31/10/2010 - 11:02

عن النزاعات الفلسطينية: حضور الفصائل وغياب السياسة/ ماجد كيالي

عن النزاعات الفلسطينية: حضور الفصائل وغياب السياسة/ ماجد كيالي
كشفت المنازعات التي شهدها قطاع غزة عن تخلف بيّن في السياسة الفلسطينية، في الخطابات والعلاقات والبني، وتفشي العنف والإكراه والفوضى في هذه الساحة، وغياب سياسات الإجماع الوطني، لصالح السلطات والمصالح الفصائلية الضيقة. بل إن هذه المنازعات كشفت عن ضعف قدرة الفلسطينيين على توظيف اللحظات السياسية التاريخية لصالحهم، وحتى في استثمار التناقضات في صفوف عدوهم. فبدلا من الاشتغال على توسيع الشروخ في صفوف الإسرائيليين، على خلفية الانسحاب من قطاع غزة، وبينما كانت الأنظار مشدودة لرصد الصدام المرتقب بين حكومة شارون ومعارضي هذه الخطة من المتطرفين والمستوطنين الإسرائيليين، اندلعت المواجهات بين السلطة (وحزبها فتح) وحركة حماس.

لا شك أن المطلوب ليس مجرد لوم هذا الطرف أو ذاك، وإنما وقف التحريض المتبادل والامتناع عن ممارسة العنف في حل المشكلات الداخلية، ووضع حد لسياسة الاحتكار والإكراه السياسي وعقلية الوصاية على المجتمع والقضية، من هذا الطرف أو ذاك. وهذا الأمر يفترض تنظيم أوضاع الساحة الفلسطينية وإيجاد البني والمؤسسات والعلاقات والتشريعات التي تنظم خلافاتها وتقوننها في إطار التعددية السياسية والعلاقات الديمقراطية والقبول بالآخر، ما يساعد على تحديد الحاجات وتعريف الاولويات ورسم سياسات الإجماع بصورة صحيحة تأخذ في الاعتبار المصلحة الوطنية العليا، لا مصالح هذا الفصيل أو ذاك.

الآن لا جدال على أن السلطة تتحمل مسؤولية في وصول الساحة الفلسطينية إلى حال الانفلاش والفوضى وتعدد مراكز القرار، بسبب تغييب المؤسسات الشرعية وإضعاف علاقات المشاركة والقيادة الجماعية وفوضى السلاح وتضخم الأجهزة الأمنية وعلاقات الفساد والمحسوبية، ما أضعف صدقيتها وهيبتها. ولا جدال أن السلطة ساهمت في تسهيل تشكّل نوع من ازدواجية السلطة وشجعت الآخرين على وضع "فيتو" على توجهاتها، بسبب ضعف تحكمها بمسارات الانتفاضة وشعاراتها وأشكال عملها ما أدى إلى فقدانها السيطرة. ويبدو أن السلطة (لاسيما في ظل قيادة الرئيس الراحل ياسر عرفات) استدرجت لمربع المزايدات السياسية، وحتى أنها تبنت نمط العمليات التفجيرية (الاستشهادية)، ولو بشكل غير مباشر (كتائب الأقصى التابعة لفتح)، بدل أن تستقطب القوى الأخرى لصالح نهج تركيز المقاومة (بكل أشكالها) ضد الوجود الاحتلالي الإسرائيلي العسكري والاستيطاني في الضفة الغربية وقطاع غزة. ويبدو أن هذه الأمور حصلت بحكم طريقة الرئيس ياسر عرفات في إدارة السياسة، ونتيجة تضارب الأهواء في صفوف قيادة السلطة وفتح، وبسبب متطلبات التنافس مع حماس!

هكذا وجدت القيادة الجديدة (أبو مازن) نفسها أمام تركة ثقيلة وصعبة ومعقدة، تفرض عليها لملمة سريعة للوضع وترتيب الأوراق، لوضع حد لحال الانفلاش والفوضى والتشرذم، خصوصا لمواجهة الاستحقاقات والتحديات المتمثلة، أولا، بخطة الانسحاب الأحادي من قطاع غزة؛ وثانيا، التقرير بمصير الانتفاضة والمقاومة المسلحة (خصوصا نمط العمليات التفجيرية والصواريخ)، إذ لا يوجد انتفاضة أو مقاومة إلى الأبد، كما لا يمكن تحميل الانتفاضة (أي الفلسطينيين في الضفة والقطاع لوحدهم) عبء تحرير فلسطين! وثالثا، ترتيب الأوضاع في السلطة والمنظمة وفتح، وضمن ذلك إجراء انتخابات تشريعية وعقد المؤتمر السادس للحركة؛ وكان تأجيل هذين الاستحقاقين الأخيرين سببا من أسباب خلق أجواء من عدم الثقة بين السلطة وبعض الفصائل الفلسطينية.

