31/10/2010 - 11:02

غـزة: سـلم الأولويـات../ هاني فحص

غـزة: سـلم الأولويـات../ هاني فحص
لعل بإمكان أي منا أن يقلل من أهمية التعويل على حالة الغضب التي تعم العرب والمسلمين وتمتد إلى مساحة واسعة من أهل الضمائر الحية والشرفاء في الغرب ممن يتعاملون مع الشعب الفلسطيني وسائر الشعوب المقهورة بدافع إنساني غير مشوّه، ويؤمنون بأن حق هذه الشعوب بأوطانها وثرواتها وحريتها حق طبيعي وقانوني لا تؤثر فيه موازين القوة والمعادلات الدولية التي تتركب على موجبات أنظمة مصالح مشتركة وجائرة على حساب مصالح وحقوق مشروعة للآخرين.

وهذا التقليل من أهمية التعويل، لن يعدم بحال شاهداً او سنداً من الماضي القريب والبعيد، حيث قامت إسرائيل باعتداءاتها الوقحة والقاسية على الشعب الفلسطيني على أرضه وفي الشتات ولم توفر غيره من الشعوب العربية، خاصة الشعب اللبناني من كوارثها ومجازرها وإلحاحها على تدمير العمران ودورة الحياة دورياً وبعد كل نهوض من اجل إزالة الآثار بعد كل عدوان... فقد ساد الغضب بلاد العرب والمسلمين أكثر من مرة، ولم تكن الأنظمة على اختلافها وخلافها، وان بنسب متفاوتة، خارج دائرة الغضب وتعبيراته المختلفة.

غير انه وفي كل مرة، كانت الأمور تمر، وتعود الشعوب الى هدوئها وشؤونها وشجونها المحلية بعيدة عن إملاءات المشاعر القومية والإنسانية، او قريبة منها، ولكن في حدود التعاطف والمتابعة والاهتمام العادي، أي من دون فعل فاعل او مؤثر، وتعود الانظمة الحاكمة الى خلافاتها وصراعاتها ومحاولاتها الدخول الضعيف في عملية السلام المسدودة، او محاولاتها تعديل مسارات هذه العملية المستحيلة، بمواقف وخطابات خالية من أي احتمال بالتحول نحو الفعل بدل الاقوال الثورية التي غالباً ما كانت وتكون غطاء لمواقف ومسالك تؤثر السلامة المشكوكة على التشبث بالأهداف الوطنية او القومية المعلنة.

على انه، وعلى الرغم من هذه الذاكرة المثقلة بالخيبة والمرصودة بالشك والارتياب، لا يمكن التجاهل بأنه قد تراكمت مفاعيل الغضب في الوجدان العربي الشعبي، الى الحد الذي يمكن ان نتوقع معه ان يكون الآن او غداً، قد وصل الى حد الانفجار الواسع والذي سوف يتجاوز حسابات معادلات القوة العسكرية الصهيونية، التي تغري القادة الصهاينة بالمزيد من الجرائم ومن دون حسابات تذكر لاحتمال انفجار الغضب والإحباط في مواجهة شاملة لا تقيم حسابا للخسائر الاضافية والنوعية التي تترتب عليها، لأنها سوف تكون السبيل الوحيد لوضع حد لهذه الخسائر المتفاقمة على اساس السكوت او التغاضي او التصديق بإرادة السلام العادل او الشامل، او السلام الجائر والمحدود...

واذا ما كانت الاندفاعات الصهيونية المتكررة والمتعاظمة من عدوان إلى آخر، تستند الى الواقع السلبي، التراجعي والصراعي للانظمة العربية، والحساسيات الاجتماعية الإثنية والطائفية المتفجرة في العالم الاسلامي والعربي، فإنها لا بد ان تلتفت، ولن تلتفت لانها خاضعة بشكل اعمى لمنطق القوة العسكرية، لا بد ان تلتفت الى انها وبعد تجربتها من حرب تشرين 1973م الى حرب تموز 2006، لم تعد قادرة على الانتصار بالضربة القاضية، وان الفارق في النقاط بينها وبين خصومها الميدانيين، يضيق لغير مصلحتها، وهذا مؤشر لا بد من الاعتبار به والتوقف عنده، اما ان الانظمة العربية مختلفة ومتصارعة وضعيفة ومشتتة ومستضعفة، فإن إسرائيل في المقابل، تعيش حالة من الشتات والاختلاف والخلاف والصراع لا يجوز التقليل من آثاره السلبية الملموسة والمحتملة عليها،خاصة أن العقل المؤسس والظروف التي رافقت التأسيس لكيان قد انتهت الى غير رجعة، وتحول الوفاق المجتمعي والوحدة السياسية، تحت ضغط الفريق الأول في التأسيس، الى تعددية تقابلية سجالية حادة، تهرب من تناقضاتها الداخلية الى افتعال الحروب او المبالغة فيها لترميم جاذبية العداء والاستعداء التي لم يعد المقدار الممكن منها قادراً على جمع الصهاينة وتوحيد رؤيتهم ومشاعرهم ومصالحهم.

