31/10/2010 - 11:02

خدام عمل على تخريب العلاقات بين سورية وم. ت. ف!/صبري حجير*

خدام عمل على تخريب العلاقات بين سورية وم. ت. ف!/صبري حجير*
لن اتحدث، في هذه المقالة، عن الأسباب الذاتية لدى عبدالحليم خدام، التي جعلته يحمل حقائبه وخزائنه ومقتنياته ويشدّ الرحيل الى باريس.

ولم أتحدث عن الثراء، غير المشروع، الذي تمكن منه خدّام وأبنائه وأحفاده وأصهاره، لأنّ هذا الموضوع تناوله الكثيرون من أبناء سورية الشرفاء.

ولم أُشر، من قريبٍ أو بعيدٍ، الى الخراب الصحيّ والبيئيّ، الذي تسبب به خدام وأبنائه في أرض الشام، بفضل طمر المخلفات النووية تحت تراب بادية الشام! وما جناه مع أبنائه، من ثروات طائلة، نتيجة تلك الصفقات المشبوهة! ذلك لأنّ الكثيرين من أعضاء مجلس الشعب السوري، جاؤوا، مؤخراً على ذكرها وأدانوها، واعتبروها عملاً مضراً بالأمن القومي للشعب السوري.

ولم أتحدث عن الخيانة العظمى التي ألصقها به حزب البعث العربي في سورية، بعدما ظهرَ خدام على شاشة إحدى الفضائيات العربية، في باريس، متصنعاً إظهار الثقة، ورباطة الجأش، والترابط الشخصيّ، ليعلن من باريس، انحيازه للشعب السوري، الشعب الذي تدنت مستويات العيش لديه، الى درجة أوصلته للبحث عن لقمة العيش في أكوام القمامة، حسب تعبيره، وليرفض النظام الذي تربع على كراسيه، أكثر من ثلاثة عقود، لأنّ النظام كما ادّعى حالة طارئة، لكنّ البقاء للأمريكان!.

كلّ ما أريد التحدث به هو المواقف السياسية التي يؤمن بها هذا الرجل، في هذه المرحلة، التي تعبرها سورية نظاماً وشعباً، وهي مرحلة محفوفة بالمخاطر، ومليئة بالمطبات، وملبدة بالغيوم.

بات من نافلة القول، انّ الإدارة الأمريكية ليست معنية في لبنان، وما يتفاعل في بنيانه الداخلي، بقدر ما يعنيها العراق وما يجري فيه، وهي تبحثُ عن اليد التي تمتدّ لها وتنقذها من الرمال العراقية الموحلة.

وليسَ أمام الإدارة الأمريكية غيرَ سورية، لأنهاّ هي البلد العربي الوحيد، القادر على انقاذها، وانتشال الجيش الأمريكي من المستنقع العراقيّ المستغرق فيه، إذا ما استجابت لمتطلبات السياسة الأمريكية، وهي متطلبات سياسية وعسكرية وأمنية قاسية، وتعني، بكلّ وضوح، أن تدخل الجيوش السورية الى المدن العراقية، وتعمل على إخماد شعلة المقاومة العراقية الباسلة، ومن ثمّ تساهم في حفظ الأمن، وتهيء المناخات المناسبة لبسط السيادة الأمريكية على العراق ودول الخليج أولاً، وعلى الشرق الأوسط برمّته ثانياً.

فليس مطلوباً من سورية أن تقف على الحياد، أو تكتفي بمنع المقاتلين العرب من عبور أراضيها الى العراق، كما هي عليه الحالة الآن، فهذا موقف، بنظر الإدارة الأمريكية، يتصف بالسلبية، ولا يتمتع بالإيجابية، وبالضرورة لا يحظى بالرضى الأمريكي.

انّ النظام السياسي في سورية، وعلى رأسه الرئيس الشاب بشار الأسد متشبثاً بمواقفه القومية، يرفض الإنصياع للمتطلبات الأمريكية، السابقة الذكر، ومازال يشكل في قوامه الرئاسيّ والحزبي حائط الممانعة الصلب في وجه إرادة الهيمنة والسيطرة الأمريكية.

السيد عبدالحليم خدّام، يرى كما يرى الكثير من الزعماء العرب، انّ السياسة الخارجية السورية ما عادت تعجبهم، لأنها غير واقعية ولا تتوافق مع حقائق الواقع، ولأنّها مواقف تستند الى المبادئ الوطنية والقومية، وتعبّر عن أصالة الشعب السوري ونظامه السياسي، بمكوناته الحزبية والرئاسية.

