31/10/2010 - 11:02

غزة تتحوّل إلى عقدة الميزان../ زكريا محمد

غزة تتحوّل إلى عقدة الميزان../ زكريا محمد
فجأة تتحول غزة إلى عقدة الميزان.
الحجر الذي رفضه البناؤون يصبح حجر الزاوية.
قطعة العذاب التي تدعى غزة تصير بؤرة الصراع.

ليس فقط أن أنصار الحرية والسلام يجمعون أساطيلهم لتصبح غزة محجّتهم، بل إن كل طرف إقليمي يريد أن يكون له وجود على حدود غزة. تركيا تدفع بحدودها إلى غزة، وتقيم نقطة لها هناك. إيران تدفع بحدودها خطوة، وتحاول إرسال رئيس برلمانها إلى هناك. وربما أتى وقت يتقدم فيه آخرون.

غزة تتحول إلى بؤرة الصراع.
غزة تصبح مقياس الحجوم والحدود، إضافة إلى أنها تترسخ كمقياس للإنسانية. كل من يريد أن يفرض حجمه وأن يوسّع حدوده يبحث له عن وجود عند معبر رفح أو ميناء غزة المدمر.

ثمة فراغ نشأ، بفعل تراجع أمريكا وارتباك إسرائيل، وهذا الفراغ سيملأ. وكل من يريد أن يجد له حصة من هذا الفراغ عليه أن يضع قدمًا له في غزة. لذا تتابع الأحداث، ويدفع بعضها بعضًا، بشكل يقطع الأنفاس. من كان يتصور مثل هذا قبل عام أو عامين؟

أين تتجه الأمور، إذن؟
لسنا ندري. فهنا، في غزة، ساحة لاختبار المستقبل، وساحة لاختبار الإرادات. لكن ما ندريه أن الماضي، ماضي حصار غزة والتمثيل بجثتها قد انتهى، او هو على وشك الانتهاء.



السلطة الفلسطينية، سلطة رام الله، تبدو مربكة مثلها مثل إسرائيل تجاه ما يجري. السلطة التي تواطأت مع الحصار، أو على أقل تقدير سكتت عنه، تريد الآن أن تخفّفه وأن تحافظ عليه في الوقت نفسه. لا تريد له أن ينتهي نهائيا. وهي تبرّر ذلك بحجج وطنية. وقد صاغت هذه الحجج في شعار: (رفع الحصار ومنع الانفصال). رفع الحصار هنا مشروط بمنع الانفصال. كأن رفع الحصار عن غزة سيؤدي إلى انفصال غزة عن الضفة! كأن الحفاظ على نوع من الحصار هو ضمان وحدة الضفة وغزة!

هذا المنطق عاد بنا الآن إلى الجدال الذي دار قبل سنوات بعد أن سيطرت حماس على غزة. وهو منطق يقوم على افتراض أن فتح معبر رفح من دون موافقة إسرائيل يعني انفصال غزة عن الضفة. أي أن وجود إسرائيل على معبر رفح هو ضمان وحدة الشعب الفلسطيني، وهو إسمنت وحدة الشعب!

لا يا سادتي. غزة أصلا منفصلة عن الضفة. منفصلة من كل النواحي بسبب إسرائيل. إسرائيل هي التي تفصل غزة عن الضفة. عليه، ففتح معبر رفح، فتحًا كاملاً ومن دون وجود إسرائيلي عليه، لن يكون تهديدًا لوحدة الضفة وغزة. إذ من قال أن على غزة أن تبقى تحت الاحتلال لأن الضفة تحت الاحتلال؟ وكما تساءل صديق: أعلى صديقي أن يمرض إذا مرضتُ أنا؟ على العكس إذا كان سليمًا فهو أفضل لي. هو يمكن أن يساعدني حينها.

بالطبع يتبقى موضوع الانفصال السياسي، وهذا أمر يتعلق بمنظمة التحرير وعدم قدرتها على إصلاح نفسها لتشمل كل القوى الفلسطينية، ولا يتعلق بمعبر رفح. لا يمكن فرض سلطة رام الله على الكل عن طريق معبر رفح. أي في الواقع عن طريق زرع إسرائيل على هذا المعبر.

