31/10/2010 - 11:02

في أهمية الانتخابات المبكرة لعرب48../ ناصر السهلي*

في أهمية الانتخابات المبكرة لعرب48../ ناصر السهلي*
إذا كان البعض قد فهم التصريحات التي صدرت عن تسيبي ليفني فيما يخص عرب 48 وتطلعاتهم القومية على أنها مزايدات إنتخابية ليس إلا.. وهو ما ينطبق على المخططات والحملة المسعورة لقطعان المستوطنيين وعتاة التطرف في المدن العربية والمختلطة داخل الخط الاخضر والعربدة الميدانية في مدن الضفة الغربية والتهديد المتواصل، بالترافق مع القصف والاعتداءات، بإجتياح قطاع غزة المحاصر.. فإن قراءة ترد كل تصرف في التسابق نحو صناديق الاقتراع عبر الايغال بإنكار الحقوق القومية الكاملة للشعب الفلسطيني وسفك دمه على أنها مزايدات انتخابية قد لا تكون دوما هي القراءة الوحيدة، لما تحمله هكذا قراءة من الارتكاز الخاطئ على واقع قد يتحول فيما يلي الى فرض أمر واقع حقيقي، يجد فيه الفلسطينييون أنفسهم وقد تلاعبت الشعارات بنتائج قد تكون كارثية أكثر مما هي عليه كارثة الوضع الفلسطيني الآني على مجمل الشعب الفلسطيني أينما تواجد..

ولنفترض حقا أن ما يجري هو مجرد " مزايدات إنتخابية".. فكيف يكون الرد؟

في التجربة العملية كان للسياسات الصهيونية، الحزبية والرسمية، اللاعبة على تناقضات معينة في وسط الفلسطينيين في الداخل وتشكيلاتهم الحزبية دور كبير في التقليل من حجم وتأثير الصوت العربي. وعليه فإن شعارات كثيرة قبل الإنتخابات القطرية السابقة والبرلمانية القادمة أثبتت بما لا يدع مجالا للشك بأن بعض الأوساط ما تزال تقرأ وتمارس السياسة وفق عقلية أن الواقع الفلسطيني لعرب 48 عليه أن يتحول إلى "الانصهار" في مسار السياسة الصهيونية إذا كان من المفترض أن يصل "المساواة" التي تعتبرها بعض الأوساط قمة ما يمكن أن يقال للمواطن العربي داخل الخط الأخضر لكسب صوته..

وبالرغم من أن الفشل كان حليف "الأسرلة"، التي عملت عليها المؤسسة الصهيونية وتنامي الوعي القومي والانتماء العربي الأوسع عند عرب 48، إلا أننا ومع الأسف ما نزال نسمع صدى شعارات حزبية ضيقة تجاوزتها التجربة والواقع.. فمن شعارات المرحلة التفنن في الدعوة الى "لا تهدر صوتك"، والمقصود هنا أن لا يتم التصويت لقوائم عربية معينة لا ترضي توجهاتها لا الاحزاب ولا المؤسسة الصهيونية في إصرارها على تحدي وفضح التواطؤ ضد المدن والتجمعات العربية ورفضها حصر الحقوق في شارع هنا وبنية تحتية هناك..

