31/10/2010 - 11:02

خدمة "الوطنية" الإسرائيلية/ مهند مصطفى

خدمة
يتفق الجميع أن المجتمع العربي الفلسطيني في البلاد يواجه تحديات في صميم وجوده وثقافته وهويته، واعتقد أن التحدي الكبير هو محاولة تشويهنا أخلاقيا. مشروع الخدمة الوطنية، أو كما عدلتها لجنة "عبري" وسمتها الخدمة المدنية ليكون وقعها أسهل على الشباب العربي، هو جوهر هذا التحدي، وهو إعلان الولاء وربط الحقوق باستحقاقات، وهو التوجه الصهيوني الجديد للحفاظ على طابع الدولة اليهودي، أي استبدال الترانسفير بالولاء.

نظريا وتطبيقيا تربط الدولة اليهودية حصولنا على الحقوق (ويتحدثون عن حقوق فردية فقط، والحقوق الجماعية غير قابلة للنقاش) بخدمة يقدمها العربي في الحيز العام كما تعرفه الدولة طبعا. حيث ان الحقوق لا تشتق في الدولة اليهودية من خلال خطاب المواطنة، بل من خلال الانتماء العضوي إلى المجموعة المهيمنة (اليهودية)، أو من خلال خدمة الحيز العام.

لن أتطرق إلى قضية ربط الحقوق بالواجبات في النظام الديموقراطي، واعتقد أن رفضنا للخدمة الوطنية يتجاوز مجرد هذا الربط، فأشكال الخدمة يجب أن تكون مرفوضة بكل أشكالها ومسمياتها، لانها أولا وقبل كل شيء حالة من التشوه الأخلاقي وانعدام الإنسانية، قبل أي خطاب برغماتي (رغم أهميته) في نقاش الموضوع.

ينعكس التشديد على يهودية الدولة، في نمط التعامل مع الأقلية العربية الفلسطينية في إسرائيل، لا ينبع مشروع الخدمة "الوطنية" بالصيغة (أو بأي صيغة أخرى) التي طرحتها لجنة "عبري" لاعتبارات مدنية، بل لاعتبارات أيديولوجية، نابعة أولا واخيرا من الحرص في الحفاظ وتعميق الطابع اليهودي للدولة، دون الأخذ بعين الاعتبار المكانة الثقافية والحالة الخصوصية والأبعاد القانونية لأقلية الوطن أو الأقلية ألأصلانية.

كل شيء مسموح في خدمة الأيديولوجيا الصهيونية المحافظة على يهودية الدولة. لجنة "عبري" تجاوزت كل الخطوط بتوصيتها بإلزام الخدمة المدنية وربط الحقوق بالواجبات، فالحديث ليس عن عدم مساواة بالحقوق، بل الحرمان من الحقوق في حالة عدم أداء الخدمة المدنية. وتتم الان جهود حثيثة لصبغ هذا الطابع بالقانون وسن دستور في أسوأ سياق ممكن ليؤكد الطابع اليهودي للدولة.

وجاءت لجنة "عبري" لتؤكد الطابع اليهودي للدولة "رغما عن انف" العرب من خلال الخدمة " الوطنية"، إن عملية الخدمة المدنية، هي جزء من عملية أوسع وهي عملية الاسرلة. وأن الخدمة المدنية هي ذروة هذه العملية، وهي طموحها النهائي على ما اعتقد.

تحاول فكرة الخدمة المدنية كما تطرح إلى الربط ليس بين الحقوق والواجبات فقط، وهي صيغة مخالفة لمكانة الأقلية الاصلانية. وانما تحاول أن تجعلنا نذوت العلاقة بين الهوية والقضايا المطلبية اليومية. بحيث تفهمنا أن الحصول على الحقوق المطلبية اليومية يتم من خلال التخلي عن الكرامة والهوية الوطنية، وعبر قناة التشويه الثقافي.

إن الخدمة المدنية هي عملية متناقضة لصراع طويل خاضته الأقلية الفلسطينية ونخبها السياسية والثقافية في سبيل الوصول إلى المعادلة الحساسة بين الهوية الجماعية والقضايا المدنية، بحيث تصبح مطالبنا المدنية جزء من تعزيز هويتنا الجماعية، والأخيرة جزء من مطالبنا المدنية. بدون تناقض في القيم والثقافة والهوية.

تحاول الأقلية الاصلانية المحافظة أساسا على أمرين يجسدان البقاء والكرامة والهوية، الأرض والقيم، أي المكان والثقافة. وهناك علاقة كبيرة بين المكان والثقافة عند المجموعات الاصلانية. وعملية تهويد المكان تتم انسجاما مع فرض الحداثة الإسرائيلية على العرب في الداخل. الخدمة المدنية هي إحدى علامات بل رموز الكيان المتبلور على الأرض، وهي إحدى استحقاقات على العرب أن يدفعوها حتى كلاميا والمفضل شعوريا ليهودية الدولة.

