31/10/2010 - 11:02

خطاب أوباما.. الخاسر الأكبر../ جميل مطر

خطاب أوباما.. الخاسر الأكبر../ جميل مطر
يوجد احتمال أن يكون نتنياهو وباراك أخطآ في بعض حساباتهما عندما قررا معا مع غيرهما الصعود أو الهبوط مع ريح السماء إلى بواخر قافلة الحرية.

يوجد احتمال آخر، وربما أقوى، أن يكونا قد خططا بدقة ولم يرتكبا أخطاء وجاءت النتائج أقرب ما تكون إلي الأهداف الموضوعة للخطة. أميل بالحس والطبع إلي الاحتمال الثاني، ليس إيمانا بنظرية المؤامرة، وإن كنت أعترف بأنني مع غيري من الذين وقع على عاتقهم ذات يوم الإسهام في صنع سياسة أو قرار سياسي اشتركت في التآمر، بمعنى من المعاني، ضد دولة عدوة. لم أعرف وقتها أنني كنت متآمرا. عرفت فقط حين تبدلت أولويات المصالح القومية فصارت الخطة التي وضعناها قبل سنوات للإضرار بمصالح دولة عدوة، تتناولها أقلام مصرية معينة بالانتقاد والتسفيه باعتبارها مؤامرات.

أميل إلى احتمال أن يكون الإسرائيليون خططوا جيدا لتحقيق نتائج قريبة الشبه جدا من النتائج الفعلية التي أسفرت عنها الحملة. أميل إلى هذا الاحتمال ربما تحت تأثير تجاربنا السابقة مع إسرائيل ومع نتنياهو تحديدا، وربما استنادا إلى متابعتي مسلسل التطورات الأخيرة في إسرائيل.

في تصوري أن الصعود الرهيب لقوى اليمين الإسرائيلي وأفكاره خلف لدى الإسرائيليين شعبا وحكومة ولدى القيادات المتطرفة في الجاليات اليهودية في الخارج، اعتقادا أنه ربما آن الأوان أن تقفز إسرائيل قفزات واسعة لعبور المرحلة النهائية في مسيرتها نحو استكمال الاستيلاء على معظم فلسطين وفرض هيمنتها على الإقليم وترسيخ نفوذها في العالم. ولماذا الانتظار؟

لقد تحققت لإسرائيل، كما يعرف محللون عرب كثيرون، الهيمنة على الحيز الرسمي العربي وصارت لها كلمة تؤثر بها في معظم علاقات الحكومات العربية في ما بينها، وبينها وحكومات دول أخرى مثل الولايات المتحدة ودول أعضاء في الاتحاد الأوروبي. حدث هذا بعد أن تعزز نفوذها في معظم العواصم العربية الهامة. لم تعد توجد دولة عربية، أو عدة دول عربية، أو الدول العربية مجتمعة في قمم القاهرة أو طرابلس أو الدوحة، تجرؤ على التصدي لهذه الهيمنة أو تقوى على تكبيل هذا النفوذ. وبالفعل صارت تصدر بكثرة عن مسؤولين عرب تهديدات جوفاء وقرارات منزوعة الأنياب وبيانات حروف كلماتها أكثر عددا من كل جنود العرب وطائراتهم ودباباتهم.

لا يخالجني شك كبير في أنه بانتهاء إسرائيل من مهمة فرض إرادتها على النظام الرسمي العربي، شعرت بأن الوقت حان لتتولى أمر «منطقة الجوار العربي»، أمر مستقبل علاقاتها وعلاقات الدول العربية بالدول المتاخمة للإقليم العربي. كان لازما تأليب العرب على إيران وتركيا وغرس الوقيعة بين مصر تحديدا وكل أهل الجوار وليس فقط الإيرانيين والأتراك.

قضينا شهورا كنا فيها شهودا على جهود دولية وإقليمية وعربية تبذل لتعبئة الرأي العام العالمي استعدادا لعمليات عسكرية ضد إيران وعمليات سياسية ضد تركيا. وعلى امتداد هذه الشهور كنا نسمع من أصدقاء يتابعون إيران من الداخل وفي الإقليم وأصدقاء آخرين كرسوا بعض وقتهم لفهم تفاصيل ما يحدث في تركيا وكثير منه كان بالغ الأهمية.

