31/10/2010 - 11:02

لقاءات عباس "أولمرت" وملف الأسرى الفلسطينيين../ راسم عبيدات*

لقاءات عباس
منذ مؤتمر أنابوليس وحتى اليوم، عقد عشرون لقاءاً بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت. وحتى اللحظة يجري الحديث على أنه لا اختراقات جدية في أي من الملفات الجوهرية، وفيما يتعلق بقضية الأسرى، فالطرف الفلسطيني يقول إن الرئيس يبذل قصارى جهده من أجل تأمين الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين.

وهذا الملف هام ولكونه لا يرتقي إلى مستوى الملفات الأخرى، من استيطان ولاجئين وأرض وحدود وغيرها، ولكون هذا الملف يمس كل بيت فلسطيني، فإن إغلاقه يشكل اختبارا جديا على مدى رغبة الإسرائيليين وجديتهم في السلام، ومن هذا الملف يجب أن نبدأ، رغم قناعتي بأن"إللي بيجرب المجرب عقله مخرب"، ولكن لا بأس، وأيضاً كما يقول المأثور الشعبي "لاحق العيار لباب الدار"،.

وعلى دعاة نهج التفاوض من أجل التفاوض العرب والفلسطينيين، وأصحاب نظريات الواقعية والعقلانية، أن يقنعونا بالحجة والدليل والمنطق بصحة وصوابية وجهة نظرهم، أما إذا فشلوا في ذلك، فنحن لا نريد منهم إلا أن يعلنوا فشل خياراتهم، ولا يطلبوا عشرين عاماً أخرى لكي يقنعونا أن "الضبع غزال"، فالتحليل العلمي المستند للواقع وتصريحات كل القادة الإسرائيليين من أقصى يمينهم إلى أقصى يسار يسارهم، إن وجد يسار، يعارضون إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين، ليس ضمن ما يسمى سياسة حسن النوايا فقط، بل وحتى ضمن صفقة تبادل، على اعتبار أن جنودهم "رسل سلام ومحبة" ولهم أسر وعائلات، وهم "أطهر من حمام مكة"، وليست "أيديهم وأيدي قادتهم ملطخة بالدم في الفلسطيني، بل وموغلة فيه حتى أخمص القدم"، في حين أن أسرانا، المناضلين من أجل الحرية، حسب سياسة الاستقواء والبلطجة الإسرائيلية والأمريكية والعهر الدولي، هم "قتلة وإرهابيون"، فالتطبيل والتزمير اليومي، من أن حكومة "أولمرت" ومعها أمريكيا وأوروبا الغربية، تعمل على دعم دول الاعتدال العربية والسلطة الفلسطينية، يفتقر إلى الدلائل والترجمات على أرض الواقع فالحكومة الإسرائيلية، بعد طول انتظار، ومسلسل فحص ملفات الأسرى الفلسطينيين، أمنياً وسياسياً، واعتراض وزراء وأعضاء كنيست وأهالي إسرائيليين، أطلقت إسرائيل سراح دفعتين من الأسرى الفلسطينيين، لم يتجاوز عددها ستمائة أسير، أغلبهم محكومياتهم شارفت على الانتهاء، وفي الفترات التي جرى فيها الإفراج عنهم، اعتقل ما يوازيهم أو أكثر.

وما نريده هنا، من الرئيس أبو مازن معالجة جادة وحقيقية لهذا الملف، بحيث يخصص لقاء أو أكثر من أجل هذا الملف، يتم فيه اختبار صدقية وحسن النوايا الإسرائيلية عملياً، حيث أن هناك أكثر من 350 أسيرا فلسطينيا من المعتقلين قبل أوسلو، يجب أن يكون هناك قبل أي حديث عن مفاوضات أو تقدم فيها، تحديد فترة زمنية قصيرة جداً لإطلاق سراحهم، حيث أن 81 أسيرا منهم أمضوا أكثر من 20 عاماً، وأمضى 237 أسيرا 15 عاماً فما فوق.

