31/10/2010 - 11:02

لو أن 26 فلسطينيا فعلوها!../ ناصر السهلي*

لو أن 26 فلسطينيا فعلوها!../ ناصر السهلي*
في مطار هيثرو بلندن، وبعد أن فُتشت حقائبي اليدوية مرات ومرات وقُلب بجواز سفري أكثر من مرة، سألني رجل الأمن عن مصدر الولاعة التي أضعها في حقيبتي.. رفضت الإجابة لأنني اعتبرت ذلك تدخلا فظا لا علاقة له بالمصدر.. ليس لأن الأمر تعلق بولاعة احتفظت بها لسنوات من دمشق، إنما لأنه تدخل أيضا بما ابتعته من زجاجة عطر مختومة بذات المطار.. وقبل أن أصرخ بوجهه وجدت ولاعتي ترمى في القمامة وتبعها زجاجة العطر.. قلت ما في جوفي.. وببرودة الإنكليزي وجدته، أمام المسافرين الآخرين، يضعني ضمن دائرة الشك.. أخرجت المزيد من جوفي.. وأتممت إلى بوابة الخروج للصعود إلى الطائرة وأنا أفكر بما لاقيته في المنافذ والمطارات العربية..

عادت بي الذاكرة إلى سنوات خلت.. طوابير السائحين الغربيين تنساب مع ابتسامات يوزعها رجال الأمن العرب، الذين تخيلتهم بعد ربع قرن من الهجرة وقد أصبحوا أقل اشتباها بأبناء العروبة.. وما أن وصل دوري حتى أُخرجت من طابور السائحين.. فأنا عربي.. وهذا وتلك يحملون أسماء أخرى..

كنت أنظر إلى هؤلاء المتجولين في مطار هيثرو وأسأل نفسي ( قبل اغتيال المبحوح بأيام عشر): ترى هل يوقفهم الأمن العربي لساعات محشورين في زاوية من زوايا صالات الوصول للتحقق من أشياء لا يعرفونها مثلما لا يعرفها العربي المتنقل بين عاصمة عربية وأخرى بعد أن يبتسم له حظه للحصول على فيزا؟

هؤلاء، من أمثال القتلة، وبدون أدنى شك لا يُسألون حين يدخلون بلدانا عربية عن مكان الولادة واسم الأم والجد الثالث وعدد الأخوة والأخوات وأماكن إقامتهم وطبيعة عملهم في بلدانهم وأرقام هواتفهم وسبب مجيئهم إلى بلدانـ"نا" العربية.. هؤلاء، وإن كان بعضنا يحمل نفس جواز السفر الغربي، لا يكون لهم وقفة طويلة أمام رجل الأمن العربي وهو يدقق بجواز السفر، ويمقتك بنظرة فيها الكثير من التشكك وقراءة دماغك.. والقليل من الترحيب..

بقيت لأيام أراقب ما يصدر عن شرطة دبي، وتكشف المزيد والمزيد من قتلة المبحوح التابعين للموساد.. وشاهدت وسمعت وصف غالب قنديل لـ "قصيدة غزل" أطلقها نبيل شرف الدين ( رجل أمن صار كاتبا متخصصا في التفاصيل إلا هذه اللعنة التي تطارد العربي إن فكر بمطارات العرب والغرب)... قرأت الكثير وتمعنت بصور القتلة.. وعادت بي الذاكرة إلى منافذ العرب المفتوحة بكرم طائي لا يوصف.. إلا مع العربي..

في ديسمبر 2009 تُصدر الولايات المتحدة، وبالطبع يتبعها التابعون في أوروبا، قائمة بدول، من بينها عربية، يُشدد فيها التعامل الأمني مع هؤلاء من العرب الذين يدفعون بسخاء للسياحة أو الاستثمار والتجارة.. وأشياء أخرى.. يحتج البعض.. لكن الماسحات ستعري هؤلاء وسيكونون تحت مراقبة لصيقة في مقاعدهم وحتى حين استخدام مرحاض الطائرة.. وسيمر الأمر وكأن شيئا لم يكن..

ما هو الفرق في المطار العربي بين بيتر إيليفنجر وجايل فوليارد (وكل المجموعة الإرهابية من القتلة ) من جهة وأحمد العربي وفاطمة عبد الله من جهة أخرى؟

الاسم بيتر وجايل والبقية يحملون جوازات سفر غربية.. يأتون ليلة واحدة ليستمتعوا بسحر الشرق.. الاسم أحمد وفاطمة يحملون أيضا جوازات غربية.. يأتون إلي بلاد العرب مشبوهون إما "بخلية نائمة" أو بتخريب سمعة بلادنا الطاهرة!.. ثمة فرق بسيط آخر.. أحمد وفاطمة لا يسلمون جوازات سفرهم لكائن من كان لأنهم يحبون انتماءاتهم وجذورهم ولا يسمحان لشلومو أن يصير أحمد في بلاد يحبونها.. بينما بيتر والعشرات من أمثاله يكيدون ويتبرعون بجنسيتهم الأوروبية للموساد.. يأتي هؤلاء من أي مطار غربي.. لا شبهة ولا سؤال عما إذا كان شلومو وآفي طارا من تل أبيب ثم من زيورخ وفرانكفورت ليمارسوا طقس القتل والتفجير!

