31/10/2010 - 11:02

في صعود وهبوط عمليات المقاومة المسلحة/ ماجد كيالي

في صعود وهبوط عمليات المقاومة المسلحة/ ماجد كيالي
شهدت السنوات الخمس الماضية (2001ـ2005) تصعيدا كبيرا في العمليات الفدائية، بحيث أن تجربة الكفاح المسلح الفلسطيني المعاصر لم تشهد مثيلا لها، منذ انطلاقتها في العام 1965، ولا حتى في فترة صعود العمل الفدائي في عقد السبعينيات من القرن الماضي.

أيضا ثمة ما يميّز تجربة هذه المرحلة، عن سابقتها، فعمليات المقاومة هذه المرة كانت تنطلق من داخل الأراضي المحتلة بالذات، وليس من الخارج، بمعنى أنه ليس ثمة قواعد تدريب وتهيئة أو انطلاق وإسناد. وما يميز هذه التجربة أيضا أنها طاولت العمق الإسرائيلي، في استهدافها المدن الإسرائيلية ذاتها، ولم تقتصر على المناطق الحدودية. كذلك فإن العمليات الفدائية لم تلتزم فقط الشكل التقليدي المعروف بحرب العصابات، أي بالعمليات التي تقوم بها مجموعات فدائية صغيرة وفق مبدأ: اضرب واهرب، إذ أنها تضمنت شكل العمليات التفجيرية (الاستشهادية) أيضا، التي يقوم بها فرد واحد. وفي هذه التجربة لم يكن ثمة قيود خارجية على العمليات الفلسطينية ضد إسرائيل، كما في السابق، حينما كان مصدر هذه العمليات من البلدان العربية المتاخمة لإسرائيل. وأخيرا فإن المواجهة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، في هذه المرة، كانت مفتوحة على مصراعيها، من دون أن يتحمّل أي بلد عربي تبعات هذه المواجهة المسلحة بالمعنى المباشر.

وعلى الرغم من كل ما تقدم فإنه ثمة عوامل مشتركة بين تجربة هذه المرحلة وسابقاتها، فموازين القوى في المواجهات المسلحة ظل يميل لصالح إسرائيل بالطبع، التي تتمتع بالقدرة على السيطرة أيضا، مثلما تتمتع بالقدرة على إبداء أقصى قدر من رد الفعل، على العمليات المذكورة. وقد اتسمت التجربة المسلحة في هذه المرة أيضا بالعفوية والمزاجية وبالفوضى، كشأن التجربة السابقة، وإن كان الثمن أكثر دموية وأشد إيلاما، وأكثر ملموسية. والمفارقة أن الفلسطينيين خاضوا أكثر فترة في تصعيد مقاومتهم المسلحة ضد إسرائيل، وهم يخوضون في نفس الوقت أكثر فترة في سعيهم لجلب إسرائيل إلى عملية التسوية!

ويمكن من مراجعة المعطيات الميدانية ملاحظة انحسار عمليات المقاومة الفلسطينية المسلحة عاما بعد عام، منذ أن شهدت تصعيدا فريدا من نوعه في العام 2002. فبحسب الإحصاءات الإسرائيلية فقد لقي 52 إسرائيليا مصرعهم في العام 2005، بتراجع نسبته 50 بالمئة عن العام الذي سبقه (2004) الذي شهد مصرع 118 إسرائيليا. وهذا العدد، بدوره، يناهز على نصف عدد القتلى الإسرائيليين في عمليات المقاومة، في العام 2003، والذين بلغ عددهم 212. (في العام الأول للانتفاضة قتل 164 إسرائيليا)

هكذا بقي العام 2002 العام الذي شهد مصرع أكبر عدد من الإسرائيليين في عمليات المقاومة الفلسطينية المسلحة، ليس في الانتفاضة الحالية فقط، وإنما في مجمل تجربة الكفاح الفلسطيني المعاصر منذ انطلاقه في العام1965، حيث لقي حوالي 453 إسرائيليا مصرعهم في هذا العام من ضمنهم حوالي 180 إسرائيليا في شهر مارس (2002).

وبحسب آفي ديختر الرئيس السابق لجهاز الأمن العام الإسرائيلي"الشباك" فإنه منذ بداية الانتفاضة في سبتمبر 2000 وحتى يوم 8/8/2004، "أصيب جرّاء العمليات الفلسطينية (بين قتلى وجرحى) أكثر مما أصيب في الفترة منذ الإعلان عن قيام الدولة (إسرائيل) في نوفمبر 1947 وحتى العام 2000..حيث أصيب في تلك السنوات الأربع الأخيرة من الإسرائيليين 11.356 شخصا، مقابل 4.319 شخصا أصيبوا بين 1947 و 2000".( هآرتس 9/8/2004)

ويمكن عقد مزيد من المقارنات لتبيّن ضراوة الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين خلال المرحلة الماضية. فبحسب معطيات جهاز الأمن العام "الشاباك"، فقد كبّدت الانتفاضة الإسرائيليين خسائر بشرية أكثر مما كبّدتها أية حرب أخرى خاضتها في المنطقة، باستثناء حربين سابقتين كان عدد القتلى الإسرائيليين أكثر (حرب 1948 وحرب أوكتوبر 1973).. ثمن المواجهة الحالية في الخسائر كلف إسرائيل أكثر مما كلفتها حرب الأيام الستة، 803 قتيلا، وحرب الاستنزاف، حين سقط 738 إسرائيليا في الحدود مع مصر سوريا والأردن. (هآرتس 24/8/2004)؛ وهو بالطبع أكثر مما كلفت الجيش الإسرائيلي إبان احتلال جنوبي لبنان (1982ـ2000) حيث لقي حوالي 840 إسرائيليا مصرعهم بنتيجة عمليات المقاومة في جنوبي لبنان.

