31/10/2010 - 11:02

خوذة عمير بيرتس العسكرية والجدار العنصري الخانق والقاتل/ محمد ميعاري

خوذة عمير بيرتس العسكرية والجدار العنصري الخانق والقاتل/ محمد ميعاري
في الوقت الذي ينهمك فيه هذه الايام المرشح لرئاسة الحكومة القادمة اهود اولمرت في ترتيب وتركيب «بازل» حكومته المنتظرة، فقد اصبح من شبه المؤكد ان عمير بيرتس رئيس حزب العمل الشرقي الاصل وصاحب الشارب الكثّ، الذي يتناقص طوله بين الفينة والاخرى، سوف يعتمر الخوذة العسكرية ليصبح وزيرًا للحرب، الامر الذي يثير ابتسامة هازئة لدى الكثيرين داخل هذا الجيش وخارجه،الذي سيقف على رأسه، ولدى الكثيرين من رجال السياسة والناس العاديين، لانه انما يصل الى هذا الموقع ليس بسبب مؤهلاته الشخصية وتاريخه العسكري، انما تفاديًا لاعطائه منصب وزير المالية الذي اراده لانه «اشتراكي وستاليني» كما يصفه رجالات الاقتصاد الحر واصحاب نظرية العولمة، وان البرنامج الاقتصادي الذي ادعى انه يحمله ضد الفقر الذي تعاني منه الفئات المسحوقة في المجتمع الاسرائيلي سوف يؤدي الى تدمير الاقتصاد والمس بمصالح الطبقة الغنية صاحبة النفوذ القوي والمسيطر في جميع مجالات الحياة الاقتصادية منها والسياسية.

ومن ناحية اخرى فانهم يريدونه، وكذلك هو يريد لنفسه، ان يكون العنوان والمنفّذ لاستكمال جريمة بناء الجدار العنصري العازل والخانق والقاتل والذي انطلقت فكرته اصلاً من بنات افكار حزب العمل، مثلاً شمعون بيرس وحاييم رامون قبل انتقالهما بقفزة بهلوانية الى حزب شارون الجديد كاديما ومن بعده اولمرت الذي أعلن ان استكمال بناء هذا الجدار العنصري الخانق والقاتل انما يقع في صلب خطة حكومته الجديدة.

ويتعجب المرء كيف ان هذه الدولة التي تمتلك قوة عسكرية وتدميرية عظمى بما فيها قوة السلاح النووي، انما هي بحاجة الى مثل هذا الجدار العنصري الخانق والقاتل لحماية امنها وامن مواطنيها كما تدعي زورًا وبهتانًا؟ والحقيقة ان وراء هذا المخطط المجرم والادعاء الكاذب اسبابًا ودوافع عميقة الاثر وهي مرتبطة بطبيعة هذه الدولة العنصرية وبالاهداف المبيتة التي تسعى الى تحقيقها على الارض الفلسطينية وفي المنطقة.

ولعل اهم هذه الاسباب انما تكمن في محاولة متجددة اصبحت نهجًا وديدنًا لدى حكوماتها المتعاقبة لفرض امر واقع جديد وهو ترسيم حدود من طرف واحد، وليس مهمًا ان تكون ثابتة او متحركة او مؤقتة تضمن لنفسها في هذه المرحلة ارساء واقع على الارض لا رجعة عنه، ولتكن اية مفاوضات عبثية قادمة تنطلق من نقطة ما وراء الجدار.