الى ذلك فإن العرب، او الانظمة العربية، عندما توحدت في المواجهات التاريخية الرابحة والخاسرة، من 1948 الى 1956 الى 1967 الى 1973 الخ... لم تكن موحدة او متفقة، ولكنها اتفقت على المواجهة... وهي الآن ربما تكون اشد ميلا او نزوعا او قدرة على التوحد من أي وقت مضى، خاصة انها جميعا، وقد بذلت جهدها في السلام الخائب، نلاحظ ما تبلور امام عيونها من تحديات الإرهاب في الداخل، متناغماً مع الإرهاب الاسرائيلي، والعداء والغباء الاميركي في التعامل مع اصدقاء واشنطن قبل اعدائها.

ثم ان غير العاقل بعد هذه التحديات وهذه الجموحات لا بد ان يتحول الى عاقل، لا بد ان يتعلم ان قرناً كاملاً من التهميش والتحقير والابتزاز يكفي، وان هذه المعادلة الجائرة لا يجوز ان تستمر الى الأبد، وان التشبث بالسلطة لم يعد كافياً للاحتفاظ بها، ما يعني ان النظام العربي ان لم ينفجر مع الشعوب العربية، في وجه أعدائه، سوف يخسر كل شيء، من السلطة الى المال الى التاريخ، ومن الماضي الى الحاضر والمستقبل، ومن سلامة الوجود الى الكرامة... هذا واذا ما كان الوضع العربي العام والنظام العربي، يشكوان من ضعف... فإن واشنطن وحلفاءها يشكون أيضا من ضعف تتضاعف مظاهره وتزداد اعماقه عمقا واحتمالاته سوءاً...

قد نكون اذن امام نزوع شامل الى التوحد في مواجهة المخاطر المشتركة... وهذا يدعونا الى ان ندعو بعض القوى العربية الفاعلة الى الكف عن الخطاب والسلوك الذي يميل الى محاسبة بعض الدول العربية لاستبعادها عن المسار العام للمعركة، في حين تدعو الحاجة الى إغرائها بالمشاركة حفظاً لها ولعلاقتها بشعوبها... بدل محاسبتها على امور لا علاقة لها بالواقع او بالتحدي الذي يواجهنا جميعاً ولا بد ان نواجهه جميعاً.

ختاماً... ان غزة تدعونا الى ترتيب اولوياتنا بعقل مختلف عن عقل الخلاف والفصال، وبشكل مختلف عن الأمس الذي كانت فيه غزة وجعاً في الجسم الفلسطيني بسبب الانفصال ودخول حماس وفتح في الشقاق والصراع... ولا اعتقد ان هناك فئة او طرفاً عربياً يمانع في ذلك... الا المتطرفون الإرهابيون الذين رسموا سلم اولوياتهم بشكل مقلوب... فكان الاولى عندهم هو تصفية من يختلفون معهم سياسيا واثنيا ومذهبيا ودينيا، ومن دون تفريق بين طبقة سياسية او قاعدة شعبية... تقديما للثانوي على الاساسي او للمدنس على المقدس.

من يقنع القاعدة بالتحول والتحويل من اجل فلسطين... بل من اجل الجميع؟ اظن ان ذلك صعب جدا ان لم يكن مستحيلا... ولكن أليس هناك ضرورة لالتئام او تفاهم المتضررين من الإرهاب جميعا على مواجهة أصله الصهيوني وصولاً الى فروعه العربية والإسلامية او معاً؟
"السفير"

التعليقات