31/10/2010 - 11:02

عن محمولات العام الجديد../ خالد خليل

عن محمولات العام الجديد../ خالد خليل
بغض النظر عن التنبؤات الكثيرة عن قادم الأيام فيما يتعلق بالحرب والسلم والاستقرار، من الضروري أن ننتبه أننا ندخل العام الجديد في ظل حصول تطورات وتغيرات محلية وإقليمية هامة تفرض نفسها على المشهد السياسي، وتؤسس إلى حد كبير لفهم مساراته اللاحقة والتي قد لا تخلو من مفاجآت يتعذر التنبؤ بها حتى وإن حضرت الأدوات والمقدمات لذلك.

ما يميز العام المنصرم على المستوى العالمي هو انشغال الدول العظمى بالأزمة الاقتصادية الكونية التي تفاقمت بداية في الولايات المتحدة، وانتشرت مثل النار في الهشيم في الاقتصاديات العالمية الكبرى، وقد حتمت هذه الأزمة على هذه الدول إعادة النظر في صياغة نظام عالمي جديد يسمح بتخفيف آثار الركود الاقتصادي واستعادة العافية للنظام الرأسمالي الذي تنبأ الكثيرون له الانهيار.

ووفقًا للخبراء الاقتصاديين فإنّ بوادر الانفراج ظهرت في أعقاب قمة العشرين التي اتخذت قرارات حاسمة بشأن ضرورة تدخل الدول في المخططات الإشفائية العامة وضخ أموال دولة إلى السوق كخطوة أساسية في منع إفلاس البنوك والشركات الكبيرة، والحفاظ على معدلات نمو منطقية، ومحاصرة ارتفاع مستوى البطالة.

عام 2009 كان عام التدابير والإجراءات الوقائية لوقف الانهيارات والكوارث الاقتصادية، ونتائج هذه التدابير والإجراءات لا تسير حتمًا باتجاه واحد، بل تصطدم بواقع متشابك ومليء بالمفاجآت والسيناريوهات المتوقَعة وغير المتوقعة التي عادةً تحول دون تحقيق الأهداف المنشودة.

لقد توقّع المراقبون مع بداية العام الماضي وصعود أوباما إلى الحكم تغيرات دراماتيكية في السياسة الأمريكية جراء الأزمة الاقتصادية المذكورة أو بسبب الأخطاء والخطايا التي خلَفتها الإدارة الأمريكية السابقة بقيادة بوش، تحديدًا في منطقة الشرق الأوسط والتي بجانب كبير منها ستشكل سببًا هامًا في تفاقم الأزمة الاقتصادية بما زادته من أعباء على الخزينة الأمريكية نتيجة الحروب المتواصلة منذ 2001.

وعلى الرغم من قرار الانسحاب التدريجي من العراق الذي أعلن عنه أوباما، وعلى الرغم من الخطابات الناعمة الموجهة للعالم الإسلامي من تركيا ومصر ورفع شعار استبدال القوة العسكرية بالدبلوماسية في حل مشاكل المنطقة، إلا أنه سرعان ما تبيّن أن مضمون وجوهر السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط لم يتغير، فأمريكا قررت زيادة القوة العسكرية في أفغانستان، وارتكبت مجازر جماعية في وادي سوات (باكستان)، وسعت نهاية العام إلى فرض عقوبات على إيران، علاوة على تدخلها في الشؤون الداخلية للجمهورية الإسلامية ومساندة أطراف من المعارضة لتأجيج الصراع الداخلي على السلطة ضمن إستراتيجية أمريكية، لا تخفيها الإدارة لإسقاط النظام الإيراني، بعدما تبين أن القيادة الإيرانية لن تقبل بأقل من التوازن الاستراتيجي المناقض لإستراتيجية الإذعان والإتباع الأمريكية.

على مستوى القضية الفلسطينية يجمع المراقبون على أن الموقف الأمريكي بقي على حاله رغم زيادة الجولات المكوكية لجورج ميتشل وفريقه، وتراجع أكثر من مرة وفقًا للمزاج والاعتبارات السياسية الإسرائيلية، التي تميزت في عام 2009، بالمراوحة بالمكان رغم التجميد الصوري للاستيطان لمدة عشرة أشهر نزولاً عند الرغبة الأمريكية. وتشير تطورات العملية السياسية إلى إصرار إسرائيلي أمريكي على فرض الأجندة الإسرائيلية في موضوع مواصلة المفاوضات.

وتأتي زيارة نتانياهو في الأسبوع الأخير من العام 2009، إلى القاهرة لتعزيز هذا السياق من خلال استخدام النظام المصري الحليف ليقوم بدور ضاغط على السلطة الفلسطينية لقبول هذه الأجندة، ويتزامن ذلك مع تشديد الحصار على غزة بشتى الوسائل والطرق، بدءً من وضع العقبات أمام وصول المساعدات الإنسانية، وصولاً إلى جدار الموت الفولاذي، الذي تكاد تنجز مصر بناءه وإغلاق آخر متنفس أمام فلسطينيي القطاع للاتصال بالعالم الخارجي.

