31/10/2010 - 11:02

رامسفيلد... أيهرب أم يختفي؟../ محمود المبارك*

رامسفيلد... أيهرب أم يختفي؟../ محمود المبارك*
العنوان الذي تصدر الصفحة الأولى لصحيفة «الحياة» يوم الثلاثاء الماضي حول قبول القضاء الأميركي 30 من أصل 200 دعوى قضائية ضد وزير الدفاع الأميركي السابق دونالد رامسفيلد، يستحق وقفة تأمل قانونية.

ذلك أن الوزير الذي ملأ الدنيا غضبه بعد أحداث أيلول (سبتمبر) 2001، لم يقبل أن تقيده القوانين الدولية أو الداخلية في رد الفعل الذي كان يريد القيام به باسم «الحرب على الإرهاب»! وتبعاً لذلك لم يتردد صاحب الأمر والنهي في القوات المسلحة الأميركية، التي تجوب بحار وبلدان العالم في إعطاء أوامره بقصف الأهداف المدنية في أفغانستان ثم في العراق لاحقاً، كما لم ير بأساً في استخدام الأسلحة المحرّمة دولياً، كاليورانيوم المنضب والقنابل العنقودية في تحقيق مآربه العسكرية، إضافة إلى إصدار أوامره باستخدام التعذيب مع المعتقلين في معتقلات غوانتانامو وأبو غريب وباغرام وغيرها.

وطبقاً لموسوعة ويكيبيديا، وهي ذات صدقية عالية في الولايات المتحدة، كما في بقية العالم، فإن رامسفيلد «اشتهر بقتل الملايين خلال حربي أفغانستان والعراق، كما أمر بوضع السجون السرية في أوروبا، وأمر بالاعتقالات السرية، وأسس أكبر معتقل في العالم، غوانتانامو، وأمر باستخدام جميع أنواع التعذيب، ومنها الاغتصاب واستخدام الكلاب والضرب بالكهرباء والقتل خلال الاستجواب»!

ولعله من المؤسف أن جرائم الحرب التي قام بها رامسفيلد، والتي نتج منها قتل وتشريد الملايين من الأبرياء، وانتهاك القوانين والأعراف الدولية ليست موضع قبول في المحاكم بعد. ولكن ما وافق القضاء الأميركي على قبول النظر فيه، هو دعاوى تورط رامسفيلد في أوامر التعذيب التي استخدمت في معتقلات وزارة الدفاع الأميركية، كونها مخالفة للقوانين الأميركية الداخلية.

يأتي هذا التطور القضائي، بعد أسبوع واحد من تحميل لجنة تابعة لمجلس الشيوخ الأميركي وزير الدفاع السابق مسؤولية التعذيب في معتقلات وزارة الدفاع الأميركية، إذ خلص تقرير اللجنة التي شارك فيها أعضاء من الحزبين الديموقراطي والجمهوري، إلى أن أوامر التعذيب التي شملت تعرية المعتقلين وتسليط الكلاب عليهم، لم تكن مجرد تصرفات فردية من الجنود - كما تزعم وزارة الدفاع - وإنما كانت عملية ممنهجة تمت الموافقة عليها من أعلى المستويات في وزارة الدفاع، بمن في ذلك وزير الدفاع السابق دونالد رامسفيلد نفسه.

المثير في الأمر أن دولاً أوروبية كانت رفضت قبول دعاوى في محاكمها ضد رامسفيلد، تنظر محاكمها الآن من جديد في قبول تلك الدعاوى! ولعل لسان حال تلك الدول يقول: «إننا لن نكون أميركيين أكثر من الأميركيين أنفسهم»!

ومن يدري فربما تعدى الأمر قريباً القارتين الأميركية والأوروبية ليصل إلى دول وقارات العالم أجمع، ليشاركوا في محاكمة أكبر مجرم عرفه التاريخ الحديث! وإذا ما حدث ذلك، فربما حق لرامسفيلد أن يركل أركان بيته ترويحاً عن نفسه، كما كان يركل مكتبه غضباً في كل مرة تخفق فيها عملية اصطياد لمطلوبي «القاعدة» أو «طالبان»، بحسب ما روته سكرتيرته السابقة! وإن كان من تعزية للوزير السابق، فهي أن دولاً عربية لن تزج بنفسها في هذا الطريق، كونها لا تزال تعيش خوف شبح «الحرب على الإرهاب»، أو لعله من باب الوفاء العربي الأصيل!

وبغض النظر عن قبول أو رفض الدعاوى ضد رامسفيلد خارج الولايات المتحدة، فإن التهم التي تطوق عنقه بتحديه الصارخ للقوانين الأميركية الداخلية، كفيلة بأن تجعله يمضي بقية حياته خلف القضبان، وأحسب أن المحامين الذين يتولون عبء الدفاع عنه في وضع لا يحسدون عليه!

بيد أن أحد أهم الدروس المستفادة من هذا الحدث التاريخي، هو أن نتعلم كأمة عربية ومسلمة ألا يكون تعاملنا مع الدول الأخرى بما في ذلك الولايات المتحدة على حساب القوانين الدولية! وألا تزج الدول العربية بنفسها مع الولايات المتحدة في كل ما تطلبه منها، لأنه قد يكون في ذلك مخاطر غير محسوبة!

وإذا كان «الشيء بالشيء يذكر»، فإن من الأخطاء القانونية الدولية الخطرة التي ترتكبها بعض الحكومات العربية، وخصوصا الحكومة المصرية، في «مجاملاتها» للولايات المتحدة، مؤازرة الحصار الإسرائيلي على غزة المخالف للقوانين والأعراف الدولية، والذي سبق أن حذّرت من عواقبه القانونية في رسالتي للرئيس المصري المنشورة في هذه الصفحة بتاريخ 15/9/2008.

كما أنه يحسن بالمسؤولين العرب إذا ما أصرّت أي إدارة أميركية حالية أو مستقبلية عليهم في مخالفة القوانين، أن يتحدثوا بلغة القانون، وأن يتخذوا من نهاية المسؤول الأميركي السابق مثالاً يجب تفاديه! ومما يعينهم على ذلك الدلائل القوية التي تشير إلى أن رامسفيلد لن يجد مناصاً من مواجهة القضاء الدولي على الجرائم القانونية الدولية كذلك، عاجلاً أم آجلاً إن شاء الله! لأن سقوط الجمل يكون سبباً لتجمع أصحاب السكاكين عليه، كما في أمثالنا.

وإذا كان السيد رامسفيلد لا يفقه في الأمثال العربية، أو لا يعرف الكثير عن الجمال، فلعله من المفيد له أن يتذكر المثل الأميركي القائل «you can run, but you can’t hide»!
"الحياة"

التعليقات