لا يجب أن نحصر نقاشنا ونضالنا ضد مشروع الخدمة المدنية من منظر الحقوق والواجبات، لان نظرة المشروع الصهيوني اعمق من ذلك، وربما تجاوز هذا النقاش. بل تهدف الخدمة المدنية إلى التعامل معنا كمهاجرين وليس كأصلانيين، ومن طبيعة المهاجرين الاندماج وقبول رموز وقيم الدولة المهيمنة. ما معنى ذلك؟ معنى ذلك انه مطلوب منا كأقلية عربية أن نبحث عن شرعية لمواطنتنا، ويمكن تحقيق ذلك – أي الشرعية – من خلال الخدمة المدنية، إن اخطر ما في المشروع انه ينزع شرعيتنا كأقلية اصلانية لها حقوق ثقافية وكرامة وطنية.

إن عملية نزع الشرعية عن مواطنتنا مستمرة منذ سنوات وهو جوهر صراعنا المدني في الدولة اليهودية، كما أن فرض الاسرلة هو جوهر صراعنا في الحفاظ على هويتنا الجماعية والقومية. ولن تتم عملية إضفاء الشرعية على مواطنتنا من وجهة النظر الصهيونية إلا من خلال الخدمة المدنية، أي الاعتراف بطابع الدولة اليهودي، وهو الهاجس الأساسي للمشروع الصهيوني وهو أيضا أزمة شرعية، انهم يريدون اعترافا رسميا بشرعية الطابع اليهودي للدولة. وهي أيضا لن تتم إلا من خلال الخدمة المدنية.

ليس هناك شك أو نقاش أن الخدمة المدنية هي مقدمة للخدمة العسكرية، ولكن الخدمة المدنية بالصيغة المطروحة يمكن "تسويقها" من خلال التركيز على الإنجاز الفردي والمدني للأفراد في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية وسيطرة النزعة الفردانية والشخصانية عند البعض. لهذا يجب تركيز جل خطابنا للشباب وليس مواجهة المشروع فقط، مواجهته تتم من خلال تعميق معاني الانتماء وخطورة التشوه الثقافي. يجب أن نفهم شبابنا أن دولة لا تتبنى الخطاب المدني في التعامل مع مواطنيها ليس لها الحق القانوني ولا الأخلاقي أن تطرح مشروعا كالخدمة المدنية.

حتى الان تتم عملية الخدمة المدنية على شكل التطوع أساسا للشرطة الجماهيرية بشكل فردي، والتعامل الفردي هو سمة قديمة في تعامل المؤسسة مع الأقلية العربية. لهذا الرد يجب أن يكون جماعيا، ولنبدأ أولا بمواجهة هذا المخطط، قبل طرح مخطط بديل والذي أؤيده بلا شك. ولكن تكمن خطورة طرح بديل في الوقت الحالي في إعطاء شرعية لفكرة الخدمة المدنية ونحن لم نقم بأي جهد تثقيفي حول الموضوع. ولا ضير من تبني القاعدة الفقهية الأصولية في هذا الصدد": درء المفسدة أولا ثم جلب المصلحة ثانيا ".علينا أولا درء مفسدة مخاطر الخدمة المدنية ثم جلب المصلحة من خلال بناء مشروع وطني فلسطيني للتطوع. خصوصا وان تنظيم المشاريع الخاصة لن يتحقق بدون تنظيم الجماهير العربية، وذلك لن يتحقق إلا ضمن مجهود جماعي.

الشرطة الجماهيرية لم تحظ بالرفض المطلوب من الهيئات التمثيلية العربية, وهي شرطة أمنية وليست مدنية، ازداد عددها بعد انتفاضة الأقصى في أكتوبر 2000 لتصل إلى 55 مركزا في التجمعات العربية، وهي تهدف إلى كسر الحاجز النفسي بين الشباب العربي والزي الرسمي. على الرغم أن مؤتمر الجماهير العربية للتصدي للخدمة المدنية لم يخرج إلى حيز التنفيذ حتى الان، فان هناك حاجة ملحة إلى مواجهة الشرطة الجماهيرية بنفس الإرادة (إن وجدت) لمواجهة الخدمة المدنية.

لست ضد تعميق قيم التطوع وخدمة المجتمع الذي نعيش فيه، ولكن على أن يتم ضمن القنوات الوطنية الفلسطينية الداخلية. وينطلق من رحم المجتمع العربي الفلسطيني محافظا على الكرامة أولا وعلى الهوية الجماعية ثانيا.


التعليقات