف وترديد شعارات التأييد لحماس.

في إسرائيل بعد فوز تسيبي ليفني برئاسة كاديما يبحثون عن الاستقرار السياسي، وعلى رغم ذلك يحذر بعض المحللين أنها لن تنجح، ونحن في فلسطين نبحث عن الوسائل الأكثر نجاعه في تعميق الانقسام والفرقة والكراهية، وخلق ثارات جديدة، والصعود إلى الهاوية في ظل مزيد من الدماء وغياب سيادة القانون، والمصلحة الوطنية.

فالسلطة الفلسطينية تحضر نفسها للمواجهة القادمة في الضفة الغربية وربما في غزة ضد "حماس"، خاصة بعد معركة ولاية الرئيس، و"حماس" في غزة تستعدي الكل الفلسطيني بما تقوم به.
على "حماس" أن تفصل بين وجودها وعملها كتنظيم سياسي، وبين كونها حكومة تقود مليون ونصف مليون فلسطيني في غزة، وتعمل من أجل تحرير فلسطين!!!

التعليقات