رغم الأهمية القصوى للعمل على الحقوق والهموم اليومية المباشرة في المدن العربية المسحوقة والمحاصرة بتجمعات استعمارية لا تختلف عن محاولة حشرها لتكون كما بانتستونات ومنعزلات نظام الفصل العنصري الجنوب افريقي السابق، بل ما هو أفظع من ذلك قيام المؤسسة الصهيونية بتسويق سياساتها الى العالم العربي والاسلامي دون أن ينتبه هؤلاء إلى إشتراكهم في تعميق أزمة ومعضلة الوجود الفلسطيني في فلسطين التاريخية، إلا أن الهموم اليومية ليست بالضرورة محققة بدون ربطها في السؤال الأوسع للحقوق التاريخية لهؤلاء.. ومنها حالة التهجير التي يعاني منها اللاجئون في مدن وقرى فلسطينية ممنوع على أصحابها العودة إليها رغم كل ما يثار عن "الديمقراطية الوحيدة" و "العدالة" ( وللعدالة المذكورة ما يمكن أن يكشف وجها قبيحا في التعامل مع العرب).. ومنها حالات كثيرة أخرى لها علاقة مباشرة بالمستقبل الجمعي لكل عرب 48 وممارسة حقوقهم الكاملة وغير المنقوصة لمصلحة ما يسمى "قانون العودة" لليهود في ممارسة عنصرية واضحة تمنح أي يهودي حق التجنس والاقامة والحصول على كل إمكانيات الرفاهية بينما يمنع ويحرم على المواطن العربي الفلسطيني التواصل مع عمقه العربي.. بل حتى الفلسطيني في الاراضي المحتلة عام 67.. ومن بينها الاجحاف الواضح في مسألة لمّ شمل عائلات مشتتة، والترهيب للإبقاء على حالة التهميش التي تعاني منها المدن والقرى العربية، ولعب البعض دور البطولة في انجاز هذه او تلك من تحقيق بعض المطالب البسيطة.. وهو أمر يترك الهامش الأوسع للمؤسسة الصهيونية لتقديم نفسها في صورة "عادلة وديمقراطية" بكلام وتصريحات مخادعة هدفها فتح الجسور مع العالم العربي..

رغم افتضاح "العدالة" في مسألة د.عزمي بشارة، أيا تكن التهم والمبررات فالمقصود هنا ليس ملاحقة شخصية بقدر ماهي ملاحقة فكر وتوجه بدا ومازال متناميا في الوسط العربي.. سواءا إختلف أو لم يختلف معه البعض إلا أن الحقيقة تفرض نفسها بأن الملاحقة ليست شخصية أبدا.. ولا يمكن الركون الى "عدالة" تسمح بقوننة التمييز والتطرف ضد الوجود الفلسطيني كله.. وإلا لكنا رأينا بعضا من هذه "العدالة" في قضية إقرث وأهلها المهجرين..

من يتابع التقسيم الحزبي للعرب داخل الخط الأخضر بإمكانه أن يكتشف أي نوع من البرامج السياسية والانتخابية التي تحملها تلك التقسيمات قبل الانتخابات القادمة، فلو تحدثتنا عن الاحزاب "اليسارية"، وهو على كل حديث طويل يحتاج الى مزيد من التفصيل والتمحيص لاحقا، لوجدنا أنه يطرح شعارات ليست بعيدة عن اطروحات ما يسمى " اليسار الصهيوني" وليعذرنا أحبتنا من هؤلاء على قراءتنا التي لا ترى في الواقع فرقا بين ما طرحه يوسي بيلين حول مسألة عرب48 وما يطرحه هؤلاء بوجه تغول السلطة التي لا ترى أصلا حقا للوجود العربي في فلسطين..

الاختيار بأن تكون هناك قوائم عربية مشتركة ليصب التصويت العربي باتجاه خدمة حقوقه القومية على المستوى القريب والبعيد كان يمكن أن تشكل إنعطافة تاريخية تجعل من الصوت العربي ( رغم كل الملاحظات التي يبديها البعض عن الانخراط في الانتخابات البرلمانية) الصوت الأكثر ترجيحا في كل الحياة السياسية الاسرائيلية وما يحمله ذلك أيضا من قوة سياسية قادرة على فرض شروطها على المؤسسة الرسمية وترك بصمة وانطباع مختلف عند التشكيلات الحزبية الصهيونية..