الانفصال السياسي يتعلق بإصلاح منظمة التحرير لا بمن يسيطر على معبر رفح. ويمكن لمنظمة تحرير موحّدة، وتعبّر عن كل شعبها، أن تنشئ سلطة في منطقة محرّرة هي غزة، وأن تقود الضفة الغربية تحت الاحتلال، معا. يمكن لرئيس منظمة التحرير أن يقيم مقرّه في المنطقة المحرّرة، أي في غزة، وان يقود الضفة من هناك. أنتم من قال في ما مضى أنه يمكن إقامة دولة ولو عدة أشبار محرّرة. كنتم تقولون: دولة ولو على أريحا. فلماذا ترفضون أن تقام سلطة محرّرة على غزة. المشكلة عنكم تكمن في من يقود هذه السلطة. تمام. لكن حل مشكلة من يقود غزة لا تحل بوجود إسرائيلي على معبر رفح. انتم تريدون تأبيد وجود إسرائيل على معبر رفح كي تضمنوا سيطرة ما لكم على غزة. يعني ان الأمر لا يتعلق بوحدة غزة والضفة، بل بمصلحتكم. وأنتم تريدون فرض هذه المصلحة بقوة إسرائيل، وقوة وجودها على معبر رفح.

إسرائيل تدعي أنها انسحبت من غزة. وإذا كان هذا صحيحًا فعليها أن لا تطالب بوجود لها على معبر رفح. يجب أن نمنعها من الوجود هناك، لا أن نرغم حماس على قبول هذا الوجود. يجب أن يتم تحرير غزة نهائيا من وجود إسرائيل. وإذا ما رفض المصريون فتح المعبر فعلينا أن نفتح مطار غزة وميناء غزة. فلماذا على فلسطينيي غزة أن يشحذوا من نظام مبارك العبور عبر معبر رفح؟ لماذا عليهم أن يشحذوا عبور البضائع عبر المعابر الإسرائيلية؟ يجب أن يطيروا من أرض غزة، وان يبحروا من مياهها.

العالم لا يقبل هذا؟ نعم، لكن علينا أن نقنعه، أن نضغط عليه كي يقبل أن يكون لغزة معابرها الخاصة على الكون، لا أن نرضخ لما تريد إسرائيل.

إسرائيل خرجت جزئياً من غزة. ومهمتنا أن نخرجها نهائيًا منها. أي أن نتوقف عن استخدام المعابر الإسرائيلية، وبالشروط الإسرائيلية. من قال إن على فراولة غزة أن تصدّر عبر موانئ إسرائيل؟ لا، عليها أن تصدّر من ميناء غزة. معبر رفح مهم لعلاقتنا بالعالم العربي، لكن أهل غزة يستطيعون أن يسافروا من ميناء غزة بعد إعادة بنائه. كما أنهم يستطيعون السفر عبر البحر من ميناء غزة. لسنا مخيّرين بين رفح وكارني. السلطة العمياء، ومعدومة الحيلة، هي التي تعتقد انه لا خيار لنا غيرهما. وبدل من أن تتقدّم من العالم وتقول له: هيا افتح ميناء غزة ومطار غزة، تجعلنا نعلّق إلى الأبد على معبريْ رفح وكارني.

يقول المصريون: لن نسمح لإسرائيل برمي غزة في حضننا. ويحلم الإسرائيليون برمي غزة عن ظهرهم. أما السلطة فتصطف مع مصر مبارك. لا يا سادتي، غزة لا يجب أن تكون عالة على أحد. يجب أن يكون لها ميناؤها ومطارها. تسافر منه، وتصدّر منه، وتستورد منه. وهذا سيعجل من تحرير الضفة.

بالطبع، هذا لا يلغي أي عبء عن إسرائيل. وهو لا يمنع من مطالبتها بدفع تعويضات عن سنوات احتلال غزة، وعن استغلال أرضها ومياها، وعن تدمير بنيتها التحتية.

غزة يجب أن تتحرّر نهائيا. ولا يهمّني أبدا أن تقاد من رام الله. منظمة التحرير، بعد إصلاحها، تستطيع أن تقودا من الشجاعية، أو حي الزيتون.

التعليقات