31/10/2010 - 11:02

غواية القوة والمقاومة الرادعة../ فيصل جلول

غواية القوة والمقاومة الرادعة../ فيصل جلول

في الذكرى الثالثة لحرب تموز “الإسرائيلية” على لبنان يستخلص عدد من المعلقين “الإسرائيليين” نتائج يعتقدون أنها مفيدة للكيان الصهيوني من بينها أن المقاومة لم تطلق صواريخ على المستوطنات بعد الحرب، وأن المنطقة الحدودية مع لبنان عاشت هدوءاً كاملاً لم تعرف مثيلاً له بين الأعوام 2000 - 2006. والنتيجة الثانية مبنية على افتراض مفاده أن قيادة حزب الله، وبخاصة السيد حسن نصرالله تعيش في المخابئ وهو أمر “غير مسبوق” بحسب المعلقين انفسهم. والنتيجة الثالثة تكمن في الردع “الإسرائيلي” للمقاومة على أكثر من صعيد فهي تخشى، كما يزعمون، من حرب “إسرائيلية” جديدة تطيح البنية التحتية اللبنانية وتلحق الأذى بالمدنيين اللبنانيين عموماً والجنوبيين منهم بصورة خاصة. والنتيجة الرابعة تتعلق بانشغال حزب الله في الصراعات اللبنانية اللبنانية الصغيرة، الأمر الذي يستنفد جزءاً كبيراً من قوته. والخامسة تطال انحسار شعبية المقاومة في العالم العربي، وفي مصر على وجه التحديد، ناهيك عن أن حزب الله لم يقدم النجدة لغزة خلال الحرب الأخيرة خوفاً من رد الفعل “الإسرائيلي”، وهو لا يفعل شيئاً من أجل استعادة قرية الغجر ومزارع شبعا وتلال كفرشوبا. وأخيراً يرى المعلقون أنفسهم أن القرار الدولي 1701 كان مفيداً للكيان لإبعاده المقاومين إلى منطقة شمالي الليطاني.

بيد أن قادة الجيش “الإسرائيلي” لا ينامون على حرير هذه الأقوال، فهم ينظرون بقلق إلى ازدياد قوة المقاومة وامتلاكها حجماً غير مسبوق من الصواريخ المتنوعة وإعدادها مقاتلين جدداً على قدر عال من التدريب، فضلاً عن استراتيجية قتال مبنية على خلاصات الحرب المذكورة. ويكثر قادة الجيش “الإسرائيلي” من تهديداتهم للبنان بأسره في حال استأنف حزب الله عملياته العكسرية.

بالمقابل يبدو واقع الحال مختلفاً تماماً من الزاوية اللبنانية، فقد نقل ضباط ارتباط لبنانيون يعملون مع الأمم المتحدة عن ضباط “إسرائيليين” قولهم إن الكيان الصهيوني مستعد لتلبية كل المطالب اللبنانية في إطار صفقة شاملة مع لبنان، أما هدوء الجبهة الجنوبية فمرده على الأرجح إلى حسابات المقاومة في الصراع، فهي تعيد بناء قواتها ضمن تصور لسيناريوهات حرب محتملة، وتعيد تأهيل المناطق التي دمرت خلال الحرب الأخيرة وتسعى لإعادة ترميم الإجماع الداخلي اللبناني من حولها، وتعمل على اشراك الجيش والدولة في استراتيجية مقاومة جديدة، وتتصرف كما لو أن الحرب ستقع في أية لحظة. أما الجبهة الجنوبية فهي حقل واسع للمقاومين شمال وجنوب نهر الليطاني بشهادة “الإسرائيليين” أنفسهم.

أضف إلى ذلك أن الظروف الدولية والعربية باتت مختلفة إلى حد كبير عن تلك التي أحاطت بحرب تموز، فالولايات المتحدة الأمريكية، ومعها أوروبا، تعيش انكفاء دفاعياً بعد كارثتي العراق وأفغانستان، وتبحث عن الحوار مع حلفاء المقاومة في سوريا وإيران، وما عادت الحرب “الإسرائيلية” قابلة “شرعية” لولادة شرق أوسط جديد. ويتراجع أصدقاء واشنطن في لبنان والعالم العربي ويبحثون عن تموضع مختلف في ظل المتغيرات الطارئة.

يبقى أن عناصر أساسية في الصراع اللبناني “الإسرائيلي” تستحق الإشارة لدى مقاربة موضوع الحرب والسلم بين الطرفين، أولها أن المقاومة اللبنانية تعمل تحت السقف الوطني اللبناني وهي ليست منظمة مغامرة تبحث عن القتال على كل الجبهات، وقد بينت مواقفها خلال السنوات الثلاث الماضية التزاماً واضحاً في هذا الشأن، من الامتناع عن فتح جبهة الجنوب خلال الحرب على غزة إلى تكرار التمسك بمطالب لبنانية حرفية (تحرير ما تبقى من الأراضي المحتلة).

ثانيها أن “إسرائيل” تستجيب لمطالب المقاومة بوصفها مطالب لبنانية: تسليم خرائط الألغام وإطلاق الأسرى اللبنانيين وتسليم جثامين الشهداء وتضغط بواسطة الأراضي المحتلة من أجل تسوية سلمية رغم أن أحداً في لبنان لا يريدها أو لا يجهر بذلك.

وثالث تلك العناصر أن قدرات حزب الله الحربية تكبح وتردع غطرسة القوة الصهيونية وتحمي الموارد اللبنانية من العبث “الإسرائيلي” وتتيح التصرف بها وفق مصالح اللبنانيين.

ورابعها أن تدعيم الجبهة اللبنانية الرادعة يكفي بحد ذاته حلفاء المقاومة في سوريا وغزة وفلسطين وإيران، ذلك بأن تعدد الجبهات وثباتها يحملان “إسرائيل” بالضرورة على التزام الحذر فهي تعلن أنها لن تشن حرباً أخرى قبل الضمان الكامل لنتائجها وهو أمر من الصعب بلوغه ما دامت عناصر الردع متوافرة في الجبهات المذكورة.

في الذكرى الثالثة لحرب تموز يبدو واضحاً أن الحرب القادمة لن تندلع إلا إذا استسلمت “إسرائيل” في لحظة انتشاء لغواية القوة أو إذا تراجعت قوة المقاومة الردعية.
"الخليج"

التعليقات