وكما قدمنا فقد تميزت التجربة المسلحة الراهنة بالعمليات التفجيرية، ولكن حتى هذه العمليات باتت تتنحسر، لأسباب متعددة داخلية وخارجية. وبحسب الإحصاءات الإسرائيلية، ففي العام 2004، مثلا وقعت 15 عملية تفجيرية، قتل فيها 55 إسرائيليا، وذلك مقابل 26 عملية و 144 قتيلا في العام 2003، و60 عملية في العام 2002 و35 عملية في العام 2001. (هآرتس 7/1/2005 ويديعوت أحرونوت 9/1/2004)

وبالإجمال فقد أدت هذه العمليات إلى مصرع حوالي 40 بالمئة من الإسرائيليين في السنوات الخمس الماضية، بمعنى أن عمليات المقاومة المسلحة العادية، التي جرت في الضفة والقطاع، هي التي كبدت الإسرائيليين العدد الأكبر من القتلى، في السنوات الخمس الماضية. ويؤكد على ذلك "المركز العربي للدراسات والأبحاث" في غزة، (مقرب من حماس)، فإنه منذ الثامن والعشرين من أيلول 2000 حتى 31 يناير 2004 قُتل 1001 "صهيوني". 133 (13.3 في المائة) منهم قُتلوا في قطاع غزة، و282 (28.2 في المائة) قُتلوا في الضفة. 203 (20.3 في المائة) في القدس و383 (38.3 في المائة) في "أراضي 1948"." (هآرتس 7/9/2005).

ومن المعروف أن هذا النمط من العمليات، وعلى الرغم من إيلامه للإسرائيليين، لم يلق إجماعا فلسطينيا عليه، وهو ساهم في التشويش على شرعية المقاومة وعلى عدالة القضية الفلسطينية كما أنه غطى على الممارسات الإسرائيلية (الاغتيالات وعمليات التدمير وبناء الجدار الفاصل ومعاودة احتلال المدن الفلسطينية). ومثلا فإنه بعد عملية مطعم سبارو في القدس (أغسطس 2001) قامت إسرائيل بإغلاق "بيت الشرق"، وحرمان الفلسطينيين من استثمار المسجد الأقصى في الانتفاضة، كما حرمتهم من الدخول إلى القدس، إلا بشروط قاسية. كذلك فإن إسرائيل قامت بعد عملية فندق بارك في نتانيا(أواخر مارس 2002) بحملة السور الواقي التي احتلت فيها المدن الفلسطينية. وكانت إسرائيل بعد عمليات شهر ديسمبر (2001) قامت بمحاصرة الرئيس الفلسطيني (الراحل) ياسر عرفات، وعزله.

هكذا فإن تجربة الانتفاضة، ومعها تجربة المقاومة المسلحة وضمنها تجربة العمليات الاستشهادية، باتت تتعرض للتآكل وللانحسار، أولا، بسبب من الإنهاك واستنزاف القوى غير المحسوب، الذي تعرض له الفلسطينيون، طوال السنوات الخمس الماضية؛ وثانيا، بسبب غياب الأفق السياسي، الناجم عن تغير المعطيات الدولية والإقليمية، على خلفية اندلاع الحرب ضد الإرهاب، واحتلال العراق، وتزعم شارون للسياسة الإسرائيلية؛ وثالثا، بسبب من الخلاف الفلسطيني الداخلي، وعدم التوافق على استراتيجية سياسية وميدانية، وشيوع الفوضى في الساحة الفلسطينية، وغياب المرجعية القيادية (بعد رحيل الرئيس ياسر عرفات).

والمشكلة أن هذا التآكل أو هذا الانحسار أو هذا التراجع، لا يجري تنظيمه ولا يتم التعامل معه على أنه أمر طبيعي، في صراع ممتد ومعقد وطويل الأمد. الأنكى أنه ثمة قوى سياسية فلسطينية تكابر على هذا الواقع بالإعلان، بين فترة وأخرى، عن استمرار الانتفاضة والمقاومة، وكأن تجارب حركات التحرر الوطني هي مجرد فترات صعود فقط، لكأن التراجع مسألة معيبة، أو كأنها لا تدخل ضمن قاموس الاستعداد أو استعادة الأنفاس أو تنظيم القوى، تمهيدا لمرحلة صراعية قادمة!

التعليقات