31/10/2010 - 11:02

فوائد «القعدة على الكنبات» فى نظرية جيهان السادات/ جمال فهمي

-

فوائد «القعدة على الكنبات» فى نظرية  جيهان السادات/ جمال فهمي
أمضيت الأسبوعين الماضيين مستمتعاً جداً بلذة اكتشاف الأصل التاريخى الجيولوجى للاختراع العبقرى الذى تلخصه عبارة تعودنا سماعها من الرئيس مبارك طوال أيام ربع القرن الأخير على الأقل، ويقول منطوقها «.. يقعدوا مع بعض عشان يشوفوا حل للقضية»، وهو اختراع يقوم على نظرية «القعدة» مع العدو التى أضحت الآن استراتيجية وحيدة ومنهجاً عاماً ومعتمداً من المأسوف على خرفه وشيخوخته النظام العربى الرسمى كله «لحل» الصراع العربى ـ الصهيونى وتصفيته بأى طريقة تسمح بها «القعدة!! »

ويعود فضل اكتشافى لأصل وفصل هذا الاختراع الذى لم يسبقنا إليه بشر وسوف نباهى به أمم الدنيا المهزومة يوم القيامة إن شاء الله، إلى السيدة الفاضلة جيهان السادات أرملة المرحوم الأستاذ أنور السادات وقد اهدتنى حضرتها هذه الهدية حينما ظهرت على شاشة قناة «الجزيرة» فى حوار مطول أجراه معها الزميل عبدالرحيم فقراء مدير مكتب القناة فى العاصمة الأمريكية واشنطن بمناسبة صدور كتابها «أملى فى السلام»!!

وعلى مدى نحو 20 دقيقة بدا واضحاً أن «أمل» السيدة جيهان فى السلام مع العدو الصهيونى وكيانه العنصرى العدوانى يستند إلى تراث وخبرة «قعدة» زوجها الرئيس الراحل مع هذا العدو والتى انتهت بمأساة عودة سيناء منزوعة السلاح منقوصة السيادة، بعدما تحول نصر أكتوبر المعٌمد بدماء زهرة شباب الوطن إلى بضاعة رخيصة فى بازار «القعدات» والتنازلات المجانية المستمرة حتى الساعة بنجاح مثير للعار والقرف!!

لقد تحدثت السيدة جيهان فى الحوار المذكور عن «الجلوس» و«القعاد» (12) مرة بصياغات مختلفة وأسهبت فى شرح نظريتها التى أركز عليها وحدها ضارباً الصفح عن مصائب وبلاوى أخرى كثيرة من نوع التطوع ـ مثلاً ـ بتبرير وتسويغ وتلمس الأعذار للعدو فى ارتكاب تلك السلسلة الطويلة من الاعتداءات والحروب والحملات الإجرامية على أمتنا وأهلنا خصوصاً فى فلسطين ولبنان منذ أن «قعد» زوجها المرحوم مع السفاح الهارب من وجه العدالة مناحم بيجين قبل ثلاثين عاماً، فهى قالت لافٌض فاه حضرتها ما معناه أن كل هذه العربدات العدوانية تعود إلى أخطاء العرب بدليل أن غزو لبنان فى العام 1982 كان بسبب أن «للفلسطينيين قاعدة هناك بيضربوا إسرائيل منها وعشان كده حصل الغزو.. هما (الفلسطينيين) كانوا بيضربوا الصواريخ بتاعتهم من لبنان وإسرائيل بترد عليها كما حدث بالضبط فى غزة لما برضه ضربوا صواريخ وبعدين إسرائيل بتنتقم .. فالسبب مش معاهدة كامب دافيد (بل) السبب أنه بيحصل عدم جلوس على مائدة مفاوضات»!!

إذن الموضوع كله ولب الصراع هو غياب «الجلوس» فإذا ما حدث أى «جلوس» أو «قعاد» فعندئذ لا يعود هناك صراع ولا عدوان ولا حروب ولا حاجة أبداً، وتتحل كل المشاكل.. طبعاً ليس مهما كيف تحٌل وعلى حساب من؟.. الضحية أم الجلاد.. القاتل أم القتيل.. المسروق أم السارق؟! كما أنه من غير المجدى تذكير معاليها بأن «القعاد» شغال فعلاً منذ «مدريد» و«أسلو» وما قبلهما ولم يحدث شيء غير المزيد من العدوان والمزيد من ضياع الحقوق، فطبقاً للنظرية فإن «القعاد» مع العدو فى حد ذاته غاية تعلو وتسمو على ما عاداها من الغايات والأهداف، وملعون أبو الحقوق والأوطان والكلام الفاضى ده كله الذى هو من متاع الدنيا الزائل!!

