31/10/2010 - 11:02

فلسطين، العراق، سوريا ولبنان.. وماذا بعد؟/د.بثينة شعبان

فلسطين، العراق، سوريا ولبنان.. وماذا بعد؟/د.بثينة شعبان
ماذا يفعل العربي اليوم وهو يرى الدول الاستعمارية القديمة تتحالف ضده بعد أن استفردت بالأمة العربية فتخطط لإعادة احتلال بلاده وفرض الوصاية عليها من جديد، هذا العربي الذي يؤمن أن أهم أسباب استهداف لبنان وسوريا وفلسطين في هذه المرحلة التاريخية هو تميز لبنان من كل بلدان العرب بأنه يحتضن المقاومة التي حرّرت الأرض من براثن أعتى قوة عسكرية وسياسية غاشمة تخشى غطرستها حتى دول كبار في الغرب والشرق فتراها تهادن مجرميها وأن سبب حملة الحقد والكراهية ضد سوريا هو دعمها للحق العربي ومقاومة الاحتلال للأرض العربية واعتبارها القدس وحقوق اللاجئين بأهمية الجولان؟

وماذا يفعل العربي اليوم وسلطات الاحتلال الإسرائيلي تقتل الشباب الفلسطيني يومياً وتتهم شعباً عانى إرهاب الاحتلال أكثر من قرن بالإرهاب في وقت تتكالب فيه القوى الدولية لتبرئة الذين يمارسون إرهاب الدولة وأبشع جرائم الاحتلال والحرب؟

وماذا يفعل العربي وهو يرى الشباب المقاوم معصوب العينين ومكتف اليدين ويُساق إلى السجون فقط لانه ما زال مؤمناً بحقوقه وأمته ويقاتل عن حرية العرب وكرامتهم مهما جار عليهم الزمن اليوم من الأهل والأعداء على السواء؟

وماذا يفعل العربي وهو يقرأ قرار مجلس النواب الأميركي الذي صدر بناء على تقرير ميليس بفرض عقوبات على أي دولة تصدّر السلاح لسوريا أو تساعدها في إنتاج أسلحة متقدمة ويقرأ التقارير الدولية التي ترمي في جوهرها إلى نزع سلاح المقاومة ونزع سلاح الفلسطينيين وبث الضغينة والفتنة بين سوريا ولبنان واعتبار كل من يعشق دمشق ويرغب في زيارتها عميلاً للمخابرات السورية وكل من يدافع عن سوريا ومواقفها دليلا إلى تدخلها في شؤون لبنان.

وماذا يشعر أي عربي وهو يقر مجلة دير شبيغل الألمانية التي بذلت جهداً مشكوراً لتقصي الحقيقة عن رواية شاهد الزور زهير الصدّيق وتفنيد الفبركات والدوافع وراءه فيما تتسابق جرائد وفضائيات عربية للتهليل لإدانة سوريا لمجرد عرض تقرير لشبهات لا تستند إلى وقائع أو أدلة؟

وماذا يشعر العربي وهو يقرأ عن حركة السلام الألمانية التي فنّدت تاريخ تحقيقات ميليس في ألمانيا والتي تلقي بكثير من الظلال على طريقة التحقيق وتسييسه اليوم لاغراض وأهداف معروفة ومعدة سلفا في إسرائيل والتي سوف تعقد مؤتمراً صحافياً حول استنتاجات تقصياتها في الثالث من تشرين الثاني في مدينة برلين؟

وماذا يشعر العربي وهو يقرأ على موقع الكاتب والمفكر الأميركي ويليام باولز وصف تقرير ميليس بأنه محاولة غير ناضجة للإيقاع بسوريا منتقداً وسائل الإعلام في تعاطيها مع التقرير واعتبار الشبهات إدانة في الوقت الذي أكد التقرير نفسه وفي مرات عديدة أن هناك حاجة لمزيد من التحقيقات وانه لم يكتمل؟

وماذا يشعر العربي وهو يقرأ على مواقع في الانترنت وباللغة الانكليزية بأن المرحوم رفيق الحريري اغتيل لسببين أساسيين لا ثالث لهما: وقوفه ضد تجريد حزب الله من السلاح والحملة الدولية التي قادها بنجاح من أجل ذلك ورفضه إقامة قاعدة أميركية ضخمة في ميناء بيروت شبيهة بقاعدة العديد في قطر؟

