31/10/2010 - 11:02

فلسفة الهزيمة...جدلية المقاومة والإرهاب../مصطفى طه

فلسفة الهزيمة...جدلية المقاومة والإرهاب../مصطفى طه
"إن الجانب الذي يقف فيه حامل السلاح هو ما يميز بين الإرهاب والثورة، وإلا لكنا اعتبرنا الشعب الأمريكي إرهابيا عندما حمل سلاحه ووقف بوجه الاحتلال الانجليزي، ولكنّا اعتبرنا شعوب أوروبا إرهابية عندما حملت سلاحها ووقفت أمام المد النازي"، بهذه الكلمات خاطب الشهيد ياسر عرفات العالم يوم 13/11/1974 في خطابه الشهير من على منصة الجمعية العمومية لهيئة الأمم المتحدة، هذا الخطاب الذي عرف فيما بعد بخطاب غصن الزيتون وبندقية الثائر ووضع فيه عرفات الخط الفاصل ما بين الإرهاب والثورة.

فتح عرفات وأبو جهاد وأبو إياد ليست فتح أبو مازن.. فتح التي حاولت أن توازن بين المناورة في التكتيك والثبات في المواقف، فتح التي فاوضت دون أن تسقط خيار المقاومة كخيار على الأقل ليست فتح التي تقبل لنفسها ليس إسقاط خيار المقاومة شرطا للتفاوض فحسب وإنما إلى نزع سلاح المقاومة أولا بناء على ما تم الاتفاق عليه بموجب خارطة الطريق التي حوّلت الأجهزة الأمنية الفلسطينية إلى شبه وكيل أمني لحماية أمن إسرائيل حتى في الوقت الذي ترتكب فيها المجازر اليومية بحق كل ما هو فلسطيني من بشر وشجر وحجر.

الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي انطلقت شرارتها بتاريخ 09/12/1987 صمدت ست سنوات دون أن تطلق رصاصة واحدة، وصمدت بالحجر أمام الترسانة العسكرية فقط لأنه كانت هناك قيادة موحدة للانتفاضة ميدانيا تعمل ضمن إستراتيجية واحدة للمواجهة، وبفعل هذا الصمود أيقنت القيادة الإسرائيلية بشقيها السياسي والعسكري أنه لا يمكن كسر إرادة هذا الشعب بالقوة، ولأن القيادة الفلسطينية لم تقدّر مكامن قوتها النضالية بالشكل الصحيح كانت اتفاقيات أوسلو بالشكل الذي كانت فيه" ونقلت الاحتلال من غرفة النوم إلى غرفة الاستقبال". وحولت السلطة الفلسطينية إلى مجرد محمية طبيعية مقطعة الأوصال بالطرق الالتفافية والحواجز العسكرية والكتل الاستيطانية، وأصبح الكيان الفلسطيني المجزوء أقرب إلى القفص منه إلى شبه الدولة، ولا تملك فيه السلطة حتى مفتاح هذا القفص.

توهم البعض أنه من خلال اتفاقيات أوسلو يمكن الاستعاضة عن السيادة برموز السيادة، وعن الاستقلال برموز الاستقلال ولكن حين تأكد الجميع أن مجرد رفع العلم الفلسطيني فوق الموقع أو المعبر لا يعني استقلالا كما لا يعني لبس الزي العسكري الفلسطيني سيادة لأنها رموز ليس إلا، ولأنها مفرّغة من مضمونها الحقيقي على الأرض، هذا الواقع أوصل اتفاقيات أوسلو إلى الطريق المسدود، ووصل ذروته حين رفض عرفات التوقيع على اتفاقيات كامب ديفيد مع باراك ما أدى إلى انفجار الانتفاضة الفلسطينية الثانية، وما أدى أيضا إلى محاصرة عرفات في المقاطعة لمدة سنتين واغتياله فيما بعد متمسكا بالثوابت الفلسطينية.

قمة العقبة التي تمخضت عنها خارطة الطريق كان مكتوبا لها حتما وسلفا أن تقود لحرب أهلية فلسطينيه لأن نزع سلاح المقاومة كان شرطا لبدأ المفاوضات، بمعنى أن تقطيع الجسد الفلسطيني كان هدفا إسرائيليا لمجرد التفاوض مع شق فلسطيني واحد بعد أن وضع تحت تجربة "حسن سلوك" بالمنظور الأمريكي- الإسرائيلي.

في أنابوليس كانت البداية من حيث انتهت خارطة الطريق، فالمؤتمر تحول إلى مجرد اجتماع من نوع العلاقات العامة ينتهي بالتقاط صورة للذكرى والتاريخ بعد بيان ختامي فيه النص أتفه من المضمون. فإضافة لكون اللقاء مطلبا أمريكيا يهدف لتطويق القوى الممانعة بغطاء عربي، فهو أيضا التفاف على المؤتمر الدولي بمشاركة الرباعية ذات المرجعية بناء على القرارات الدولية من ناحية، وعلى المبادرة العربية من ناحية أخرى.

الواقعية والاعتدال بالمفهوم إياه هي أسماء"دلع" مستعارة لتكريس واقع الهزيمة الذي يفرز ثقافة الهزيمة لتجعل من الانبطاح استسلاما برنامجا سياسيا يكرس الواقع المهزوم... هي واقعيه لا تفهم من الواقع سوى الاستسلام له بما فيه من ذل وهوان مقابل ثقافة "التطرف" التي تنبع تهمتها من محاولة شق عصا الطاعة لنفض غبار الذل والتبعية والهوان عن ظهر الأمة، وبامتياز.... فلسفة الهزيمة مهزومة حتما..

التعليقات