رغم استمرار الدعم الرسمي للحكومات الغربية لإسرائيل وسياستها في الشرق الأوسط، إلا أنه تبلور في المقابل رأي عام شعبي على مستوى أوروبا والعالم يدين جرائم الحرب والانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان، ويطالب بإنهاء الاحتلال وفك الحصار عن الشعب الفلسطيني، وقد كانت تداعيات الحرب على غزة وما خلفته من دمار وقتل وتشريد هو الدافع الرئيسي وراء التحركات الأوروبية والأممية، خاصة في أعقاب تقرير غولدستون الذي خرج بإدانة واضحة لإسرائيل على ارتكابها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية أثناء عدوانها على قطاع غزة.

إن تبني تقرير غولدستون مِن قبل مجلس حقوق الإنسان العالمي، رغم فضيحة سحبه من قبل السلطة، شكل خطوة هامة على صعيد عزل إسرائيل على مستوى الرأي العام الأوروبي والعالمي، واستدعى استمرار ملاحقتها سياسيًا وقضائيًا والتي كان من أهم نتائجها إصدار موقف أوروبي من القدس الشرقية واعتبارها عاصمة الدولة الفلسطينية العتيدة، إضافة إلى ملاحقة ليفني قضائيًا في بريطانيا وقبل ذلك إيهود براك، إلى درجة أصبحت معها زيارات المسؤولين الإسرائيليين إلى أوروبا مقيّدة ومحدودة.

إنّ هذه التطورات الإيجابية على صعيد الرأي العام وتعزيز مصداقية القضية الفلسطينية اصطدمت بالحالة العربية والفلسطينية المتردية والتي اتسمت باصطفاف عربي رسمي وراء أمريكا وإسرائيل (باستثناء سورية وحزب الله)، واتسمت بازدياد الفرقة والتشرذم على الساحة الفلسطينية ضمن مشروع القضاء على المقاومة.

وقد ازداد الأمر سوءًا بسبب تعرقل جهود المصالحة بين الأطراف الفلسطينية رغم توفر فرصة إقليمية لزيادة التأييد للقضية الفلسطينية من خلال دخول تركيا على الخط واتخاذها خطوات إدانة واضحة لإسرائيل. ورغم تحسن الوضع على الساحة اللبنانية وتحقيق مصالحة وطنية أدت إلى تشكيل حكومة وحدة، حافظت من خلالها المقاومة اللبنانية على تميزها وزادت من قوتها، مما أدى أيضا إلى انفراج في العلاقات السورية اللبنانية، الأمر الذي كان ينبغي استثماره فلسطينيا وتحقيق تقدم على صعيد المصالحة، الأمر الذي من شأنه قطع الطريق على المعسكر الأمريكي داخل السلطة الفلسطينية.

لقد حققت حماس انجازًا كبيرًا في إدارة مفاوضات صفقة تبادل الأسرى التي أوشكت على نهايتها، إلا أن الانشغال في هذه الصفقة (وهو أمر حيوي وضروري)، أدى كذلك إلى إعاقة تحقيق المصالحة الفلسطينية، في انتظار انجازها مما سيحسن مواقع حماس داخل صفوف الشعب الفلسطيني.

من الاستخلاصات الملفتة للنظر في عام 2009، أن معظم اللاعبين في منطقة الشرق الأوسط استثمروا هذا العام لإعادة الاستعداد وبناء الذات من أجل التأهب لما هو آتٍ:

إسرائيل تعيد بناء قوتها العسكرية من أجل القضاء على المقاومة واستعادة قوة الردع في إطار رؤية إستراتيجية لحصار إيران وضرب مشروعها النووي على طريق إسقاط النظام الإسلامي.

النظام الرسمي العربي يعزز من علاقاته مع إسرائيل وأمريكا ويقدّم خدمات مجانية في مشروع حصار إيران وحصار المقاومة الفلسطينية واللبنانية.

المقاومة في غزة تصمد أمام أكثر الحروب الإسرائيلية، وتحاول تعزيز قوتها باتجاه المواجهة القادمة مع إسرائيل، المقاومة اللبنانية عززت وضعها الداخلي سياسيًا وعسكريًا مما يزيد من اقتراب الضربة العسكرية الإسرائيلية القادمة التي قد تعقبها أيضا ضربة عسكرية لسورية.

الهدف الاستراتيجي الأعلى للمعسكر الأمريكي في المنطقة هو حسم الحرب في أفغانستان والتفرغ لإنجاز مهمة إسقاط النظام في إيران وتحقيق نوع من الاستقرار في العراق لإعادة الحديث عن شرق أوسط جديد خالٍ من المقاومة يتأبد فيه التفوق الإسرائيلي ويسود المشروع الأمني الأمريكي ضمن معادلة تحالفية جديدة تنخرط فيها جميع الأنظمة الرسمية، لكن تحقيق هذا الهدف سيكون مرتبطًا حتمًا بالمواجهات التي يحملها العام الجديد 2010، ويبدو أن تجارب المقاومة في السنوات القليلة الماضية، أسست إلى احتمال حدوث فورات غضب من الصعب أن تهدأ في الوطن العربي بعد أي عدوان قادم.

التعليقات