31/10/2010 - 11:02

رقصة الديمقراطية الامريكية بين حماس والعراق/ حمدان حمدان

رقصة الديمقراطية الامريكية بين حماس والعراق/ حمدان حمدان
عمليتان انتخابيتان، ناتج احداها، يلقى من واشنطن التهليل والترحيب بصفتها فتحا ديمقراطيا ينقل نموذجه الى الشرق الاوسط الكبير، واخرى يلقي ناتجها الصد والتشريط والامتعاض من واشنطن، بصفتها فتحا ارهابيا فلسطينيا، يشيع نموذجه في ارجاء المنطقة وربما العالم بأسره.

الانتخابات العراقية النموذجية، نالت من نصف شعبها على الاقل، ومعه ثلة من المراقبين الدوليين، اصوات الاستنكار والاستهجان، لما وشاها من ضروب التزوير والتحوير على رؤوس الاشهاد، ليس اقلها التلاعب في عديد السكان ـ لانعدام الاحصاء على الهوية اصلا ـ او لنقل الصناديق من مراكز التصويت الى جهات مجهولة ـ تحت ذرائع امنية ـ او ما قيل عن استمارات انتخاب بيضاء، نقلت بالصهاريج بهمة استخباراتية ايرانية عالية، من الحدود الى الحدود.

في المقابل، يشهد معهد كارتر المختص بمراقبة الانتخابات عالميا، ومعه الف مراقب اجنبي دولي، على نظافة الانتخابات الفلسطينية، وخلوها من اي شائبة تلطخ وجه الشفافية في مسارها، ويرد مع هذه المفارقة، سؤال مبكر، اذ لماذا تسعد الادارة الامريكية بنتائج انتخابات مشوبة بالتدخل والقرصنة وعنف التزوير، فيما هي تصل حد الشجب لنتائج انتخابات فلسطينية، كان الشهود على نزاهتها، من اكثرية امريكية ـ اوروبية وليسوا من (ازلام) مدارس ديكتاتورية؟!

لماذا المحاباة هنا، والمقاطعة والوعيد هناك؟
اي لماذا المحاباة مع نتائج انتخابات مشبوهة، والرفض لنتائج اخرى مشهود في نزاهتها؟
وهل ثمة من جواب، غير جواب ما يقع في حضن المصالح الامريكية، وما لا يقع في خدمتها، حتي لو ادى ذلك الى عقوبة شعب بجريرة ما اقترفت يداه على تصويته.

أليست حروب امريكا التي تشنها في مجال العالم، العربي ـ الاسلامي، هي بذرائع نصرة الديمقراطية، والقضاء على عوالم الاستبداد، فكيف لها ان ترفض الاعتراف بنتائج انتخابات قويمة، فيما هي تقبل الى درجة الوصف بالنموذج، انتخابات عراقية مهيأة ومصنوعة، من خارج كل ما له علاقة بالشرعيات الدولية منذ بداية القرن الماضي وحتى يومنا هذا، والمشكلة ان هذه الشرعيات بتمامها، كانت تحظى بقبول وتصفيق الولايات المتحدة نفسها، بل ان ركيزة شرعية دولية، كانت قد تمثلت (بالدليل الميداني) للجيش الامريكي نفسه، وهو ما سنأتي على تفاصيل فقراته بعد قليل.

يتباهي حكام العراق من اهل الاحتلال اليوم، بأن كل ما جال ويجول في العراق بعد رد (السيادة) اواسط العام 2004 (حزيران ـ يونيو)، من انتخابات وجمعية وحكومة ودستور.. انما يقع في اس الشرية، خاصة وان ثمانية ملايين عراقي، ادلوا بأصواتهم، وهو رقم قريب من اصوات ملايين فيتناميين، كانوا قد صوتوا للفتنمة (معادل الفدرلة) قبيل طرد الاحتلال الامريكي من فيتنام بأشهر قليلة.