ظهر عبدالحليم خدّام عبر قناة العربية الفضائية، في قصرٍ باريسيّ منيف، محدداً اتجاهه السياسي المخالف للمواقف التي اتخذتها سورية، بقيادة الرئيس الشاب بشار الأسد.

ذكر خدّام في سياق المقابلة مع قناة العربية "أنّه كان قد نصح الرئيس بشار أن يستجيب لمتطلبات السياسة الأمريكية، وأن يزيل جدار الممانعة من أمام الأمريكان، وينتهج سياسة الحوار مع الإدارة الأمريكية، وألاّ ينزلق في سياسة المواجهة معها" وقال خدّام في تلك المقابلة: أنّ الرئيس بشار، والقيادة السورية قرأت التطورات والأحداث السياسية، الإقليمية والدولية المتغيرة، بشكل خاطيء، الأمر الذي أدّى الى استنتاجات خاطئة أيضاً! وقد ذكر خداّم "انّ الفرصة كانت متاحة للرئيس بشار كي يفتح باب الحوار مع الإدارة الأمريكية، حين قال "أنّه في مطلع عام 2004 زار النائب الأمريكي، داريل عيسى سورية، وقابل الرئيس بشار، كما زارها فيما بعد، المبعوث الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط السابق مارتن أنديك" حيثُ كانت تلك الزيارات تمهد لتفاهمات أو فتح علاقات مع الإدارة الأمريكية. على ما يبدو، أنّ خدّام كان سعيداً، وارتسمت الفرحة على وجهه، عندما سمع من الرئيس بشار "أنّ أنديك أخبرهُ عن اعتزام وليم بيرينز، مساعد وزير الخارجية السابق لشؤون الشرق الأوسط، زيارة سورية على رأس وفد أمريكي كبير".

ذكر خدام في مقابلته التلفزيونية السابقة الذكر ما معناه "انّ عدم الإستجابة للمتطلبات الأمريكية وضع سورية في مطبات قاسية، كان يمكن للسوريين تجنبها لو أن الرئيس بشار الأسد أخذ بنصائحه، والتزم بتوجيهاته السديدة!" كيف لا وهو المهندس الأول للسياسة السورية على مدى عقود ثلاثة، وهو مَن يتمتع بعضوية القيادتين القومية والقطرية لحزب البعث العربي في سوريا، وكان النائب الأول لرئيس الجمهورية العربية السورية لسنين عديدة.

تسلم خدّام، كما يعرف الجميع، الملف اللبناني، طيلة خمسة عشر سنة، عاش فيها لبنان تحت سطوته وإرادته، وفي ظلّه حدث الكثير من التجاذبات مع الفلسطينيين، وما يجدر ذكره في هذا المجال، أن العلاقات الأخوية، الفلسطينية السورية، كان يشوبها في بعض الأوقات، التوتر والنفور والتباعد بفضل التأثير الكبير والواضح لخدّام على السياسة السورية.

وتذكر الحقائق والوقائع التاريخية، أنّ اتجاهان رئيسيان كانا يمنعان، ويعطلان أية مصالحة فلسطينية سورية، في الماضي، وأول هذين الإتجاهين (اسرائيل) التي كان من أهدافها إضعاف الطرفين للإستفراد بكلّ طرف على حدة، وثانيهما عبدالحليم خدّام، الذي كان يناصب منظمة التحرير الفلسطينية العداء!

في المؤتمر القطري الأخير لحزب البعث العربي في سورية، الذي انعقد مؤخراً في دمشق، فشل خدّام في فرض رؤيته السياسية على أعضاء المؤتمر، وهي الرؤية التي تؤمن شروط البقاء للنظام السوري، حسب قناعاته، بغض النظر عن الأهداف القومية والوطنية التي يؤمن بها حزب البعث العربي الإشتراكي.

عندما عجز خدّام في إحداث تغيير بمجريات السياسة الرسمية والحزبية، في سورية، أقدم على الإستقالة من مسؤوليته كنائب لرئيس الجمهورية.

اتخذ عبدالحليم خدّام من باريس محطة للعودة الى سورية الجديدة، على متن علاقاته مع فرنسا أو على متن الدبابات الأمريكية. ولا يعلم خدّام أنّ حالته صارت بائسة، وما عادت تسرّ عدوّ ولا صديق، لأنّ رهاناته على أمريكا سوف تتبخر مع غبار الأزمات والمآزق، التي تغمّمُ رأس الإدارة الأمريكية في العراق.


*كاتب فلسطيني مقيم في السويد

التعليقات