وفي هذا الإطار، أيضا، لاشك أن حماس بدورها تتحمل مسؤولية مباشرة عن توتر الأوضاع، كونها بادرت إلى التفرد بخرق التهدئة الحاصلة (مع حركة الجهاد)، وهي تهدئة من طرف واحد، كما هو معلوم، تم التوافق عليها لترتيب الوضع الفلسطيني ولتمكين الشعب الفلسطيني من التقاط أنفاسه واستعادة قواه، ولتمرير استحقاق الانسحاب الإسرائيلي الأحادي (أيضا) من قطاع غزة. لذلك فإن دعوى حماس بأن موافقتها على الهدنة كانت مشروطة هي غير مقنعة ولا منطقية. والواقع فإن إسرائيل غير معنية البتّة بالتوافق الفلسطيني، وحكومة شارون ستظل معنية بتوتير الأوضاع الفلسطينية لتبرير خطتها أمام معارضيها المتطرفين، وهي اعتادت استدراج الفلسطينيين إلى المواجهات المسلحة لاستنزاف قواهم وإنهاكهم وإدخالهم في معارك وتحديات ومواجهات فوق طاقتهم.

اللافت أن حماس في تبريرها خرق الهدنة (بعد أن خرقتها حركة الجهاد الإسلامي أيضا) روجت ادعاءات في غير محلها، ضمنها مثلا أنها تدافع عن الشعب الفلسطيني، وهو شيء مبرر ومشروع طبعا، ولكن العمليات في مناطق 48 وقصف الصواريخ هما من أعمال الهجوم، كما هو معروف. كذلك ادعت أنها تدافع عن حق المقاومة، وكأن ثمة من يشكك في مشروعية المقاومة ضد الاحتلال، أو كأنها هي وحدها تحتكر مشهد المقاومة، في حين أن حركة فتح (وهي قيادة السلطة) احتلت مساحة كبيرة وبارزة من مشاهد المقاومة، في المرحلة الماضية. والواقع فإن حركة حماس قامت بخرق التهدئة انطلاقا من تعريفها لأولوياتها وحاجاتها، فهذه الحركة لا تعتبر نفسها معنية بأية تسوية، وهي ليست معنية طبعا بالتسهيل على السلطة الفلسطينية. وأساسا فإن حماس تعمل من خارج النظام الفلسطيني ومن خارج برنامج الإجماع الوطني المتفق عليه (دولة في الضفة والقطاع). ويمكن القول أنه من المشروع لحماس أن يكون لها رؤاها وبرنامجها، ولكن على أن لا تجعل من نفسها وصية على الشعب الفلسطيني أو أن تأخذ الشعب الفلسطيني إلى حيث تريد هي وحدها، من خارج الإجماع، وبغض النظر عن قدرات هذا الشعب وحاجاته كما هو حاصل.

وفي هذه المرحلة بالذات أخطأت حماس مرتين: بخرق الهدنة لوحدها، وبالتوجه للاحتراب الداخلي. فإذا كانت إسرائيل تزمع أن تنسحب من القطاع فلتنسحب، ولا بأس في أن تنسحب بهدوء، فهذا لا يقلل من معنى الانسحاب ومعنى الهزيمة الإسرائيلية، فالانسحاب من أصله هو نتيجة طبيعية لصمود الشعب الفلسطيني ومقاومته، بغض النظر عن التداعيات المصاحبة له. أيضا بامكان حماس استثمار مكانتها في الساحة الفلسطينية في الانخراط في النظام الفلسطيني، والعمل من داخله، وبإيجاد المعادلة التي تجسر بين برنامجها وبرنامج الإجماع الوطني. ومن الأساس فقد وجهت السلطة الدعوة لها للمشاركة في الحكومة (وهي رفضتها)، وهي تزمع المشاركة في الانتخابات، وهذا شيء ايجابي ومفيد لحماس والساحة الفلسطينية، لكن حماس لا تستطيع الادعاء أنها ممنوعة من المشاركة في صنع القرار الفلسطيني في حين أنها ترفض المشاركة في النظام السياسي الفلسطيني وضمنه الحكومة. والمعنى أن حماس معنية اليوم بالتعامل مع السلطة الفلسطينية لا باعتبارها فصيلا أخر، وإنما بتعزيز وضعها كإطار فلسطيني جامع يمكن أن تعمل من داخله ومن خلاله، فثمة فرق بين التعددية السياسية في النظام وبين وحدانية القرار أو وحدانية السلطة.

المهم أنه ينبغي ضبط النفس والتحلي بالحكمة، من قبل السلطة وحماس لوأد الفتنة، والمهم أن تخرج إسرائيل من قطاع غزة ومن أي شبر تحتله، فهذا الخروج، بغض النظر عن شكله، هو تعبير عن حضور الشعب الفلسطيني وهو ثمرة لتضحياته ونضالاته، برغم كل تبجحات إسرائيل.

التعليقات