31/10/2010 - 11:02

عبث فضائي../ فادي العلي*

عبث فضائي../ فادي العلي*
على ما يبدو أنه لا يكفي ما حدث في غزة والضفة.. بل وأيضا ما أصاب كل حجر وزاوية في المخيمات الكثيرة التي تم اشتقاقها من التاريخ خصيصا لروادها الفلسطينيين بامتياز..
الخبر الآن فلسطيني، والحدث أيضا، تداعيات ما حصل بدأت، فباتت ملامح انقسام الجغرافيا وشرخ القلوب اليائسة وفقدان الذاكرة الكفاحية باتت ألوانا فلسطينية وبجدارة.

وكأنه لا يكفينا كل ذلك.. فوجد أصحاب الكلام المعسول في اتفاق مكة بأن هناك مكانا لم تصله بعد معاول العبث فوجدوا بأن للفضاء حقا علينا ومن صلب واجبهم نقل المعركة بعد أن تم حسم ما توفر منها على الأرض إلى مجال أوسع وأشملK لكي تدخل انتصاراتنا الجديدة وتحريرنا العتيد ومعها مظاهر العصبية الفئوية التي باتت جزءا من تراث المقاومة الفلسطينية إلى بيت كل عربي يتألم لأجلنا ونتألم لعجزه الذي تحول عدوا تاريخيا لقضيتنا.

والدماء كما كل مظاهر القتل المعنوي والإذلال في غزة لاتكفي، فجاء موعد معركة جديدة آن أوانها بعد أن تم الإنتهاء من اغتيال الأمل وهدم رموز الوطن وطلاء الخطوط الحمراء بألوان جديدة لا نعرفها، ومن هنا بدأت معركة الفضائيات التي كلفت بمهمة عجزت أعرق شبكات العلاقات العامة الدولية بالقيام بها وهي استبدال صور شهدائنا وآسرانا وملاحم الصمود والتحدي التي سطر أروعها الطفل الشهيد فارس عودة، بعد أن تركه أشقاؤه العرب وحيدا في مواجهة دبابة إسرائيلية، وتحول إلى رمز أخجل جيش الاحتلال و جيوش العرب المتقاعدة، فقامت الفضائيات الفصائلية بهذه المهمة فنزعت صورته واستبدلتها بصور أطفال يرفعون أياديهم استسلاما لرجال جاءوا بنصر عجز الاحتلال عن إحرازه... وقد لا يبدو هذا مستغربا فهذا جزء صغير من منظومة طقوس التحرير الثاني لمدينة برها وسماؤها وبحرها وما تبقى من شجرها وحتى أشباحها في قبضة الاحتلال.

وكأن كل هذا الجنون الذي أصاب الثوار وبنادقهم لا يكفي، فما حصل شكل منعطفا جديدا ومدخلا لحقبة جديدة عنوانها سقوط المحرمات وتشريع الانقسام وترسيخه، ومن بشائر هذه الحقبة العتيدة ما نشاهده على مدار الساعة على فضائيتي الأقصى وفلسطين، فأصبح الأقصى اسما لمحطة تروج لسلوكيات أقل ما يقال عنها إنها إجرامية، تسللت إلى المجتمع الفلسطيني وبدأت تأخذ مكانها ولها من يشرعها تحت غطاء الدين والمقاومة، فحلل القتل والخطف والنهب، وأصبحت الذهنية الثأرية هي الثقافة السائدة، وباتت المحاكم الشعبية في الشوارع الجهة المخولة بإعطاء شهادات البراءة أو التخوين.

ولابد من الإشارة بأن المهمة المرماة على عاتق قناة الأقصى ليست بالهينة، لكن جهودا حثيثة تبذلها المحطة لإثبات صحة مفهوم يرى بأن القتل يجلب الاستقرار ويعزز الوحدة الوطنية... ولهذا المفهوم رجاله ومنظروه وشيوخه أيضا...

وفي الجهة المقابلة وضعتنا فضائية فلسطين في مأزق خطير وهو بأنه لا يمكننا أن نكون فلسطينيين قبل أن نتعمد بماء حركة فتح، وأن نبرهن من خلال شهادتنا في البرنامج الهاتفي للفضائية على أننا ندين ماحصل في غزة، ونرحب بأي قرار يأتي من الشرعية الحقيقية التي لولاها لما كنا على قيد الحياة.... والخ..

وإذا أردت أن تحصل على شرف الاتصال عليك أن تحضر سيلا من الشتائم تجاه الانقلابيين في غزة، وإن كنت فتحاويا مخلصا فعليك بالقذف والسباب والتجريح الشخصي تجاه قيادات حماس، أما المؤشر الحقيقي الذي يعكس مدى وطنيتك وانتماءك الفتحاوي ومن ثم الفلسطيني فعليك هنا بتحضير بعض الأبيات من الشعر وشراء بعض الدموع، وبالطبع سوف تجد من يساعدك في الاستوديو وستقوم مقدمة البرنامج بإعطائك كل الوقت الممكن لكيل الشتائم وحتى لو تم التطاول على بعض الدول العربية بما يسيء للمصلحة الوطنية الفلسطينية. ولا أبالغ بأن الإساءات تصل في بعض الأحيان إلى حد استخدام مفردات طائفية كريهة ضد دولة إسلامية، وكل هذا يتم برضى مقدمة البرنامج التي تعطي هذه الإتصالات النصيب الأكبر من الوقت، ولا تتوانى عن تقديم بعض التلميحات الفئوية متجاهلة أبسط البديهيات والأصول المهنية والأخلاقية للعمل الإعلامي، بل عوضا عن ذلك تمارس وبدور وتغطية واضحة من إدارة القناة، تمارس عملية ممنهجة من التحريض الإعلامي وخلق أجواء من التوتر الدائم بدوافع فئوية، فقد تم تجاهل وتغييب الدور الوطني والحقيقي لقناة يفترض أنها سفارتنا الأولى في عيون العالم.

ومن هنا لانستطيع إلا أن نسأل وبألم.. إلى متى هذا العبث وهذا التجاوز السافر لعقولنا وكرامتنا فهل سيبقى مصير قضيتنا معلقا بيد من لا مبدأ لهم، مرتبطا بمن وجدوا بالمشروع الوطني طريقا للوصول إلى مصالح شخصية ضيقة.. وهل يتخيل أي إنسان عاقل مدى الضرر الذي تسببه ممارسات هذه الفضائيات التي دخلت في معركة.. لا حسم فيها.

التعليقات