وهي تكون بذلك قد حققت هدفين اثنين بضربة واحدة على جانبي الجدار. الجانب الاول هو الجانب الاسرائيلي حيث كان الآباء المؤسسون لهذه الدولة يعتبرونها ومنذ قيامها كقلعة منفردة او كقاعدة عسكرية او كمعسكر اعتقال تحيط به الجدران والاسلاك، لعزلها عن محيطها وابقائها كموقع متميّز وغريب عن محيطه الطبيعي العدائي والمتخلف الذي يعج «بالقتلة والارهابيين» الذين يسعون الى تدميرها والقضاء عليها. وبهذه الطريقة تحقق استمرار وجودها العنصري ومحاولة خلق مجتمع متجانس من فئات واصول وثقافات متكسرة ومتنافرة ليس لها ما يجمع بينها سوى التخويف الدائم والترهيب المستمر من الخطر الداهم الذي يهدد وجودها وحياة مواطنيها، وهكذا يكون من حقها تحت ادعاء الدفاع عن النفس تبرير كل ما ارتكبته وترتكبه من جرائم واعمال القتل وسفك الدماء والتخريب وشن الحروب الاستباقية والمعدة سلفًا ضد الدول المحيطة بها القريبة منها والبعيدة، ومن ثم التحالف وتقديم الخدمات لكل معتدٍ وطامع ومستعمر غاصب يسعى الى تفتيت كيان المنطقة طمعًا بثرواتها وطلبًا للهيمنة عليها وعلى مقدرات اوطانها وشعوبها، وكل شيء بثمنه تمامًا كما هو الحال بالنسبة للجيوش المرتزقة والعصابات المنظمة التي هي على استعداد دائم لتقديم خدماتها لكل من يحتاج لها، خصوصًا اذا كانت من الدول الكبرى المستعدة والقادرة على دفع الثمن المناسب. وهي في سبيل ذلك لا يهمها ان كانت عملية السجن والاعتقال والخنق هذه لمواطنيها انما تعود عليهم بافدح الاخطار من نواحي حياتهم المختلفة والتي من ابرزها حالة الهلع الدائمة التي يعانون منها في حياتهم الخاصة والعامة والتي تؤدي الى الاستكانة والقلق الدائم الى حد الاكتئاب والجنون والانتحار. ولا عجب في ذلك لان من يرتكب الجرائم بحق غيره لا يتورع عن ارتكابها بحق نفسه.

اما على الجانب الفلسطيني من الجدار العنصري الخانق والقاتل فان الهدف الاساسي منه الادعاء باقامة دولة فلسطينية لتأكيد عملية العزل والانعزال هذه عن الاخرين من سكان الارض واصحابها الحقيقيين، وفي نفس الوقت العمل على احباط اقامة هذه الدولة التي تعتبر كل فرد وكل شجرة وكل حجر على ارضها انما هو عدو وارهابي يهدد وجودهم ووجود دولتهم.

وهكذا تكون مهمة الجدار بالتواءاته المتعرجة واختراقاته المتطاولة تقطيع اوصال المنطقة وتفتيتها الى معازل وحواكير صغيرة غير متواصلة ومحاطة، بالاضافة الى الجدار العنصري الخانق والقاتل، بالاسلاك والحواجز والطرق الالتفافية والابقاء على مناطق امن ومراكز عسكرية داخلها، الامر الذي من شأنه ان يمنع وينهي مرة والى الابد قيام مثل هذه الدولة حيث لا تتوفر الارض والمساحة المطلوبة والمكان لقيامها واما السكان فمن الممكن السيطرة عليهم بالقوة والبطش والقتل بوصفهم ارهابيين يكونون مصدر تهديد لكيان الدولة المعزولة ومواطنيها وذلك الى حين ان يتم طردهم او ضمهم بصفتهم الفردية الى دولة مجاورة طالما تعاونت معهم لتنفيذ هذا الهدف الجريمة ضد حقوق الانسان والانسانية جمعاء.

ولكن الرقم الصعب في هذه المتوالية الحسابية والهندسية المقلوبة والمجرمة سيبقى الشعب الفلسطيني نفسه بحقه وارادته وتضحياته ، وقد آن الاوان له ان يقلع عن كل ما هو فيه وما بين فصائله من مناكفة وتجاذب ومن اعمال ثأر وفرقة وصدام واعداد نفسه للمهمة التاريخية الكبرى لكسر هذه المعادلة، وتحطيم هذا الجدار الخانق والقاتل واسقاط الخوذة العسكرية عن رأس عمير بيرتس وعن رأس من سبقه ومن يأتي بعده.

التعليقات