باختصار.. السيدة جيهان ترى أن «الجلوس والقعاد» هما المحرك الأصلى للتاريخ ومصدر كل الصراعات والغزوات والاحتلالات، وقد تفضلت وتكرمت وشرحت للمشاهدين فى المواضع الـ (12) التى تحدثت فيها عن نظرية «القعدة الحلوة» مع العدو طريقة عمل هذه النظرية مؤكدة ومكررة أن «إسرائيل مش ح ترجع لنا أرضنا كده».. أمال ازاى ياستي؟!، تقول لك الست: «لابد أننا نقعد معاها ونتفاهم (..) لأنها مش ح ترجع الأرض كده لازم تقعد وتتكلم (معاها) وح تحصل (حضرتك) على اتفاقية فى النهاية»!!

شفت ازاى النظرية بتشتغل ؟! «القعدة» هى الأصل والأساس، لكن إذا كانت هى وحدها التى يعول عليها فى حل الصراع (أى صراع) فإن منشأ هذا الأخير يعود إليها أيضاً، بمعنى أن المشروع الصهيونى نفسه ليس ـ كما كنا نظن ـ مشروعاً استعمارياً استيطانياً عنصرياً أقيم بقوة الغصب والإجرام على أرض فلسطين المسروقة لتصير قاعدة متقدمة تحقق مصالح الامبريالية الغربية فى منطقة فائقة الأهمية والحيوية، وإنما هذا المشروع كان مجرد رد فعل عصبى على رفض الأمة العربية «القعاد» مع تيودور هرتزل وباقى قادة الحركة الصهيونية على قهوة «كتكوت» ما دفع هؤلاء إلى اللقاء فى مؤتمر بازل الشهير (1897) حيث وضعوا هناك ملامح المشروع الصهيونى كخطة انتقامية هدفها الوحيد تأديب العرب واجبارهم على «القعاد» معاهم وتمضية أوقات سعيدة فى الثرثرة وشرب منقوع «الحلبة الحصاء»!!

وبمقتضى النظرية ذاتها فإن ظاهرة الاستعمار التى عرفتها البشرية منذ مطلع تاريخها الحديث لا علاقة لها البتة بالمصالح والاطماع الامبريالية، لكنها نشأت أصلاً كرد فعل على عنجهية الشعوب التى تعرضت للنهب والغزو والاحتلال وتعاملها بتعال واحتقار مع الدول الاستعمارية ورفضها «القعاد» معاها فى أى حتة، ما جعل هذه الأخيرة تلجأ إلى احتلال واستعمار أوطان تلك الشعوب المتعالية المتغطرسة حتى تكسر أنفها وتعلمها فضيلة التواضع وتجبرها على «الجلوس» معاها فى نهاية المطاف.. حدث هذا فى الهند إذ كانت حكومة ملكة بريطانيا عرضت على الهنود اللقاء فى «روتانا كافيه» لكن الشعب الهندى أبى واستكبر فاضطرت المملكة المتحدة إلى نهب الهند واحتلالها لمدة تقترب من ثلاثة قرون!!

والسيناريو ذاته (مع اختلاف بسيط فى التفاصيل) حصل مع فرنسا فى الجزائر، وكذلك الأمر بالنسبة للأقلية الأفريكانية البيضاء فى جنوب أفريقيا، كما أن عناد ونشفان دماغ الزعيم أحمد عرابى ورفضه غير المبرر عرض الإنجليز له ولزملائه بالجلوس معاهم وتمضية وقت لطيف فى قهوة «ماتاتيا» فى العتبة الخضراء أدى لاحتلال مصر لمدة سبعين عاماً!!

بل إن أزمة «القعاد» ذات نفسها كانت هى العامل الحاكم والحاسم والأكثر خطورة وتأثيراً فى قيام وزوال الممالك والامبراطوريات القديمة، فالثابت تاريخياً أن الهكسوس دخلوا مصر بغرض «القعدة» مع فرعون فلما «تفرعن» عليهم احتلوا البلاد 350 سنة إلى أن أتى الملك أحمس و«قعد» معاهم على عجلته الحربية المشهورة!!

ويقال أيضاً فى رواية تاريخية أخرى موثوقة إن موسى بن نصير أمر قائده طارق بن زياد بالهبوط على شواطئ شبه جزيرة «أيبريا» الأوروبية وتأسيس الدولة العربية الإسلامية فى الأندلس بعدما «اتنرفز» خالص واستشاط غضباً بسبب رفض ملك القوط «لذريق» الذى كان يحكم إسبانيا آنذاك، عزومة وجهها له الخليفة الأموى على أكلة كفتة وكباب عند «أبوشقرة» الكبابجي!!

ويبدو أن هذه المشكلة بقيت فعالة وشغالة بقوة فى التاريخ الأوروبى المعاصر أيضاً حتى أن الزعيم النازى أودلف هتلر وجد نفسه مضطراً لاجتياح بولندا (فى الفاتح من سبتمبر 1939) والانخراط فى آتون الحرب العظمى الثانية احتجاجاً على مماطلة الحكومة البولندية ـ بتحريض من بريطانيا ـ فى تلبية دعوته لها بالجلوس معاه على مقهى «كافيه دولا بيه» فى باريس التى دخلها بجيوشه بعد ذلك كزبون يهوى «القعاد» مع الشعوب غير الجرمانية فى المطاعم والكافتيريات الباريسية.. وكل عام وأنتم بخير!!



التعليقات