وإذا كانت إسرائيل لا تريد إطلاق سراحهم، من خلال المفاوضات أو حتى من خلال صفقة تبادل، حيث أن الجهاز السياسي الإسرائيلي يتحدث بشكل واضح أنه من غير الممكن إتمام صفقة الجندي الإسرائيلي المأسور"شاليط"، نظراً للثمن الباهظ المتوقع دفعه في هذه الصفقة، أي بشكل واضح عدم إطلاق سراح أسرى فلسطينيين، من ذوي الأحكام العالية، والذين لديهم مشاركة مباشرة في قتل إسرائيليين، وببساطة جداً الكلام واضح، هذا الملف خاضع للابتزاز السياسي، ومقابل إطلاق سراح هؤلاء الأسرى، على الجانب الفلسطيني أن يقدم تنازلات في قضايا جوهرية أخرى، أو قبول الاشتراطات الإسرائيلية لإطلاق سراحهم، فعدا عن توقيعهم على تعهد بعدم العودة للنضال، أو ما يعرف في العرف الإسرائيلي بالعودة "للإرهاب"، فقد يصر الجانب الإسرائيلي على نفي من يرغب في إطلاق سراحه من الأسرى الفلسطينيين، إلى خارج فلسطين أو إلى قطاع غزة لفترة زمنية لا تقل عن ثلاث سنوات.

إذا كان هذا الملف والذي لا يرتقي إلى مستوى الملفات الأخرى، من قدس ولاجئين...الخ، لا يريد الطرف الإسرائيلي، أن يقدم فيه تنازلات جدية، تثبت حسن نواياه، فهل متوقع أن يقدم لنا تنازلات في القضايا الجوهرية، في إطار سياسة التفاوض من أجل التفاوض؟، والتي من مؤتمر مدريد وحتى اللحظة الراهنة، لم تحقق أية إنجازات تذكر للشعب الفلسطيني، بل على العكس من ذلك عمقت من حالة الانقسام والشرذمة في صفوفه عمودياً وأفقياً، وأخرت قضيته ومشروعه الوطني سنوات طويلة. ونحن قد خبرنا السياسة الإسرائيلية جيداً، والتي تتضمن مفاوضة الفلسطينيين عشرات السنين شريطة عدم تقديم أية تنازلات لهم، مقابل تحقيق الأهداف الإسرائيلية، مثل الإسراع في تهويد القدس وأسرلتها، استكمال بناء جدار العزل والفصل العنصري، وتكثيف الاستيطان في الضفة الغربية، والتمهيد لعملية" ترانسفير" جديدة بحق فلسطيني الداخل، فلسطيني عام 48، تحت يافطة وشعار يهودية الدولة.

ولعل السياسات الإسرائيلية الأخيرة، من محاولات فرض الخدمة المدنية على فلسطيني 1948، وإظهار ولائهم للدولة وإدانة النضال الوطني الفلسطيني، خطوات تندرج في هذا السياق والإطار، وقد تشهد تسارع وتطور في الأشهر القليلة القادمة.

إزاء ذلك كله، وبما أننا ندور في حلقة مفرغة، لقاءات في الإطار الشكلي والإعلامي، ومفاوضات عبثية لم يقتنع بجديتها طفل فلسطيني رضيع، ولم تنجح في إزالة حاجز عسكري إسرائيلي واحد، بل على العكس من ذلك فهي في زيادة مستمرة، ومترافقة مع حالة من قمع والتصعيد العسكري الإسرائيلي غير المسبوق. فلماذا يصر البعض في الساحتين العربية والفلسطينية على السير في هذا الخيار؟ لا أحد يرفض السلام أو التفاوض المسقوف بجداول زمنية والمرجعيات الواضحة والمحددة والمستندة لمقررات الشرعية الدولية، ولكن ما ترفضه الشعوب هو أن البعض تحت يافطة الواقعية والعقلانية، يريد أن يبرهن لنا على أن هذا النهج مجد ويؤدي إلى تحقيق الهدف، رغم أن الواقع وما تمارسه عليه إسرائيل من وقائع وحقائق، تكرس وتطيل أمد الاحتلال، تصم آذان حتى المصابين بالصمم، فهل يريدون أن يقنعونا أن الأمور على غرار ما يقوله المأثور الشعبي"عنزة ولو طارت"، فهم جميعاً يدركون، أن ما ترفعه أمريكا من شعارات إقامة الدولة الفلسطينية القابلة للحياة وغيرها، فقط يجري في إطار ما تعده أمريكيا وإسرائيل من مواسم للذبح العربي والإسلامي، حيث يتطلب هذا الموسم حشد الموقف والدعم والمساندة العربية والإسلامية، للمشاركة في هذا الموسم، ومن ثم يجري التنكر للشعار وفرض المزيد من الشروط الإذلالية على الأمتين العربية والإسلامية، وبالتالي لتتوقف هذه اللقاءات والمفاوضات العبثية، التي يستغلها الاحتلال للتغطية على جرائمه وممارساته.

التعليقات