لا يكون، برأيي المتواضع، تشتيت الاصوات العربية والتشكيك بنجاح أو فشل تشكيلات حزبية تجمع أطياف ( قومي ووطنية ويسارية) هو الرد على الشعارات المفترضة بأن ما يأتي على لسان ليفني أو نتنياهو أو أي زعيم حزبي صهيوني.. وما يسميه البعض مزايدات انتخابية أقرأه وبكل بساطة برامج سياسية مستقبلية تتطلب ردودا عبر برامج سياسية تأخذ بعين الاعتبار العامل الذاتي في التحصن بوجه المشاريع الصهيونية المطروحة على أجندة الاحزاب.. وأيا كان البرنامج الذي يطرحه البعض جميلا في قشوره فإن عمق القراءة قد تجعل الحقيقة مقلوبة ومأساوية..

شخصيا لست واهما بأن البرامج والتشكيلات التي تسبق الانتخابات للكنيست هي إنعكاس حقيقي للأزمة الحزبية ( التي لا تختلف عن أزمة الساحة الفلسطينية عموما).. فضيق الانتماء الحزبي لا يمكن أن يفتح أفق حقيقي أمام الشعب الفلسطيني لتحقيق أي من طموحاته، بل إن الامعان في تقديم القراءات الانتخابية والسياسية إنطلاقا من الانتماء الضيق يسهم في تعميق أزمة وواقع عرب 48.. تماما كما هو الامر على بقية المشهد الفلسطيني المنقسم على نفسه..

ما أقوله هنا أن فلسطينيي الداخل يمكن لهم أن يكونوا رياديين في المساهمة في تقديم حالة من تصحيح اتجاهات البوصلة الفلسطينية التائهة بحق في شعارات وبرامج ضيقة الأفق وغير قادرة على اجراء مراجعات عقلانية وواقعية لسياستها.. وعليه لا أجد حرجا في القول بأن أهمية الانتخابات المبكرة للكنيست بالنسبة لعرب 48 لا ينطبق فقط على أوضاع هؤلاء بل يمكنه أن يكون، إذا ما كان تصويتا عربيا بعيدا عن التصويت للبعض الذيلي للأحزاب الصهيونية، رافعة حقيقية ومدخلا ومثلا يمكن لبقية الساحة الفلسطينية أن تجد مخرجا ديمقراطيا ووطنيا تشارك فيه كل الاتجاهات من اليسار الى القومي والاسلامي الوطني.. هذا عدا عن ما يمكن أن تشكله تقوية تمثيل قوائم التحالف الذي يجعل من الأصوات العربية ذات وزن داخلي تعكس نفسها في الوقوف بوجه تلك البرامج الصهيونية التي يراها البعض مجرد تكتيكات إنتخابية..

ومن الضرورة بمكان أن يسأل من يختار التصويت لهذا أو ذاك عن مؤثرات تقوية البرامج السياسية للتيارات الوطنية والديمقراطية وتحالفاتها، أليس الأجدى هو التصويت للبرنامج الذي يلامس الحقوق القومية والوطنية والحياتية المباشرة بما يشكل ذلك من رد عملي بوجه قوى التطرف اليميني الصهيوني المهدد والمدعوم بشكل مباشر وغير مباشر من الاحزاب الصهيونية ( مهما كانت التسميات)..

إن الملاحقة السياسية ومحاولات تصفية الشخصيات والقوى السياسية الوطنية، ومن على منصة الكنيست تارة بالدعوة لاعدام هذا وتارة أخرى بمنع ذاك من الترشح، تدل وبشكل عملي على الامكانات التي يحملها العرب إن هم إختاروا حقا تصويتا مدروسا بعيد المدى بحيث يجعل من كل مخططات تصفية الوجود العربي أكان على طريقة زئيفي أو على طريقة التفسيرات على لسان ليفني أو على طريقة الأسرلة وإستلاب العقل العربي عبر صهره وبالتالي تغريبه تماما عن عمقه التاريخي.. كل ذلك وغيره يتطلب حقا التفكير بمدى أهمية هذه الانتخابات والمشاركة فيها بطريقة تقطع الطريق على البرنامج الصهيوني الذي يعمل على تعميق أزمة الفلسطينيين في الداخل بشعارات ضيقة الأفق والرؤية..

التعليقات