31/10/2010 - 11:02

قراءة بانورامية لمؤتمر انابوليس../ يونس العموري

قراءة بانورامية لمؤتمر انابوليس../ يونس العموري
مرة أخرى نجد أنفسنا أمام صناعة المهرجانات الخطابية العالمية... وافتتاح المؤتمرات التي تأتي لتسهم في شرذمة الواقع العربي وازدياد حالة الإغتراب التي باتت تعايشها جماهير الأمة العربية... حيث الهرولة المجانية نحو المجهول وحيث تقديم التنازلات لمجرد عقد اجتماعات اعتقد أن الكل العربي الرسمي منه والشعبي الجماهيري يعي بالضبط حقائقه وخلفياته... الأمر الذي أضحى لا يخفى على أحد.

حيث أن مؤتمر انابوليس ما هو الا محاولة من قبل الإدارة الأمريكية لكسب نتائجه هي اولا لتغطي بالتالي عن عجزها وفشل سياساتها بالمنطقة، مما يعني أنها كانت بحاجة لطوق النجاة من خلال بوابة القضية الفلسطينية لتتمظهر بالتالي بمظهر صانعة السلام في محاولة منها لحشد التأييد العربي الرسمي حولها، وأيضا لتعزيز دور ما يسمى بالمحور العربي الإعتدالي في مواجهة ما بات يسمى بـ"المحور العربي التطرفي"، لتحقق بالتالي ما عجزت عن تحقيقه سياساتها بالسابق والتي كانت تقضي بشرخ المنطقة وتقسيمها سياسيا على أساس المحاور والأحلاف، وهذا على الأقل ما بدا واضحا من خلال جلسات مؤتمر انابوليس.

إن جل ما تسعى له الإدارة الأمريكية في هذه الظروف العصيبة والحساسة من تاريخ الأمة، إنما هو إستغلال الظروف التي تمر بها الحكومات العربية والاسلامية من خلافات وتفكك وتردد والخلافات الفلسطينية الداخلية أشد الإستغلال لتحقيق إختراق كبير وخطير لوحدة الصف العربي والإسلامي، مستفيدة بذلك من الخلافات بين القادة والزعماء وحالة الضعف والهوان والتردد السائدة في صفوف قيادات الأمة، من أجل تحسين ظروف المحتل الاسرائيلي وحماته الدوليين للخروج من حالة اليأس التي عانى منها بعد الهزائم، وصولا لإضعاف بل للقضاء على قوى المقاومة، وهو ما أكده خطاب بوش الإفتتاحي بالمؤتمر، حيث كان الحديث الأساسي له منصبا حول مواجهة ما يسميه قوى الإرهاب في المنطقة ومساندة قوى السلام... وكأنه قد قسم المنطقة وفقا لوجهة نظرة وحسب سياساته ما بين قوى إرهابية يندرج في إطارها كافة الممانعات العربية الرسمية والشعبية والمقاومة الفلسطينية والعراقية وبالتالي اللبنانية، وما بين تلك الأنظمة العربية الإعتدالية التي تريد السلام وصناعة السلام وهو بإعتقادي أخطر تقسيم من الممكن أن تلجأ إليه أمريكا بالظرف الراهن.

وخطورة هكذا تقسيم وشرذمتة هو وضع الممانعات العربية والمقاومات الشعبية والفعلية في مواجهة الأنظمة العربية وبالتالي إشغال وإغراق الساحة العربية بمواجهة من نوع جديد بهدف حرف مسار الفعل المقاوم على الأرض وممارسة الفعل وردة الفعل في الأقطار العربية، وهي الأجندة التي تسعى الإدارة الأمريكية بالظرف الراهن لخلق وقائعها في كافة الساحات العربية انسجاما مع عناوين سياساتها الخارجية الدولية، وتطبيقا لمبدأ الفوضى الخلاقة السائدة رحاها بكافة بؤر الصراع والمواقع الحساسة برسم السياسات الإقليمية بكافة انحاء العالم، وهو ما على الأقل ما تؤكده وقائع الساحة الفلسطينية والساحة اللبنانية حاليا... بمعنى أن لجوء الإدارة الأمريكية لعقد مؤتمر انابوليس إنما يهدف في تعزيز مفاهيم محور الإعتدال العربي في مواجهة الكل الشعبي والجماهيري العربي والإسلامي وقواه الحية وأطره النضالية الكفاحية الرافضة لصيغة السلام على المقاسات الإسرائيلية الأمريكية ذاتها، في محاولة من تلك الإدارة وكما اسلفنا في تمرير اهداف سياساتها وعلى رأسها إنقاذ ما يمكن انقاذه من حالة التخبط والعجز التي باتت تعايشه وتعانية سياسات إدارة بوش وتراجع تأثيرها على المستوى الإقليمي وبالتالي الدولي في ظل تنامي الدور الإيراني المتحالف الى حد ما مع قوى الممانعة العربية والإسلامية الشعبية في المنطقة وقوى المقاومة الفعلية على الأرض.