ويرشدنا استاذ القانون الدولي في جامعة الينوي الامريكية، البروفسور فرنسيس بويل، الى رزمة من المواثيق والاتفاقيات والمعاهدات باتت تشكل المرجعية القانونية للشرعية الدولية، وما يجب على القوى الكبرى ان تعمل بموجبه بكل الاحترام، فما ادى الى العصف بعصبة الامم، كونها حظيت بنفاق لصالح القوى العظمى في حينه، مما آل الى نشوب التذابح بين دول العالم وشعوبه، بملايين الضحايا، وتتكرر واقعة السيطرة على هيئة الامم المتحدة الى درجة انها اصبحت ضالعة في تمرير الجرائم الدولية الامريكية البريطانية في العراق، والدليل ان قرار مجلس الامن الدولي رقم 1546 بتاريخ 8 حزيران (يونيو) 2004، والقاضي بالاعتراف بحكومة العراق الالعوبة، انما جاء مخالفا للعديد من معايير الشرعية الدولية نفسها، واليكم هذه السلسلة المنطقية:

قامت الانتخابات العراقية التي افضت الى حكومة السيادة، في ظل قانون انتخاب احتلالي، وضعه الحاحكم بريمر، بموجب الامر الصريح رقم 96 بتاريخ 4/6/2004 وهو ما يتزامن مع بدء الانتخابات، حيث لا يسع احد الزعم، بان هذا القانون كان من صنع عراقي او ما يزيد في لوك الكلام.

فما بين قانون بريمر الانتخابي بدلالة امره وتاريخه، سويعات فاصلة مع الشروع بالانتخاب، ويقدر البروفسور فرنسيس بويل، بان اعتراف مجلس الامن المسوق بهيمنة امريكية، بحكومة العراق السيادية، انما جاء بمخالفة صريحة مع نص المادة 43 من اتفاقيات لاهاي عام 1907 والتي تقول في هذا الشأن تماما (يحظر قطعيا التغيير في قانون اساسي مثل دستور دولة اثناء مسار احتلال نتيجة حرب).

وعليه فان قانونا للانتخاب موضوعا بقلم احتلال وفي ظله، يعتبر باطلا بالبداهة، فيما يتم تأسيس الوضع برمته طبقا لما هو غير شرعي في القانون الدولي.

وفي القانون الدولي ايضا، هناك احكام نورمبرغ، وميثاق نورمبرغ ومباديء نورمبرغ (1945 و1946)، ويضع ميثاق نورمبرغ في تعريف المصلطح لجرائم الحرب، بانه (هو كل فعل حربي يستهدف التدمير الشامل للمدن والبلدات والقرى.. او التحطيم غير المبرر بضرورات عسكرية.. وهي كلها سلوكيات اجرامية بمقتضى قوانين الحرب الدولية). وبطبيعة الحال، فان ما هدد به بوش الاب، قام بفعله بوش الابن (اعادة العراق الى العصر الحجري).

ان النصوص ذات الطابع الانساني، لمعاهدات جنيف الاربع (عام 1949) لا تتصالح مع أي فعل احتلالي امريكي في العراق، فالاحتلال بموجب هذه المعاهدات قانونيا، مسؤول عن ضمان الامن وتأمين الخدمات الطبيعية للسكان (ماء، كهرباء، امن، مواصلات.. الخ) والان فان بلاد ما بين النهرين بحاجة الى الماء، والبلاد تعيش في حلكة ليل مظلم وبارد، حيث لا وقود ولا كهرباء، فيما يقذف بمئات الالوف من الشباب، اما الى البطالة او الانخراط الاكراهي، فيما يسمي بجيش العراق الجديد.

وفوق مخالفات جنيف الانسانية، فان هناك ازدراء غطرسيا، بشأن حقوق الانسان، الطليق والاسير على حد سواء، فالطليق يقتل نتيجة خطأ امريكي ثمنه الف دولار لا يتم الاعتذار عنه، والاسير يقتل نتيجة غض البصر، لما تقترفه وزارتا صولاغ والدليمي، والمشكلة ان وزارتي القتل هذه (الداخلية والدفاع) تريدان بينات (ادلة) لشهود غير موجودين في السراديب او الخلاء الصحراوي، لاجرام يتم بالكتمان.

