31/10/2010 - 11:02

في يوم الأرض: ماذا تبقى من الأرض؟../ راسم عبيدات

في يوم الأرض: ماذا تبقى من الأرض؟../ راسم عبيدات
في الذكرى الرابعة والثلاثون ليوم الأرض الخالد نستذكر اليوم الذي سطرت فيه جماهير شعبنا في الداخل الفلسطيني، وعمدت بالدم نضالاتها وتضحياتها، دفاعاً عن أرضها ووجودها، حيث انتفضت جماهير شعبنا هناك في الثلاثين من آذار/ 1976، في هبة جماهيرية شاملة وواسعة من الجليل وحتى النقب، وليشكل هذا اليوم نقطة تحول في مقاومة ومسيرة ونضالات وتضحيات شعبنا هناك، من حيث الصمود والدفاع والتصدي لمخططات الاحتلال المستهدفة نهب أرضهم والاستيلاء عليها واقتلاع وجودهم من أرض الآباء والأجداد.

واليوم تأتي هذه الذكرى ليوم الأرض الخالد في ظل متغيرات وتطورات كثيرة، فنحن نشهد حالة من الانهيار والارتداد الشاملين للنظام الرسمي العربي، وليس فقط التخلي عن قضاياه القومية، بل والاصطفاف في خندق القوى المعادية في التآمر عليها والتخلي عنها.

وفي الشأن الفلسطيني نجد حالة شبيهة للحالة الرسمية العربية، حيث الانقسام الداخلي الفلسطيني يتكرس، والصراع يتواصل على سلطة وهمية لا تمتلك أيا من مقومات السيادة، كما أن الحركة الوطنية الفلسطينية بمختلف ألوان طيفها السياسي تشهد حالة تراجع وتفكك، وتغيب الرؤيا والإستراتجية الفلسطينية الموحدة، ولم نحقق إنجازات لا على الصعيد المقاومة أو على صعيد التفاوضَ.

والمشهد المأساوي هذا، عربياً وفلسطينياً، يعني أنك هناك اختلالا واضحا وكبيرا في ميزان القوى لصالح الاحتلال وحكومته اليمينية المتطرفة، والتي تزداد تغولاً وتوحشاً، حيث تصعد من عدوانها على شعبنا في كل أماكن تواجده. ولعل المرتكز الأساسي لهذا العدوان هو سياسة الأسرلة والتهويد والتطهير العرقي وتكثيف وتصعيد الإستيطان.

وهذه الهجمة ليست قصراً على هذا التجمع أو ذاك، فهي تطال شعبنا في كل أماكن وجوده، ففي الداخل الفلسطيني نشهد هجمة استيطانية واسعة على أرض النقب من أجل تهويده، وحشر أهلنا هناك في "جيتوهات" مغلقة، تمكن حكومة الاحتلال من تضيق الخناق على أبناء شعبنا هناك، حيث تتهددهم سياسة الطرد والترحيل، فمن ما مساحته 12 مليون دونم كان يملكها عرب النقب حتى نكبة عام 1948، لم يتبق منها سوى مليون دونم، تحاول حكومة إسرائيل السيطرة عليها بكل الطرق والوسائل. فهناك 44 تجمعا سكنيا بدويا من القري غير المعترف بها، والتي ترفض حكومة الاحتلال ربطها بخدمات الكهرباء والماء وتقديم الخدمات الصحية والتعليمية لها، وهي تمارس ضغطاً كبيراً على جماهير شعبنا هناك من أجل حشرهم في أقل عدد ممكن من التجمعات السكنية لتسهيل السيطرة على أراضيهم، والمسألة ليست قصراً على هذه الممارسات، بل أقرت اللجنة البرلمانية الاقتصادية الإسرائيلية بالقراءة الأولى قانونا يسمح بإقامة مزارع فردية للمستوطنين وعلى مساحة آلاف الدونمات للمزرعة الواحدة، بهدف تطويق التجمعات السكانية العربية بالمستوطنات الزراعية الصغيرة، والحد من توسعهم ومصادرة أراضيهم.

وهذه الهجمة الاستيطانية ليست بالوحيدة، بل نشهد هجمة استيطانية مماثلة على أراضي الجليل في إطار سياسة التهويد والأسرلة.