كما تهدف هذه السياسة (الأمريكية) الى انتزاع اعتراف عربي رسمي صريح بمواجهة خطر الفعل العربي الممانع والمقاوم الفعلي من خلال تعزيز جبهة الرسميات العربية في هذا المؤتمر، وبالتالي خلق وصناعة مواجهات محلية على مستوى كافة الأقطار العربية ليصبح العنوان في فعل المواجهة والإحتراب العربي الداخلي مواجهة ومكافحة الإرهاب بقيادة إدارة بوش كجزء من الحرب الأمريكية على الإرهاب على المستوى العالمي، وكل هذا بدا واضحا من خلال أطروحة بوش بخطابه خلال جلسة افتتاح انابوليس.

إن الأهداف الحقيقية المبتغاة من إنعقاد هذا المؤتمر برأيي هي إخراج اسرائيل من عزلتها الحادة التي تعاني منها بمرارة، وإعادة الهيبة الظاهرية التي خسرتها منذ إنحدارها وهزيمتها بحرب تموز العام الماضي، وإنتزاع تطبيع مجاني من جانب بعض العرب والمسلمين مع نظام الاحتلال العنصري واللاشرعي في ظل تواصل سياسات اسرائيل الإستيطانية والقمعية للشعب الفلسطيني ورفضها لتحقيق التسوية السياسية بما يتناسب والحدود الدنيا للحقوق الفلسطينية، والمتمثلة بالسيادة وحق العودة وتقرير المصير وقيام الدولة على حدود الرابع من حزيران غير منقوصة بعاصمتها القدس كل القدس غير القابلة للتجزئة او التقسيم... وهو الأمر الذي بدا من خلال كلمة أولمرت أن إسرائيل بعيدة كل البعد عن هكذا مفاهيم بصناعة التسوية السياسية على هذه الأسس، حيث أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي على حقائق إسرائيلية بدت وكأنها ثابتة وراسخة في مفاهيمه، كأن يقول مثلا إنه القادم من القدس الى انابوليس مستعرضا معاناة اسرائيل من الفلسطينين ومن (إرهابهم) قالبا كل الحقائق رأسا على عقب محاولا أن يبث المفاهيم الإسرائيلية من عملية التسوية على أسس الرؤية الإسرائيلية هذه... دولة فلسطينية على جزء من الأراضي الفلسطينية من دون القدس شاطبا حق العودة ومحملا المجتمع العربي والأنظمة العربية معاناة الشتات الفلسطيني ليخلق بالتالي اختراقا اخلاقيا لمعاناة الشتات واللجوء الفلسطيني... وكما هي العادة كان اللجوء الى الإستعراض الإنشائي الخطابي وهذا ما يؤكد احتفالية انابوليس المهرجانتية بالأساس.

اعتقد ان ثمة ملاحظة أخيرة لابد من إبرازها هنا والقاضية بأن مؤتمر انابوليس يأتي في ظل مرور القضية الفلسطينية بواحدة من أكثر محطاتها حساسية في تاريخها، حيث تواجه خطرين عظيمين هما تفاقم الخلافات الداخلية إلى درجة قد تخرج معها الأمور عن السيطرة، وتزايد حجم خطر التآمر الأجنبي بزعامة أمريكا على العالمين العربي والاسلامي والقضية المركزية على الخصوص.

التعليقات