31/10/2010 - 11:02

راسبوتين المصري../ زكريا محمد

راسبوتين المصري../ زكريا محمد
مصر في أزمة كبرى.
أزمة مختلفة جذريا.
وهي مختلفة هذه المرة لأنها أزمة مركبة. إذ هي تتشكل من ثلاث أزمات في لحظة واحدة: أزمة حكم، أزمة اجتماعية- اقتصادية، وأزمة سياسية تتمثل في انهيار الدور المركزي لهذا البلد العربي في الإقليم.

تراكب الأزمات الثلاث، وفي مركزها أزمة الحكم بالطبع، هو الذي يشكل خطرا جديا على النظام. فقد تمكن نظام مبارك، الضاري والمتفسخ معا، دوما من عبور جميع الأزمات الاجتماعية، مهما كان التهابها. أما هذه المرة فعدم الاتفاق على خلافة الديكتاتور، الذي يغيب في مرضه وعمره، يفتح الباب أمام سيناريوهات مختلفة، تدفع كلها نحو التغيير.

بالطبع، لو لم يكن جمال مبارك في الصورة، أي لو لم تكن وراثته لأبيه مطروحة، لكان الأمر مختلفا. إذ كان انتقال الحكم سيتم بسلاسة باتفاقات داخل قمة النظام. طبعا كان يمكن افتراض حدوث انفجارات عفوية مثل انفجار عمال المحلة الأخير، لكن ليس أكثر من ذلك. غير أن وجود جمال مبارك جعل الانتقال السلس شبه مستحيل. بذا يمكن القول أن وجوده هو الذي خلق أزمة حكم من شأنها ان تصعد الأزمات الأخرى، وتسعّرها.

ويبدو أن الأزمة التي خلقها وجوده لن تنتهي قريبا. كان يمكن ان تنتهي لو أن مبارك الأب لم يعد ماشيا في المطار من ألمانيا. لكنه عاد، معطيا الوقت لنفسه ولابنه للعمل على التوريث. لكن هذا الوقت يقصر بشدة. ذلك ان الانتخابات قادمة، ومن المشكوك فيه أن يكون الأب قادرا على خوضها. فهي تحتاج إلى قوة بدنية أكبر مما عنده. كما ان هناك احتمالا لأن يكون بحاجة إلى علاج تكميلي. بل وربما احتاج إلى علاج كيماوي، مع أنه يصعب الاعتقاد أن بإمكانه تحمل عذاب هذا العلاج.

عليه، لا بد من حل أزمة الحكم لصالح ابن خلال شهور قليلة جدا. وقد أدى ظهور البرادعي إلى جعل من حل التوريث أمرا أشد صعوبة. لذا ستشهد مصر خلال الشهور القادمة دراما متواصلة ومشتدة، ما لم يقرر جمال مبارك ان يبتعد كي ينقذ النظام. ويبدو انه ليس من أولئك الأشخاص الذي يبتعدون. فهو والفئة التي حوله يتمسكون بالسلطة بأنيابهم.

لكن هذه الشراسة بالذات هي التي يمكنها أن تفتح الباب للتغيير. يعني: رب ضارة نافعة. فقوى التغيير بحاجة إلى إطالة أمد أزمة الحكم. بحاجة إلى بقاء الانشقاق داخل قمة السلطة كي تتمكن من الحركة، وكي تعمل على إيقاظ الأرواح والهمم. يعني: وجود جمال مبارك سيكون عامل تغيير أساسي، كما كان وجود راسبوتين في روسيا عاملا مهما في انفجار الأزمة. جمال مبارك هو راسبوتين مصر، الذي سيدفع نار الغضب والثورة للاشتعال.

بالتالي، يمكن للمرء ان يعتقد أن المعارضة، والمعارضة الأشد جذرية خاصة، ليست غاضبة من وجود جمال مبارك. أما معارضة البرادعي فليست كذلك، في ما نظن. فهو يرغب في ابتعاد جمال مبارك سلميا حتى يتم الانتقال عبر شخص من طراز عمرو موسى. أي عن طريق الحفاظ على النظام، وإجراء إصلاحات ما عليه، تمنح من الانفجار والتغيير الشامل. لهذا لاحظنا أن أول سياسي مصري قابله بعد وصوله للقاهرة كان عمرو موسى. وليس بعيدا ان يكون مسألة انتخابه موسى كرئيس قد طرحت في ذلك اللقاء.

لكن سيناريو عمرو موسى يقتضي أن يقرر الرئيس أن ابنه لم يعد مرشحا. لكن مبارك الضيق الأفق لن يفعل ذلك. وربما أنه لم يعد يملك ان يقرر ذلك حتى. أي ان القرار صار في يد ابنه،. والابن لا يبدو أنه ينوي أن يبتعد. لذا، فليس أمام عمرو موسى وأمثاله من فرصة حتى الآن. ما دام مبارك الأب حيا فليس هناك من فرصة.

طبعا، توجد فرصة ضئيلة لعمرو موسى إذا حصل انقلاب أطباء كما حدث في تونس. لكن سمعة انقلابات الأطباء ليست جيدة أبدا. فوق أن المنقلبين ربما لن يأتوا بعمرو موسى، بل بزين عابدين مصري. أي بعمرو سليمان مثلا. وهكذا، فنحن أمام ثلاثة من العمرين: عمرو موسى، أو عمرو سليمان، أو عمرو بن العاص ذاته!

الأمر كله يعتمد على جمال مبارك.
وجوده سيدفع نحو الثورة والتغيير الجذري.
ذهابه سيدفع نحو الانتقال السلمي والإصلاح البسيط.

ولكم انتم أن تتمنوا أحد هذين الخيارين...
كما لكم أن تختاروا أيضا أن تلحقوا عمرو بن العاص ذاته!!

التعليقات