وحتى الان، فاننا لا نعرف (بل ولن نعرف) كيف يتم التوفيق، بين سجون امريكا الظاهرية والسرية، وبين معاهدات جنيف الاربع، وملحقها الاضافي الخاص (بحقوق الانسان) رقم واحد والصادر عام 1977.

ويبقي امامنا في رزمة الشرعيات الدولية، ما خطه قانونيو الولايات المتحدة نفسها، كما جاء في الدليل الميداني للجيش الامريكي عام 1956.

تقول الفقرة 366 من هذا الدليل، تحت عنوان صريح عن (الحكومات الالعوبة في ظرف احتلال)، (لا يمكن تجنب القيود المفروضة على ادارة احتلال، تستخدم حكومة العوبة، محلية او اقليمية، فكل ما ينشأ من افعال على يد هذه الحكومة، بالاغراء او القسر من قبل المحتل، انما تعتبر من افعال الاحتلال نفسه).

اما الفقرة 358 من الدليل نفسه، فانها تشير الى مقولة السيادة بقولها الاحتلال لا ينقل السيادة لكونه حادثا ناشئا عن حرب، فالاحتلال عرضي اما السيادة فمستوطنة ولا يجوز التلاعب بمصيرها.

وطبقا لذلك، والقول للبروفسور بويل (فان سيادة العراق ما زالت كامنة في الدولة المعروفة باسم (جمهورية العراق) حيث كانت على الدوام) ـ فرنسيس بويل. النشرة الاخبارية الامريكية كاونتر بانش بتاريخ 23 كانون الاول ـ ديسمبر 2005).

وفي القوانين الدولية الخاصة بوضع الاحتلال، او ما يسمى بقانون الحرب، فان هناك اشارات ذات دلالة، فيما يخص رغبة الاحتلال باقامة حكومة العوبة خاضعة لمشيئته لكن هذا القانون (يخضع الاحتلال لمساءلة كاملة عن سلوك حكومته تجاه شعبها والجوار).

ونعود الى السطور الاولى، من بحثنا المقارن بين انتخابات عراقية واخرى فلسطينية.. والشاهد ان مكاييل امريكا النفاقية، لم تعد بحاجة الى عسير برهان، فالطبع يغلب التطبع، عند الافراد وربما الحكومات ايضا، فالمواقف العملية للسياسات الخارجية الامريكية، ما زالت هي هي، منذ الانقلاب على ألندي الديمقراطي واحلال جنرال تشيلي بينوشيه محله بالعنف.

اما الفارق بين تشيلي وفلسطين، فهو كامن في المحاور على هوى التصنيفات الامريكية، فألندي كان على محور الشر الشيوعي، اما حماس فهي على محور الشر الاسلامي والادق (الارهابي)، فكل ما ينفع المصالح الامريكية العليا، فهو على جادة الخير، وكل من يضع مصالح امته في الحساب، فهو على جادة الشر، فالخير في المفهوم التوراتي على يد الكهنة هو (الأنا) والشر هو الآخر الغريب (غوييم)، في قوائم تقسيم الشعوب.

وفي مفهوم السيدة السمراء كوندوليزا رايس، وزيرة الخارجية الامريكية، فان المعايير الدولية، باتت في حالة شيخوخة، ويحتاج العالم الجديد، الى الاسراع بتجديد مقولاتها، ولا نعلم اذا كان المقصود، هو قلب هيئة الامم المتحدة، الى هيئة امريكية، باكثر مما عليه واقعها اليوم.

بالامس، انتهت عصبة الامم، الي حرب كونية افضت الى عشرة ملايين قتيل، وفي ظل هيئة الامم المتحدة، نشبت حرب كونية ادت الى ما يربو على خمسين مليونا من ضحايا البشرية، وفي اجواء صراع حضارات وعقائد، تشحن امريكا العالم، باتجاه (هرمجدون) اسلامية مسيحية ويهودية.. وما مثال الاساءة للنبي محمد صلي الله عليه وسلم، الا علامة من علامات نهاية الزمن، بجنون النهب في عقل مريض.



كاتب فلسطيني يقيم في سورية

التعليقات