31/10/2010 - 11:02

عرب 48.. في تحد للعقل والديموغرافيا../ ناصر السهلي*

عرب 48.. في تحد للعقل والديموغرافيا../ ناصر السهلي*
تنتقد الولايات المتحدة وبخجل تمديد العمل بقانون الطوارئ في مصر، لكنها تصمت على/ وتشجع/ ممارسات عنصرية وفاشية لحليفتها الإستراتيجية إسرائيل التي تُعمل بحق العرب الفلسطينيين داخل الخط الأخضر قانونا متخلفا للطوارئ من أيام الانتداب البريطاني على فلسطين.. والمبشرون بـ"يهودية الدولة" يعرفون جيدا إلى أي مدى يمكن أن يقود هذا التنظير.. الفلسطيني بالنسبة للحركة الصهيونية "حالة بقايا" مسموح لها أن تبقى فوق أرضها مؤقتا، ريثما تسنح الظروف، بعد فشل نظريات الأسرلة، لحل نهائي لا خيار ثالثا فيه: إما الخضوع لهذا التخلف والتطرف العنصري بكل المقاييس والمعايير، وبالتالي دفع الثمن الفادح الناجم عن الصمت العربي والدولي، أو تطبيق عملي لترانسفير ( يسمونه طوعي وحر)..

يقول زوار غربيون للمدن والقرى العربية داخل الخط الأخضر: لم نكن نعلم فداحة المأساة التي يدفع ثمنها أكثر من مليون ونصف المليون فلسطيني ممن بقوا في وطنهم بعد "إنشاء دولة إسرائيل"..

لا يمكن على الإطلاق إخفاء حقائق ملموسة على الأرض في ممارسات التمييز والاضطهاد الذي يتعرض له هؤلاء على كل المستويات.. المشاهد للبنية التحتية في التجمعات اليهودية يجدها تختلف تماما عن مثيلاتها في المدن والقرى العربية.. منهجية العمل على المستويات التشريعية والتنفيذية ( بكل أذرعها) تهدف بشكل ما إلى الإبقاء على وضع الفلسطينيين دون مستويات لائقة وبشرية، رغم كل التنظير عن معايير الديمقراطية وتطبيقاتها..

الاختصار في عرض اللوحة التي يعيشها العرب في ظل "ديمقراطية الترهيب والتهديد" لا يختزل المشهد الحقيقي لشعب "متهم ضمنا".. وعلى هذه الخلفية يمكن لأي مراقب أن يفهم بأن ليبرمان ليس حالة فردية في شيوع هستيريا التطرف الذي ينخر الفكر الصهيوني..

الدكتور عمر سعيد الذي يعتقل بناء على "أدلة قاطعة" وبأنه هو وأمير مخول يجري اعتقالهم على خلفية أمنية وبأنه "هناك أكثر من أدلة دامغة"، حسبما تبجح به حليف نتنياهو في الحكم أفيغدور ليبرمان.. ليس أمر الاعتقال الفردي هنا هو القضية، فهناك عشرات بل مئات الحالات من الفلسطينيين في الداخل ممن جرى ويجري اعتقالهم بناء على عقلية معبر عنها بشكل صريح حتى قبل هجرة ليبرمان في 1978 إلى فلسطين..

والقصد دائما استهداف الكل الفلسطيني في جوهر هذه الملاحقات ( تعرض القضايا على أنها فردية)، لسنا بحاجة لمناقشة "قانون بشارة" الشهير.. ولا سخافة المشرع الصهيوني في محاولات عزل الفلسطينيين في الداخل عن عمقهم العربي.. فمن الممكن لأي فلسطيني أو فلسطينية أن يُستدعى للتحقيق لو التقى بعربي أو فلسطيني خارج الحدود، هكذا كانت المسألة، وهكذا هي المحاولات المستمرة لهذا التمني الصهيوني فيما يتعلق بـ" نقاء" عرقي عنصري واجه فشلا في كسر الإرادة والانتماء.. ولا يغيب عن بال الحركة الصهيونية، بدعم مباشر من الصمت والموافقة الأميركية والدولية، وما جاء على لسان هيلاري كلينتون قبل فترة وجيزة في كلامها لأعضاء الايباك عن الديموغرافيا والايدولوجيا لم يكن من باب الترف الفكري، بل تعبير حقيقي عما يواجهه هذا المشروع الصهيوني في هستيريا تكاد أن تتحول إلى حالة جماعية..

يتفاخر ليبرمان، وهو معبر صريح عن مكونات الفكر الصهيوني، بـ"ديمقراطية إسرائيل".. ويظن بأن العالم يعيش في "جهالة سياسية وإعلامية".. فقتلة ومجرمون إرهابيون ممن لا يرون قيمة للعربي يجري التعامل معهم في دائرة "التفاخر الفارغ" كـ "أبطال" يسيرون على خطى جيبوتنسكي وبيغن وشامير وكل مكونات بدايات الممارسة الإرهابية.. في عين المكان والزمان فالعربي يستحق " الذبح" على طريقة مائير كهانا وعصابات الحاخامات التي تتحكم بالمؤسسة العسكرية في "الدولة العلمانية الديمقراطية"..

حين نتحدث عن وقائع ملموسة على الأرض فنحن لا نتخيل ولا ننسج قصصا غير واقعية عن ملايين جرى ممارسة الإرهاب بحقهم لطردهم من قراهم ومدنهم.. والبعض ما يزال يعيش في بلده ممنوعا من أرضه القريبة منه لمصلحة "المستورد" من البشر، أمثال ليبرمان بذاته.. السرقة العلنية لأراضي من بقي في وطنه التاريخي ليست خيالا، وإصدار العفو عن قتلة يهود سفكوا دماءً عربية وأيدي ساسة ملطخة أيديهم بدماء الفلسطينيين يتحولون إلى "قادة في الدولة الديمقراطية" يقابله محاكمة للعقل والفكر العربي.. يجري تجريم الفلسطيني بتهم سخيفة جدا..

