31/10/2010 - 11:02

كسر قواعد اللعبة ... / محمود الريماوي

كسر قواعد اللعبة ... / محمود الريماوي
الأنباء التي توالت في بحر الأسبوع الماضي، عن تطوير قدرات عسكرية إيرانية ذات طابع متطور وشبه هجومي، كان من شأنها صرف الأنظار ولو لبعض الوقت، عن الملف النووي لطهران. وإذا كان الخبراء العسكريون هم الأقدر على تصنيف وتقييم هذه الأسلحة والمعدات، إلا أن الرسالة السياسية والاستراتيجية الكامنة، وراء بث هذه الأخبار من العاصمة الإيرانية غير خافية، فالجمهورية الاسلامية تسعى لتعظيم قدراتها التسليحية، كي تنتزع من بعد الاعتراف بها كقوة اقليمية في الخليج والشرق الاوسط وفي آسيا، وهذا ما طالب مسؤولون إيرانيون من الولايات المتحدة الاعتراف به صراحة، وذلك أسوة بالهند وباكستان و”اسرائيل” وهذا ما لم يتم التطرق اليه بوضوح حتى الآن.

ليست هذه التطورات وليدة الساعة، فحتى في أثناء ولايتي محمد خاتمي، فقد كانت الاستعراضات العسكرية جزءاً ثابتاً من المشهد الإيراني، وهو ما يفسر إبقاء المستوى العسكري خارج سلطة الرئيس الإصلاحي السابق، الذي لم يكن بدوره بعيداً عن هذه الطموحات القومية، ولكن مع الحرص على عدم وقف الحوار مع العالم الخارجي، خلافا لنهج الرئيس أحمدي أنجاد الذي يدعو العالم بما فيه الجيران لقبول إيران كما هي، وكما تطمح أن تكون. غير أن تنامي هذه التوجهات اقترن بصعود التيارات المتشددة في تل ابيب وواشنطن، حيث لا يخفي ممثلو هذه التيارات أن آخر ما يشغلهم، هو احترام القانون الدولي والتقيد بالشرعية الدولية.

وقد جاءت الحرب بعدئذ على العراق منذ أكثر من ثلاث سنوات، لتجعل من أمريكا وإيران جارين يتربصان ببعضهما بعضاً، رغم نقاط التفاهم الضمني على إزاحة النظام السابق في بغداد، بعد التفاهم على تقويض حكم طالبان في كابول. والبلدان هما جاران لإيران وليس للولايات المتحدة.

وبينما غاصت القوات الأمريكية في وحول العراق وبدرجة أقل في الرمال الأفغانية، فقد بدت طهران في حكم الفائز بغير خسارة تذكر، فالعراق سوف يظل جاراً تؤثر في مقدراته عبر قوى سياسية عراقية وشرائح اجتماعية عريضة، وهو ما يفسر اللجوء الأمريكي الى تقديم عرض لطهران، بالحوار في بغداد حول الشأن العراقي، بما ينطوي عليه ذلك من اعتراف بالنفوذ الإيراني المتشعب في هذا البلد.

لم يبدأ هذا الحوار بعد على الأقل بصورة علنية، غير أن مفاعيله واضحة وتتمثل في بداية اعتراف أمريكي، بأن طهران في سبيلها لأن تشكل قوة إقليمية، وأن أسلوب التخويف لا ينفع معها، كما أن طهران لا تشكو من الوقوع في أي مأزق خلافاً للوجود الأمريكي في العراق، حيث العجز عن البقاء الآمن، وعن الانسحاب الذي يعادل هزيمة وليس أقل من ذلك.

في هذه الظروف تأتي استعراضات القوة الإيرانية الأخيرة، لكي تكتمل لوحة واقع جديد، فهذا البلد ماضٍ في تطوير قدراته التقليدية وغير التقليدية، تماماً كما هو حال بلدان أخرى تمت الإشارة إليها، ويجري النظر اليها كقوى إقليمية معترف بها، لمجرد أنها تحظى برضا بل بدعم أمريكي، وبصرف النظر عما تلاحظه المعاهد الاستراتيجية من مخاطر السباق على التسلح، ومع دفع وكالة الطاقة الذرية لصرف النظر عن أية منشآت نووية غير إيرانية !.

وبذلك فإن طهران تمضي في كسر قواعد اللعبة التي رسمتها ووضعتها واشنطن، وخاصة في أعقاب حرب “عاصفة الصحراء” قبل خمسة عشر عاماً، فالانتشار الأمريكي في المنطقة ومحاولة احتواء إيران أدت الى نتائج معاكسة، إذ لم يتراجع هذا البلد عن طموحاته وعما يعتبر حقوقاً دفاعية له، بل وجد في تلك التطورات بالقرب من حدوده دافعاً لتعظيم قدراته على شتى المستويات، وتعزيز نفوذه الاقليمي، وخاصة في ضوء السياسات الأمريكية العمياء لتسييد دولة الاحتلال “الاسرائيلي” على المنطقة، وإغلاق الأبواب أمام كل حلول سياسية، وهو ما أدى لصعود حركة حماس واستمرار مقاومة حزب الله في لبنان، وكقوى لا تخفي تحالفها مع طهران، بل تعتبره تحصيل حاصل، في وجه استفحال التحالف بين واشنطن وتل أبيب، الذي يفوق بكثير مستوى العلاقات القائمة بين مكونات حلف الأطلسي.

غير أنه يبقى بعدئذ وفي غياب الحلول السياسية للعراق وفلسطين، أن السباق المحموم على التسلح الذي بات على وشك أن يشمل أسلحة غير تقليدية، سوف يضع المنطقة في توترات لا حد لها، في ظل التنازع بل الصراع الأيديولوجي، الذي لا يفسح حيزاً لحلول متفاوض عليها باستثناء حلول موضعية مؤقتة، وحيث يجري تسويغ التشدد هنا بما يماثله ويزيد عنه هناك، بما يجعل الوضع أسوأ عما كات عليه أيام الحرب الباردة، فثمة بؤر ساخنة تؤشر على مزيد من الانفجارات، رغم كل الكلام المعسول عن السعي لتأمين الاستقرار في المنطقة، فقد فتحت واشنطن وتل أبيب باب التسلح والمواجهة والاستهانة بالآخرين، وعليهما وحدهما تقع مسؤولية إغلاقه، عبر حلول سياسية جدية تضع حداً لنهج التوسع والهيمنة.

التعليقات