31/10/2010 - 11:02

لا تخافوا.. إنه مجرد مزاح../ خليل شاهين

لا تخافوا.. إنه مجرد مزاح../ خليل شاهين
تخيلوا.. أن تعلن حركة حماس استعدادها الفوري لتسليم مقار الأجهزة والمؤسسات المدنية إلى الرئاسة، مع تقديم اعتذار للشعب الفلسطيني على حسمها الأوضاع لصالحها في قطاع غزة بقوة السلاح.

فقط، تخيلوا، ولو على سبيل المزاح، أن تقدم "حماس" على تلبية هذين الشرطين لتمهيد الطريق أمام عودة الحوار الفلسطيني الداخلي.

ماذا سيحدث في اليوم التالي؟

سيتنفس الفلسطينيون الصعداء. وربما ينطلق بعضهم إلى الشوارع فرحا بنزول حركة حماس عند رغبة الرئيس محمود عباس وحركة فتح بعودة الأوضاع إلى ما كانت عليه في قطاع غزة قبل 14 حزيران الماضي، والاعتذار من الشعب الفلسطيني، من أجل العودة إلى طاولة الحوار. سيهتف الكثيرون لوحدة الضفة الغربية وقطاع غزة، وتهيمن أغلبية ساحقة تطالب بتشكيل حكومة وحدة وطنية على نتائج استطلاعات الرأي.

مهلا! سيحدث ذلك على المستوى الشعبي، لكن هذا السيناريو أسوأ كابوس يخشاه البعض، ممن لا يستطيعون ولا يريدون أن يتخيلوا ما سيقع في اليوم التالي لخطوة كهذه تقدم عليها "حماس".

إن بادرت "حماس" إلى ذلك، فالمنطقي أن يعتبر الرئيس وحكومة سلام فياض وحركة فتح وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية هذه المبادرة "خطوة في الاتجاه الصحيح"، تنبع من الحرص على "المصلحة الوطنية العليا" وتغلبها على المصالح الفئوية، وتفتح الطريق أمام العودة لحوار داخلي قادر على توحيد الفلسطينيين سياسيا وجغرافيا.

لكن مثل هذه المبادرة ستكون الكابوس بعينه بالنسبة للبعض، ممن لا يريدون أصلا العودة إلى حوار مع "حماس" قد يفضي إلى نتائج "لا تحمد عقباها"، ليس أقلها ما يلي:

• ستعلن إسرائيل أن عودة الرئيس عباس لمحاورة "الإرهابيين" تضع نهاية لدوره كشريك في "عملية السلام"، وستوقف كافة الاتصالات السياسية معه، خصوصا اللقاءات الثنائية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، وتعلق كافة إجراءات "حسن النية". وستعود لاحتجاز الأموال التي تجبيها لصالح السلطة، وتهدد بالتعامل مع السلطة الفلسطينية بوصفها "كيانا معاديا"، وتطالب العالم بفرض حصار سياسي واقتصادي ومالي على جميع الفلسطينيين في الضفة والقطاع.

• ستعلن الولايات المتحدة معارضتها لأي حوار يفضي إلى تشكيل حكومة فلسطينية موحدة لا تلبي اشتراطات اللجنة الرباعية في الاعتراف بإسرائيل ونبذ "العنف" والالتزام بكافة الاتفاقيات الموقعة بين الفلسطينيين وإسرائيل. وفي ضوء ذلك، ستعلق واشنطن المساعدات الاقتصادية والأمنية وتهدد الدول والبنوك التي يمكن أن تحول أمولا مباشرة إلى الحكومة التي ستشكل كنتيجة للحوار. كما ستعلق مهمة موظفها في "الرباعية" توني بلير بشأن مساعدة الفلسطينيين على بناء مؤسساتهم!


• سيتم وقف كافة الجهود المبذولة لعقد "الاجتماع الإقليمي" الذي دعا إليه الرئيس الأميركي جورج بوش في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، في ضوء توقف المسار السياسي الفلسطيني – الإسرائيلي، وانهيار محاولات التوصل إلى "وثيقة مبادئ" قبل انعقاد هذا الاجتماع.

• ستهدد إسرائيل والولايات المتحدة بمقاطعة كل من يوافق من الفصائل والمستقلين على المشاركة في أية حكومة فلسطينية تشارك فيها "حماس"، بما في ذلك "المعتدلون" من أصدقاء واشنطن اليوم في حكومة فياض.


• سيعلن الاتحاد الأوروبي التزامه بشروط اللجنة الرباعية للعلاقة مع أية حكومة فلسطينية، وسيلتزم بفرض الحصار على الشعب الفلسطيني، ربما مع استثناء الرئاسة من المقاطعة.

• ستعود رواتب موظفي القطاع العام والأجهزة الأمنية والعسكرية للانقطاع مع إغلاق صنبور المساعدات المالية المتدفقة حاليا على حكومة فياض. ولن يجد المعلمون مع بداية العام الدراسي وموظفو القطاع العام من سبيل أمامهم سوى التلويح بالعودة مجددا للإضراب عن العمل.

