31/10/2010 - 11:02

لأنه على قيد الحياة../ فادي العلي*

لأنه على قيد الحياة../ فادي العلي*
لم تُكتب هذه الكلمات لتُفصح عن رأيٍ حول ما يحدث على التراب الفلسطيني، كما لا تستطيع هذه المفردات أن تدخل في أزمة المؤتمرات الصحفية بين زعماء عشائر الضفة وغزة..
فمفردات اليوم تجد نفسها مُستفزة وحانقة، فهذا من حقها، في ظل جنون البنادق والأقلام، واللذين ينتشران كالهواء.

لن أطيل، لذا سوف أداهم السطور على وجه السرعة، فقد قرأت منذ أيام قليلة مقالاً يتناول بسطوره مواقف إحدى فصائل العمل الوطني الفلسطيني، واستناداً إلى كل الحقوق والشرائع السماوية والأرضية، لا يملك أحداً الحق بأن ينتزع من كاتب هذا المقال حقه في إبداء الرأي أو الإختلاف مع شخصٍ ما، أو مع نهج أي مجموعة كانت، لكن ما أثار شهية القلم على الحركة هو ما تناوله ضمن سياق مقاله وبمفردات قليلة ومحدودة لفكر قيادي بارز في أطر هذا التنظيم، فترك لقلمه الحرية في تصنيف مواقف هذا الرجل السياسية ووضعها على سكة مشروع ونهج التسوية على الساحة الفلسطينية..

فالبرغم من حق كاتبنا العزيز من إبداء الرأي تجاه من يريد وحول أي قضية ينتقيها، لكن ما ليس من حقه بأن يتناسى جملة من الحقائق ترتبط بمن قام كاتبنا بتصنيفه وإلصاقه بأوسلو عنوةً، وأباح لنفسه بأن يتجاهل بديهيةً مهنية تُملي على الكاتب من باب الصدقية والموضوعية المهنية بأن يقدم لقارئه ولو بشكل خاطف شهادة صغيرة تذكر أن لهذا الرجل سيرة نضالية تستحق القراءة قبل أن يمارس حقه النقدي لمواقفه، لو فعل كاتبنا هذا، لكان نأى بقلمه عن تهمة الابتعاد عن النقد الموضوعي والإنتماء إلى مدرسة التهجم والإتهام الأعمى..

فبمفردات قليلة جارحة، وبتلميحات سياسية ليست ببريئة، أغفل كاتبنا خمس سنوات أمضاها عبد الرحيم ملوح في الأسر، متعامياً عن دور هذا القائد النضالي والوحدوي في صفوف الأسرى، وعن دوره في صياغة وثيقتهم التي يتغنى بها الكثيرون الآن، ويطالبون بالعودة لبنودها كبداية لتلمس خارطة طريق فلسطينية للخروج من هذا المستنقع..

لذا كان من الأجدر بكاتبنا بأن يقدم لقارئه قدراً أكبر من الإحترام قبل أن يهم بكتابة مفرداته، وبأن لا يقدم صورة مغايرة تتناقض مع التاريخ والواقع وتتجاهل بأن رجالاً من طراز عبد الرحيم ملوح قضوا سنوات طويلة في مواجهة الموت والحصار من عمان إلى بيروت ووصولا إلى الإعتقال في رام الله، ليخرج من أسره منادياً بأن لا ننسى أسرانا.. هؤلاء الرجال يا سيدي لن يسمح لهم تاريخهم وواقعهم النضاليين بأن يتنازلوا عن ثوابت قدموا لأجلها الكثير من تضحيات وآلام شخصية وعامة ،شعروا بلوعة عذابها هم بالمقام الأول..

ولابد من الإشارة، بأن مكانة القائد لا تعني لا تشكل حصانة تحميه من نقدٍ أو خلاف في الرأي معه، لكن ماهو غير مقبول أخلاقياً بأن يتم شطب تاريخ وتضحيات مناضل ما بجرة قلم واختزاله كحالة بمفردات حادة، والقيام بإصدار الأحكام الوطنية وتصنيف المناضلين ووضعهم بالقوالب السياسية حسب أهوائنا، فبموجب هذا النهج يتم الإستخفاف بتضحيات الآخرين وبعقول القراء معا..

قد تكون خطيئة عبد الرحيم ملوح بأنه يمتلك القدرة على قراءة الواقع بهدوء وحكمة، بعيداً عن الانفعالية والعزف على أوتار العواطف، وقد تكون خطيئته بأنه لا يقرأ الجدران.. بل يقرأ ماهو خلفها.

قد يكون ذنبه بأنه ليس شهيداً، فقد أصبحت صواريخ الإحتلال ورصاصات جنوده هي الجهة الوحيدة المخولة بإعطائنا شهادة البراءة من نهج التسوية، ومن بقي منا على قيد الحياة.. يبقى قابلاً للطعن بمواقفه، بل وأحياناً بوطنيته، ولإثبات العكس عليك أن تموت شهيداً..

وعليه، ولأني لا أطيق الانتظار، وأؤمن كما يؤمن الكثير بمبدأ وجوب إنصاف من يستحقون وهم أحياءً، وأن لا ننتظر موتهم لكي نقف رتلاً واحداً نردد وعلى نغمة متناسقة.. مزايا ومناقب الشهيد، لتصبح حدود قبورهم بعد سنوات.. مرتعاً لأعشاب لا تجد يداً تقتلعها.

لذا.. أجد نفسي وبدافعٍ أخلاقي ملزماً بتقديم شهادةً متواضعة في نضالك، أجد أن من واجبي يا عبد الرحيم ملوح بأن أعبر لك عن تقديري لنضالك وصمودك على مدار هذه السنوات الطويلة.. من حقك علينا بأن نقدر احتمالك لهذا الدرب والذي تحمل فيه أنت ومن على دربك هموم قضيتنا بكل تفاصيلها الدامية، أحببت أن أخبرك عن مدى احترامي لقدرتك على الإستمرار بنضالك دون أن تصاب بتعبٍ.. وأقول لك بأنني أحاول أن أدرك مدى العذاب الذي شعرت به، ويعيش بطياته حتى هذه اللحظة آلاف الأسرى، عذاب حجز الحرية والبقاء خلف القضبان.. وفي أقبية التعذيب، واسمح لي بأن أقدم لك اعترافاً صغيراً.. فأنا وكثيرون مثلي كنا حين وجودك مع آلاف المناضلين في معتقلاتكم، نلاعب أطفالنا، ونمارس حريتنا، ونثرثر في مجالسنا عن معاناتكم لنعود بعدها إلى نومنا العميق... كنت أعلم بأمرٍ واحدا عنك، بأنهم اعتقلوك وعذبوك وحاكموا حريتك، لإنك لم تبتعد عن الخطوط الأمامية.. عن خطوط النار..

ولأن فلسطين فقدت الكثير من أولادها، ولإننا نفتقد في لحظات مرة كهذه لرعيل من المناضلين كان يجمعنا، لذا علينا أن نحافظ على من بقي منهم، وأن نهجر زواجنا مع ثقافة الاتهام والتشويه، أن نحاول يوماً أن ننصف شهداؤنا.. قبل أن يرحلوا.

التعليقات