" Welcome Sir".. جملة ترددت على مسامعي لمن هو أمامي في الطابور من الذين لا يحملون أسماء عربية في مطارات عربية.. وفي أحد منافذ الحدود العربية كان لابد من بصمة عين وإبهام... قبل أن يخرج لي رجل الأمن مظروفا بمراجعة الأمن في وادي السير.. يا لسخافة التهمة.. مقال منشور في 2003 تمت مراجعتي عليه بعد سنوات أربع...

برافو دبي.. قرأت لأحدهم.. لكنني سمعت أيضا السيد ضاحي خلفان يقول " نضع جبالا من الإجراءات" لدخول البلاد.. قاصدا العرب والفلسطينيين منهم.. وبذات الوقت أقول بدوري، تستحق دبي كل الثناء والتقدير وتستحق أن تُعطي دروسا لأجهزة أمن المدن والمطارات العربية.. لكنها بالتأكيد تحتاج للتفكير مليا بإزاحة جبال الإجراءات وتصويبها..

26 قاتلا.. لقتل فلسطيني.. ولو لم تُكتشف الصور لبقينا على الرواية الأسطورية التي تغنت بها الصحافة العبرية: امرأة أوقعت بالمبحوح!.. تشويه وتحقير للعقل.. ثم وبكل صفاقة يقولون الآن.. لا دليل على أن الموساد هو من فعلها!.. الآن لنلاحظ هذا الغباء المستفحل في تحويل الأنظار نحو العميل الفلسطيني.. كل الأسئلة ليس عن الجريمة و" شجاعة" 26 قاتلا (إذا لم يكن أكثر) لاصطياد شخص واحد!.. خيرا فعلت دبي، أن فضحت أكثر من نصف وحدة "كيدون".. وخيرا فعلت حين لم تستجب لكل الوساطة التي حاولت التخفيف من الأمر وحين لم تستجب لإطلاق العملاء من الفلسطينيين..

لنتخيل..
26 فلسطينيا.. يدخلون بطريقة ما عاصمة عربية.. لتصفية رأس من الرؤوس التي لم تقتل فقط أسيرا بل أعدمت ميدانيا مئات من الفلسطينيين ومثلت بجثثهم ، ومن يرغب فليراجع أرشيف "احترام الأسرى".. ولنتذكر قليلا غسان كنفاني مثلا.. وكمال عدوان وكمال ناصر وأبو يوسف النجار.. وخليل الوزير وخالد نزال.. وفتحي الشقاقي وعماد مغنية إلخ.. لنتذكر على الأقل شهر ديسمبر 2009 في مدينة نابلس.. ولنتخيل الشاب الفلسطيني بالقرب من الخليل حين أظهر هؤلاء دمويتهم بدهسه مرارا بنية القتل.. لا قانون سوى الدم.. هكذا هي التربية وهذه هي ثقافة السياسية التي ترى في الجيد ميتا..

ترى ماذا كان سيصف العرب الرسميون قبل الغربيين هذا الفعل المتخيل؟.. بالتأكيد سينددون بالجريمة الإرهابية النكراء من أناس "متعطشين للدماء"... ربما أظهر لنا رجال الاستخبارات العرب فرمانا، أمريكي البطانة وصهيوني التوجه، باعتبار أي إنسان من أصول فلسطينية مشبوها ولتتم ملاحقة كل الجاليات!..

المدهش حقا أن رئيس لجنة الشؤون الخارجية في الكنيست يدعو علانية إلى "تصفية" إسماعيل هنية!.. الدعوة للقتل والدموية وتهديد سمير القنطار والتوعد دون حرمة لقانون أو حدود لا تثير حنق هذه السياسة الدولية التي تنافق بما يجعل من جوازات السفر سوى ممسحة، وعلم بان كي مون بعملية القتل يشكل غطاءا سخيفا يكشف عورة ما تبقى لهذه المنظمة التي تنشغل بكل نقطة دم إسرائيلية وتقبل تعويضا على حرق مواد إغاثتها بغزة بالفسفور الأبيض دون أن تعير انتباها لإرهاب الدولة المنظم..

ماذا لو فعلها برلماني عربي؟ ماذا لو دعا إلى قتل نتنياهو؟.. لا أظنه يفعلها، لأنه لا "كيدون" عند الاستخبارات العربية إلا فيما يتعلق بالبعض العربي خدمة لحرب أميركا على الإرهاب!
في الكيبوتسات الصهيونية يعتبرون القتلة " أبطالا".. وعند السياسة الرسمية العربية المعتدلة وكتابها من ضباط الأمن يُعتبر أي فعل فلسطيني يغرد خارج سرب الانبطاح فعلا "شنيعا خارجا عن الدين وسماحته" ويستحق أصحابه أن ينعتوا بـ" الإرهابيين"!

لو أن 26 فلسطينيا فعلوها.. لكنا سمعنا شيئا عن ذكورية اللغة ورأينا أهوالا من أفاعيل الأشاوس!


التعليقات