ولعل أبرز تجليات الهجمة الاستيطانية ما نشهده في مدينة القدس، فلا يكاد يمر يوم واحد إلا ونسمع عن مشاريع استيطانية جديدة، ولم تعد الأمور مقتصرة على عزل وتطويق المدينة بجدران الفصل العنصري والمستوطنات في المحيط والأطراف، بل يجري زرع المستوطنات والأحياء الاستيطانية في قلب الأحياء العربية وفي قلب البلدة القديمة، وبما يضمن إقامة أحزمة استيطانية داخلية متواصلة، وبما يجعل ويفصل الأحياء العربية عن بعضها البعض، بحيث تصبح جزر معزولة في محيط استيطاني واسع، يحد ويمنع تمددها وتوسعها، وبما يجبر أهلها على الرحيل القسري، وهنا لا بد لنا من القول إن الهجمة على المدينة المقدسة تصاعدت بشكل ملحوظ بعد أوسلو، لكي تبلغ الذروة في عهد الحكومة اليمينية المتطرفة برئاسة "نتنياهو"، فحتى في ظل الحديث عن الجهود التي بذلتها الولايات المتحدة من أجل العودة للمفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية مؤخراً وموافقة العرب على عودتها لمدة أربعة شهور، وما تبعها من لقاءات في واشنطن بين "نتنياهو" والإدارة الأمريكية، وجدنا أن "نتنياهو" وأركان حكومته يوجهون الصفعة تلو الصفعة للسلطة الفلسطينية ومعسكر الاعتدال العربي وأمريكا والرباعية ويتحدون كل هؤلاء بشكل سافر، من خلال الإعلان عن أن البناء في القدس سيستمر دون توقف كما كان قبل 42 عاماً، وأيضاً من خلال الإعلان عن إقامة مشاريع استيطانية في قلب الأحياء العربية، والتي كان آخرها الإعلان عن مشروع استيطاني من 200 وحدة سكنية في حي الشيخ جرا.، وباختصار عمليات نهب الأراضي والاستيلاء عليها في مدينة القدس، تطال كل أزقة وحارات وشوارع وبلدات وقرى القدس وبلدتها القديمة، وتستهدف كل ما يمت للإنسان الفلسطيني فيها بصلة أو وجود من بشر وحجر وشجر .

وفي الضفة الغربية الحال ليس بأفضل مما هو عليه في الداخل والقدس، فوتائر الاستيطان في تصاعد مستمر، وكل يوم يجري الحديث عن مشاريع استيطانية جديدة، كان آخرها الإعلان عن مشروع لبناء 112 وحدة سكنية في مستوطنة "بيتار عليت" في منطقة بيت لحم، ناهيك عن هجمات المستوطنين المستمرة والمتواصلة على قرى الشمال الفلسطيني، حيث تدمير ممتلكاتهم وقطع أشجارهم وحرق محاصيلهم والاستيلاء على أراضيهم، بل وحتى قتلهم بدم بارد وبحراسة قوات الجيش والشرطة الإسرائيلية، كما حصل مؤخراً في هجوم المستوطنين على قرى بورين وعراق بورين في منطقة نابلس، حيث استشهد أربعة مواطنين فلسطينيين في تلك الهجمات.

الأمور على قدر كبير من الوضوح،وهي ليست بحاجة إلى الكثير من"الفذلكات" الكلامية، فهذه الحكومة قامت وجاءت على أساس مواصلة الاستيطان والتهويد في كل بقعة من أرضنا الفلسطينية، وهي ليست ناضجة أو مستعدة لتقديم أية تنازلات جدية من أجل السلام، وكل ما تريده هو استمرار إدارة الأزمة وكسب الوقت، من أجل استكمال مشاريعها في الأسرلة والتهويد ومواصلة الاستيطان، وبما يشرعن ويؤبد الاحتلال.

ومن هنا بات من الضروري والملح مغادرة نهج المفاوضات العبثية والعقيمة، وضرورة البحث عن بدائل وخيارات أخرى، تقوم على أساس بناء استراتيجية فلسطينية بديلة، تعيد الاعتبار للبرنامج الوطني، وتجمع وتوحد كل ألوان الطيف السياسي الفلسطيني حول مقاومة شعبية وكفاحية، وأن تكون هناك مرجعية دولية لهذه المفاوضات، وأن تكون مسقوفة زمنياً، مع آليات تضمن تطبيقها وتنفيذها. وأيضاً من الضروري جداً إعادة الاعتبار إلى الأرض الفلسطينية، فهذه الأرض يجب أن تشكل لجان فاعلة وحقيقية للدفاع عنها، وأن تعطى الإمكانيات من أجل زراعتها واستصلاحها، وأن تضخ الأموال من أجل إقامة المشاريع عليها من زراعية وإسكان وغيرها، وأن تنظم الفعاليات الشعبية والجماهيرية للدفاع عنها، فالبيانات والشعارات والمهرجانات، غير قادرة على إعادة أو حماية قطعة أرض واحدة، ولعل امتلاك القرار والإرادة السياسية من العوامل الهامة والضرورية في هذا الجانب.

التعليقات