في المقابل، ستكون هناك إيجابيات لا داعي لتفصيلها، ليس أقلها استعادة وحدة الشعب الفلسطيني، ذلك أن النتائج المذكورة هي مفتاح تفسير عدم رغبة البعض في تخيل مبادرة من "حماس" تنزع ورقة المبررات التي تساق لرفض الحوار الداخلي، لاسيما أن الرئاسة وحكومة فياض تدركان أن ثمن الوحدة الوطنية الفلسطينية سيكون وقف مسار سياسي تسعيان لاختبار آفاقه حتى نهاية الشوط، وكذلك وقف الأموال التي تتدفق على حكومة فياض طالما تمسكت بموقف يجهض آفاق الحوار الداخلي.

أما حركة حماس، فلا يبدو أنها ترى في بعض النتائج المذكورة بعدا إيجابيا، لاسيما من حيث وقف مسار سياسي يهدد بإعادة إنتاج أوسلو، ولذلك تصر في المقابل على عدم طرح مبادرة قد تعيد قلب الطاولة، من خلال تهيئة أجواء مناسبة لتوليد آليات ضغط داخلي على أولئك الذين يرفضون الحوار ويمضون في سبيل يقايض وحدة الوطن بمسار سياسي لن يصل بالفلسطينيين إلى حقوقهم الوطنية.

صحيح أن أحدا لا يرغب أصلا بعودة الأوضاع إلى ما كانت عليه في قطاع غزة، ولكن هيمنة "حماس" على القطاع لا تعيد سوى إنتاج نموذج الهيمنة السابق، وهو نموذج غير ديمقراطي لا أحد يرغب به أيضا، فيما تسهم الإجراءات المتتالية من حكومة إسماعيل هنية على صعيد إعادة هيكلة المؤسسات الأمنية والمدنية في تكريس حالة الانقسام السياسي والجغرافي، تماما كما تفعل في المقابل الإجراءات المتخذة من الرئاسة وحكومة فياض.

وصحيح أيضا، أن الرهان على خطوة باتجاه الحوار من قبل الرئاسة وحركة فتح يبدو رهانا خاسرا، لاسيما أن شرطي عودة الأمور في القطاع إلى ما كانت عليه واعتذار "حماس" للشعب الفلسطيني إنما يخفيان موقفا يعتبر عودة الحوار كابوسا لا بد من تجنبه خلال الأشهر المقبلة على الأقل، إلى الحد الذي يدفع للقول أن موافقة "حماس" على هذين الشرطين لن تكون كافية، بل يمكن التندر بالقول أن ذهاب "حماس" اليوم إلى حد اقتراح مشاركة "فتح" حتى بثلث عضوية المكتب السياسي لحركة حماس لن تكون كافية لإقناع اللاهثين وراء سراب المسار السياسي بالعودة إلى حوار جدي!

ومع ذلك، فإن الرهان يبقى على إقدام "حماس" على مبادرة تسحب البساط من تحت أقدام أصحاب هذين الشرطين، وتؤكد ما تكرره من حرص على العودة للحوار وتغليب مصلحة الوطن ووحدته على أية مصالح فئوية أخرى. فمثل هذه المبادرة سيعيد إلقاء الكرة في ملعب الرئاسة ويسلط الضوء على مسؤوليتها الأولى حيال استعادة وحدة الشعب الفلسطيني، كما أنها ستولد آليات ضغط من الفصائل، بما في ذلك من داخل "فتح"، والمنظمات الأهلية، والجمهور، تطالب الرئاسة وحكومة فياض بالرد إيجابا على مبادرة "حماس" أو كشف حقيقة موقفها الرافض للحوار ووحدة الفلسطينيين في هذه المرحلة.

"حماس" مطالبة بمبادرة تنهي الوضع القائم تحت هيمنتها في قطاع غزة، وتلقي الكرة في الملعب المقابل، وقد طرحت عدة فصائل وطنية، كالجبهتين الشعبية والديمقراطية وحزب الشعب والمبادرة الوطنية، عناصر للحل كان يمكن أن تلتقطها حركة حماس لطرح مبادرة للحوار والخروج من حالة الاستعصاء الراهنة، بحيث يكون سوق المبررات لرفضها أمرا غير مقبول على المستوى الشعبي.

تخيلوا لو تفعل "حماس" ذلك.. أي كابوس يمكن أن يواجهه المراهنون على المسار السياسي واجتماع نوفمبر الإقليمي، وأي مبررات سيعكفون على فبركتها للتنصل من مسؤوليتهم عن رفض الحوار إعادة الوحدة السياسية والجغرافية للجسم للفلسطيني؟!

لو يتخيل هؤلاء فقط، أن يحدث مثل هذا الكابوس.. لكن لا تجزعوا، فحركة حماس الغارقة في "نعيم" حكمها لقطاع غزة المحاصر، لا تزال بعيدة عن طرح مبادرة تقلب الطاولة قبل شهرين على موعد اجتماع نوفمبر.

آه، لو تفعلها "حماس"، لكن لا تخافوا، إنه مجرد مزاح!

التعليقات