وقبل شهور كنا في اسطنبول عندما أبلغنا مسؤولون وأكاديميون أتراك أنهم يتعاملون مع التطورات الإسرائيلية بكل الجدية، وعرفنا أيضا، وهو الأهم، أنهم قرروا تصعيد مواقفهم وسياستهم الإقليمية والدولية لحرمان إسرائيل من استغلال حال الإحباط العربي وفراغ الإقليم وتعزيز هيمنتها ونفوذها في العواصم العربية... أذكر جيدا أننا خرجنا بانطباع أن دولا عربية كبيرة أعربت لتركيا عن طريق أجهزتها الدبلوماسية والاعلامية عن تبرمها أو خشيتها من المتغير التركي الذي يمكن أن يؤدي إلي تغيير في الوضع القائم في المنطقة.

في الوقت نفسه كانت إسرائيل تبعث برسائل عديدة إلى إيران تحذرها من أنها لن تفلت من عقوبة صدر القرار فيها بسبب إصرار قادتها على تطوير قدراتهم العلمية والتكنولوجية. كذلك وصلت رسائل، وإن من نوع آخر، إلى الأتراك. بدأ وصول هذه الرسائل منذ الأيام الأولى في حكومة حزب العدالة والتنمية، وتكثفت مع تجدد المحاولات التركية للاتصال بالسوريين والفلسطينيين. لم يكن في قصد الأتراك أن يزايدوا حين تعاطفوا مع أهل الجنوب في لبنان خلال العدوان الإسرائيلي بينما كانت دول عربية تراهن على القضاء على كافة إمكانات المقاومة، ولم يقصد الأتراك المزايدة عندما توسطوا بين السوريين والإسرائيليين وعركوا مكر حكام إسرائيل ونياتهم العدوانية ضد سوريا ولبنان.

أذكر أن معلقا غربيا علق في ذلك الحين بأن تركيا أخطأت في حق نفسها وتحالفها التقليدي مع إسرائيل عندما كشف بعض المسؤولين فيها قدر الخداع الذي يمارسه الإسرائيليون في مفاوضاتهم مع العرب.

وبمرور الوقت وباتضاح العزم التركي على وقف الانهيارات السياسية في النظام العربي، ومنع إسرائيل من الانفراد بالنفوذ أصبحت لدى الإسرائيليين دوافع أكثر لفتح النيران اليهودية على تركيا. نذكر غضب إسرائيل، وجالياتها في الخارج حين خرج اردوغان غاضبا من حوار في دافوس، كان شيمون بيريز رئيس إسرائيل مشاركا فيه. أذكر ليس بسبب ردود الفعل في إسرائيل ونيويورك وبين الجاليات اليهودية وممثلي الدولة الغربية وبخاصة دول حلف الأطلسي، وكلها اعتبرت سلوك اردوغان انحرافا عن نمط تعود عليه المسؤولون في عديد الدول، وهو التغاضي عن إهانات اسرائيل وتجاوزاتها، لكن لأنني اكتشفت في ذلك اليوم، نفس ما اكتشفه اردوغان عقب عودته إلى بلاده، وهو رد فعل الشارع التركي. كان ظني حتى ذلك اليوم أن الغضب على إسرائيل في تركيا، إن وقع، لن يخرج عن دائرة صغيرة من دوائر الرأي العام ولن يتجاوز عمقه عمق قشرة على سطح الحياة السياسية التركية، فإذا به متجذر وعميق ومنتشر.

تدرج متصاعدا الانتقام الإسرائيلي. لم يكن انتقاما عشوائيا أو غير مخطط. عرف الإسرائيليون، ونعرف نحن أيضا، أن الأتراك ما كانوا ليغفروا لإسرائيل الإهانة التي وجهتها لسفيرهم. كان واضحا أيضا أن الإسرائيليين تعمدوا تصعيد التوتر مع تركيا على أمل أن يضيق العسكريون الأتراك ذرعا بحكومة مدنية تطاردهم وتهدد مسلماتهم الأمنية التي نشأوا عليها في عصر الحصار الأميركي على الاتحاد السوفياتي.