من علائم ضعف الأنظمة العربية هذا التشرذم والتمزّق والانقسام والفرقة وأعزي ذلك أولاً وأخيراً إلى عدم نضج المنظور الوطني ووضعه فوق المصالح الشخصية والطموحات الذاتية. إذ بعيداً من تخوين فرقة واتهام اخرى بالتواطؤ والتعامل مع الأجنبي أرى أن طمع البعض في السلطة أو المنصب أو القوة وضع هذا المنظور فوق المصلحة الوطنية العليا هو الذي قاد الشعب العربي في الكثير من أقطاره إلى هذه الحالة من الإحباط وهو يواجه أبشع حملة حقد وكراهية تشنّها قوى عرفت طوال تاريخها بالعداء للعرب وبارتكاب جرائم الاحتلال ضد العرب وهو الذي شجّع الأعداء المتكالبين على نهش الكرامة العربية وعلى الاستهانة بالعرب، وهو الذي سهّل تسخير بعض العرب ضد البعض الآخر باسم الحرية والديموقراطية والتقدم ولكن تشخيص ما يخطط لنا من الآخرين لا يعفينا أبداً من مسؤولياتنا في تنمية الوعي الوطني وإفراز القدوة الحقيقية النزيهة والوطنية والمتفانية في سبيل الوطن لتقود المسار اليوم بعيداً من الإسفاف والتشفّي والغرق في تفاصيل الفتنة التي تنعكس سلباً على الجميع لأن الجميع في سفينة واحدة ومن يحفر ثقباً في السفينة لإغراق أخيه يجب أن يُدرك أنه غارق معه لا محالة.

ولهؤلاء الذين يعتقدون أن الغرب قادم لخلق ديموقراطية في بلداننا كتلك التي لديهم أدعوهم لاستذكار الاستعمار القديم الذي استعمر البلدان لنهب ثرواتها وانتهاك حرياتها واعتقال أبنائها ولكنه لم يبنِ لها المؤسسات والأنظمة الشبيهة بما بناه لشعبه لأن كل شعب يجب أن يبني لنفسه وهذه سنّة الحياة.

ولمن يشكّ في ما أقول لنرى فلسطين ولماذا لا تدافع الدول العظمى عن حرية شعبها بل تسلح إسرائيل بكل أدوات الفتك. ولنرى العراق وهل هذه الديموقراطية الطائفية والعرقية هي التي ترتئيها الولايات المتحدة لشعبها؟؟. بل هل تحصي الولايات المتحدة خسائر الشعب العراقي والمدنيين الفلسطينيين وهل لدى الغرب فكرة عن نوع الحياة التي يعيشها العراقيون والتي هي أقرب إلى الموت منها إلى الحياة؟ وهل دافعت عن لبنان وهو يتعرّض للاحتلال الإسرائيلي؟

إن استهداف سوريا ولبنان في هذه المرحلة هو محاولة لزرع الفرقة والشك والريبة بين الشعبين اللذين يتمتعان بأقوى الأواصر والروابط بكل المعايير الانسانية والتاريخية والاجتماعية والاقتصادية. لقد اغتيل رفيق الحريري لأنه كان سنداً لسوريا وللبنان وفلسطين ولأنه كان قيمة مهمة للوضع العربي وتفاعلاته على المستوى الدولي، واغتيل من أجل استكمال مخطط استهداف الجذوة العربية المتبقية والمتمثلة بالأواصر السورية ـ اللبنانية، فهل يدرك الجميع أن الحقيقة هي أننا جميعاً مُستهدفون وأنه يتم استهداف خيرة أبنائنا من أجل استكمال هذا المخطط القديم الجديد الهادف لإنهاء الهوية العربية والحضارة العربية وتتويج إسرائيل قوة امبراطورية وحيدة في منطقة الشرق الأوسط؟

لقد غرق العرب في نزاعاتهم الجانبية وهذه فرصتهم ليصلوا الى مرحلة يوقنوا فيها أن عليهم بناء بلدانهم وعلاقاتهم على أسس الوحدة القومية التي بذل الطغاة الأعداء على السواء أقصى جهودهم لتخريبها وأن معركتهم ليست مع أبناء قومهم بل الذين يستهدفون وجودهم وحضارتهم وهويتهم. هل يمكن للجميع في لبنان وسوريا وفلسطين أن ينظروا لحظة ماذا بعد هذه التقارير وما الذي ستكون عليه الأمور في مشرقنا العربي بعد سنوات من الآن ومن سيكون المستفيد الأكبر من مجريات الأحداث التي خطّط لها ونفّذها ألدُّ أعداء الأمة.

التعليقات