31/10/2010 - 11:02

طقوس إسرائيلية../ ساطع نور الدين

طقوس إسرائيلية../ ساطع نور الدين
السلوك الإسرائيلي صار مملاً ومثيراً للشفقة: تخرج إسرائيل بين الحين والآخر إلى حرب كبرى، ثم تعود منها الى لجان تحقيق تمتص الصدمة الشعبية، لكنها لا تمنع تنظيم تظاهرات في شوارع المدن الرئيسية تطالب المسؤولين برحيل المسؤولين ومحاسبتهم... وتحافظ على التقليد السياسي لكنها لا تمثل انعطافة جوهرية في مسيرة الدولة أو في تقاليد المجتمع.

منذ الحرب الأولى خارج حدود فلسطين التاريخية عام 1956 وحتى الحرب الأخيرة في تموز الماضي، كان هذا هو دأب إسرائيل وتلك هي الطقوس التي تتبعها بدقة متناهية، فتعبر عن مناعة داخلية لا شك فيها، لكنها لا تؤسس لخروج الإسرائيليين من منطق القوة والتفوق العسكري، ومن ذهنية القلعة الحصينة التي تتباهى بموقعها وقدرتها على البقاء في حالة تعبئة دائمة.

التظاهرة التي جرت في تل أبيب، الخميس، لم يكن لها سياق آخر. وهي تشبه جميع التظاهرات التي شهدتها إسرائيل في أعقاب مختلف الحروب التي شنتها على محيطها العربي، لا سيما على لبنان الذي كان ولا يزال الهدف الإسرائيلي المفضل منذ النصف الثاني من السبعينات وحتى اليوم: لحظة احتجاج عابرة، لا تنفي احتمال الخروج الى حرب جديدة، ولا تستبعد تحصين القلعة اكثر من أي وقت مضى.

لكن ثمة فوارق جوهرية بين تظاهرة الخميس وبين جميع التظاهرات التي سبقتها في المكان نفسه في اسرائيل، والتي مهدت لتسلم اليمين القومي السلطة بعد حرب تشرين عام 1973 او لاستحضار اليسار العلماني بعد غزو لبنان عام ,1982 او لصعود التيار الديني بعد حروب التسعينات... على لبنان والاراضي الفلسطينية المحتلة.

في كل تظاهرة إسرائيلية من هذا النوع كان هناك قدر من الحرص على ديموقراطية الدولة وليبرالية المؤسسة... ونزوع المجتمع نحو الحوار والتفاوض والسلام، أو على الأقل نحو البحث عن بدائل للحرب. هذه المرة كان من الصعب العثور على هذه اللغة في الخطاب الاحتجاجي على حرب تموز الأخيرة، وكان من السهل التثبت من ذلك الارتداد الى مرحلة التأسيس الاولى للكيان باعتباره قاعدة عسكرية تبحث عن دور إقليمي جديد.

وفي كل تظاهرة إسرائيلية مماثلة كان هناك قدر من التوهم بأن الشارع يمكن ان يضغط من اجل إحداث تغيير في الهيكلية السياسية للدولة او حتى في القواعد الناظمة لصراعاتها. هذه المرة كان يصعب تصنيف القوى المتظاهرة، او تعريف عصبيتها السياسية. لم يكن التواطؤ الضمني بين اليسار العلماني واليمين الديني يعبر عن انتفاضة وطنية... بل عن حاجة متبادلة الى التظاهر ليس إلا.

حافظت إسرائيل على طقوسها التقليدية: الديموقراطية جزء من خطط الحرب واستراتيجياتها.

"السفير"

التعليقات