على الجانب الآخر بدا أن حكومة أنقرة لن تتراجع، وستواصل تعاطفها مع الفلسطينيين في غزة، واختارت دعم قافلة الحرية، ورفضت الانصياع للضغوط الدولية والعربية التي بوشرت في محاولات مكثفة لتثني أنقرة عن دعمها القافلة. واختارت إسرائيل خطة التدخل العسكري ضد القافلة، وبدا واضحا لبعضنا على الأقل، أنها أطلعت أميركا وحلفاء آخرين على خطتها، لكنها لم تنتظر موافقة. رأينا ردود فعل الدول التي استشارتها إسرائيل وأغلبها تجاهر بأنها كانت تعرف وأيدت وباركت أو سكتت. سمعنا مندوب أميركا في مجلس الأمن وشاهدنا جو بايدين في برنامج حوار روز، ورأينا الرئيس الأميركي الغارق حتى رأسه في «زفت» خليج المكسيك يظهر على شاشة CNN، وسمعنا تصريحات من قادة أوروبيين وفجعنا بمواقف من مسؤولين عرب، لا تنفي أن استشارات وقعت قبل تنفيذ عملية القرصنة، وأن وعودا بذلت لتحجيم الصدى وتقييد الإعلام وحرمان كل من غزة وتركيا من جني ثمار انتصار سياسي أو إعلامي.

عام كامل انقضى منذ أن وقف أوباما على مسرح جامعة القاهرة يخطب ود الشعوب الإسلامية. كان خطابا عاطفيا ومؤثرا، وبالفعل حقق لأوباما شعبية وخفف من كراهية العرب المسلمين لأميركا، هذه الكراهية التي بلغت أوجها على يدي الرئيس بوش وسياساته العدوانية في أفغانستان والعراق ودعمه توسع إسرائيل وحروبها المذلة للعرب والمسلمين.

انقضى عام لم يحقق فيه أوباما خطوة واحدة إيجابية تحسب له على صعيد وقف النشاط الاستيطاني الإسرائيلي أو تحجيم عنف إسرائيل وغطرستها أو وقف أعمال العنف العشوائي ضد المدنيين في أفغانستان أو وقف أنشطة القوات الخاصة في أراضي يسكنها عرب ومسلمون في افريقيا والشرق الأوسط وآسيا...

عادت الكراهية تزحف إلى عقول العرب والمسلمين وعواطفهم تجاه أميركا وعاد اليأس من عدالة أميركا إلى مكانه في الوعي العربي. سمعت مواطنا يريد من أميركا أن تلعب دورا غير منحاز. يقول إنه حزين في الحالتين، حالة أوباما الذي كان على علم بخطة نتنياهو، وعندما انتهت، تطوع للدفاع عنها، كأنه يريد أن يقول لكل العرب والمسلمين، إنه بريء من خطابه الذي ألقاه في العام الماضي في جامعة القاهرة. وحزين في حالة أوباما الذي وصلت إدارته إلى درجة من الضعف تجاه إسرائيل جعلت إسرائيل ترتكب هذه الجريمة غير مكترثة باحتمال أن يغضب فيعاقبها. هذا الأوباما أو ذاك لا يستحق الحب الذي أحاطته به شعوب المسلمين عقب إلقائه خطاب تركيا ومن بعده خطاب مصر. حزين هذا المواطن. أفضل له ولنا أن يبحث عن شعور آخر غير الحزن واليأس.

إسرائيل لم تخسر كثيرا، خططت ونفذت مطمئنة إلى مساندة عواصم غربية وعربية. الخاسر الأكبر هو خطاب أوباما في جامعة القاهرة بعد أن انكشف أن الرجل أضعف مما قدرنا، أو أن الخطاب كان أكبر من الرجل.
"السفير"

التعليقات