"حرية الصحافة" التي يتغنى بها هؤلاء تكشف عن تزييف حقيقي وتبرير للقتل والاغتيال وبث روح التطرف، فيمكن لموظفي الأمن على الحدود والمطارات أن تتصرف وفق القراءة الأمنية لليبرمان ويشاي عيزرا: توقيف صحفي أميركي لأسبوعين ومن ثم طرده بحجة تشكيله "تهديدا أمنيا".. يمكن لموظفي المطارات أن يعيدوا أي شخص بحجة " الأمن"..
لكن دعونا ننظر إلى جريمة د. سعيد والسيد مخول: التخابر مع حزب الله والتجسس لمصلحته!

في الواقع لو كنا نعيش في زمن أكثر تخلفا من هذا الزمن الذي أثبت فيه حزب الله قدرته التقنية على مراقبة الاتصالات الهاتفية لكبار الضباط في جيش الاحتلال، لقلنا أن نزعة الهستيريا عند ليبرمان وحالة اللصوصية التي تتلبس عقل المحتل يمكن النظر فيها..

أن يتهم الآن د. سعيد ومخول بـ" التجسس" ( وقد سبق ذلك تهم أسخف بحق د. بشارة) وتوعد بسحب الحصانة عن أي عربي يتواصل مع عمقه العربي تشير إلى قضية واحدة ليس إلا.. أزمة المشروع الصهيوني وفشله في وقف انتشار وتجذر الانتماء القومي العربي عند شعب الداخل.. فمثلما يتم التضييق على الوجود العربي من حيث التوسع الطبيعي ومحاولات تهويد وسرقة الأرض كمخرج من أزمة مؤجلة يجري هنا وبتفاخر بث حالة من الترهيب تحت "سقف الأمن والديمقراطية"..

عرب 48 أو فلسطينيو الداخل قد يُضطرون مستقبلا إلى إعادة النظر في كل هذا الزيف الممارس باسم "الديمقراطية".. والمُفعل على الأرض باستهداف كل عربي من الجليل والساحل إلى النقب، فمن يتحدث بشكل عنصري مقيت عن ضرورة "حد النسل" بين العرب و"ضرورة الولاء" لفكر فاشي يتباكى بدموع تماسيح عن "اللاسامية" ويمارس التحريض العلني والمؤسساتي المنهجي (دينيا وعلمانيا) وشرعنة الاعتداء والتعذيب والدهس والقتل والاقتلاع.. هو فكر مفضوح لا يمت بصلة لكل تبجح تلامذة الحقد والعنصرية والفكر الاستعلائي عن " الديمقراطية" والقانون.. فمن هذه التعاليم ينتج الفكر المافياوزي الذي أزاح إسحاق رابين ( وغيره منذ إنشاء هذه الدولة) ومحاولات إخراس حتى الأصوات اليهودية المعارضة للصهيونية حول العالم.. فنحن نعرف بأن نعومي تشوميسكي بنظر هذه " الديمقراطية" خائنا.. كما هو موردخاي فعنونو وايلان بايبي وريتشارد غولدستون وفينكلشتاين والقائمة الطويلة..

بظني أننا أمام رسالة صهيونية واضحة المعالم لكل عرب 48.. بكل الانتماءات السياسية والفكرية.. ورسالة لهذا العالم العربي الذي يصمت صمتا مريبا تجاه "الوطن البديل" وسياسة الأبواب المفتوحة أمام قادة مارسوا جرائم حرب، بحق أسرى حرب ومدنيين، ومصدري أوامر القتل عبر الموساد في خرق واضح وفاضح لسيادة تلك الدول..

والرسالة التي يحتاج عرب 48، وكل العالم العربي، أن يحملوها إلى المحاكم الدولية يجب أن تكون حاسمة وواضحة عن هذه العنصرية والترهيب الممارس في الداخل لمليون ونصف فلسطيني، وحصار حتى القتل لمليون ونصف آخر في غزة ونهب وتهويد واحتلال لأراضي أكثر من مليونين في الضفة والقدس..

يستطيع ليبرمان أن يدعي ما يدعيه عن "الأدلة الدامغة" ( أي الحكم على الدكتور عمر والسيد أمير، ولن يكونا الأخيرين في قائمة الفاشية المتفشية في إسرائيل)، لكنه لا يمكنه أن يغطي هذه الفاشية التي تنشئ جيلا كارها حتى لذاته.. ويستطيع الصحفي الإسرائيلي السكوت مهما بدا له أن "سكوته وطنية".. إلا أن الحقيقة التي لا يمكن تغطيتها والتمويه عليها هي أن إسرائيل تسير نحو مصير قاتم مهما أجريت عمليات التجميل في واشنطن والأحزاب اليمينية المتطرفة والموتورة في أوروبا..

فمن يهدد بتدمير السد العالي، وإعادة سوريا إلى العصر الحجري، وبدء حملة تضليلية ضد السعودية، ووقاحة شطب الأردن، والعودة إلى شعار لا شريك فلسطينيا "للسلام"، والتحليق عاليا في الغضب من تركيا وروسيا وبقية دول العالم المتهمة بأنها معادية للسامية لمجرد مطالبتها بإنهاء الاحتلال.. من يقدم تصريحا وفعلا على مثل هذه الخطوات يعني شيئا واحدا: هذه الدولة باتت تعيش مقدمات الجنون الذي يقود إلى الهاوية.

التعليقات