31/10/2010 - 11:02

لو كنت زعيماً عربياً!../ محمود المبارك*

لو كنت زعيماً عربياً!../ محمود المبارك*
من لطيف ما ينسجه خيال بعض الكوميديين العرب، طرفة تروي أن الرئيس الأميركي بوش زار زعيماً عربياً في بلده، وحيث لم يعجبه وضع الحريات في ذلك البلد العربي، بدأ الرئيس الأميركي يلقن مضيفه دروساً في الديموقراطية، شملت أهمية وجود انتخابات حرة ونزيهة، وترك مجال واسع للصحافة الحرة، ثم استطرد الرئيس الأميركي عن الحريات فقال: إن بإمكان أي فرد من أفراد شعبي أن يشتمني في أي وقت لأن ذلك حق له. حينها نظر الزعيم العربي إليه نظرة ازدراء وقال: نحن أيضاً في بلدنا نتمتع بمثل ديموقراطيتكم، فكل شعبي يشتمك في كل يوم!

ربما حملت هذه الطرفة دلالات مناسبة لفهم كل من العقليتين الأميركية والعربية. الأولى في عدم فهم سوى ما تريد فهمه، والأخرى في عدم قبول النظر الى الداخل لإصلاحه. ذلك أن الولايات المتحدة التي كانت في الماضي مستشاراً مؤتمناً لكثير من الأنظمة العربية، قد ارتقت بنفسها اليوم لتجعل من نفسها وصيةً على جميع الحكومات العربية، بل وفي العلن أيضاً.

يؤكد هذا، الخبر القانوني الذي وقعت عليه قبل أيام، ومفاده أن مجموعةً من المحامين الأميركيين رفعوا دعوى قضائية الأسبوع الماضي، ضد نائب حاكم إمارة دبي - هي الثانية من نوعها - بتهمة مشاركة آلاف الأطفال الذين يقودون الجمال في سباق الهجن. وعلى رغم السذاجة الظاهرية للخبر، إلا انه من الجدية بمكان، حيث يلقى اهتماماً قانونياً داخل أروقة إحدى محاكم ولاية كنتاكي الاميركية، حيث رفعت القضية.

وغنيٌ عن القول أن الهدف من هذه القضية ليس حماية الأطفال، وإنما هو الحصول على مبالغ مادية من الإمارة الخليجية الغنية، خاصةً أن استثمارات الشيخ الخليجي تتمركز في تلك الولاية. فمن أبجديات المحاماة الجيدة، أنه حين تعرض قضية ناجحة، على المحامي أن ينظر بعمق في أطراف القضية. فإن كان فيها طرف حكومي أمسك به أولاً، لأنه في الغالب سيكون مفتاحاً كبيراً للتعويض المادي. فإذا لم يجد طرفاً حكومياً، عليه أن يبحث عن شركة كبيرة تكون طرفاً في الجانب الآخر من القضية، لأن بعض الشركات تفوق ثروتها ما عند بعض الحكومات. فإن لم يجد شركةً كبيرة، عليه أن يبحث عن شخص غني في ذاته، فثروات بعض الأغنياء قد يكون فيها ما يكفي ويزيد للحصول على التعويض المادي المطلوب. أما إذا لم يتوفر أي من هذه الخيوط الثلاثة، فالمحامي الذكي لن يضيع وقته سدىً في قضية ليس وراءها ربح مادي، ولكنه قد يعتذر بلباقة المحامي «المشغول بقضايا أهم».

وواضح أن هذه القضية ليست من النوع الذي سوف يعتذر عنه أي محام، فهي قضية جمعت الخيوط الثلاثة معاً، وتحمل في ثناياها مئات الملايين من الدولارات، ولأجل هذا يأتي الحرص الأميركي غير الرسمي، على سلامة أطفالنا العرب الأبرياء! وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، فإن «انشغال» المحامين الأميركيين هو ما دعاهم إلى إغفال بقية الأطفال العرب الآخرين في فلسطين والعراق والصومال الذين تقتلهم الأسلحة الأميركية الصنع.

وحقيقة الأمر أنني لو كنت زعيماً عربياً لربما جمعت الخبراء القانونيين في العالم العربي وطلبت منهم دراسة الأوضاع القانونية للحكومة الأميركية والشركات الأميركية على حد سواء، التي ما فتئت تبتز حكوماتنا بكل طريق مشروع وغير مشروع. ثم قمت بعد ذلك بوضع قائمة طويلة لما يمكن الاستفادة منه قانونياً ضد حكومة الولايات المتحدة بالأسلوب نفسه. ولعل أول ما أبدأ به، كزعيم عربي، هو بدء إجراءات رفع دعاوى قضائية ضد شركات الأسلحة الأميركية التي تصنع الأسلحة المحرمة دولياً بموجب الاتفاقات الدولية التي وقعتها الدول، بما فيها حكومة الولايات المتحدة، ثم بعد ذلك تستخدم ضد أمتنا العربية والمسلمة لتقتل شعوبنا بطريق مباشر.

ولو كنت زعيماً عربياً، لأوجدت فريقاً من المحامين البارزين للنظر في ما يمكن عمله تجاه شركات التبغ التي ما تزال تغزو بلادنا بالدعايات الكاذبة، وحيث تؤدي هذه الدعايات الى بيع أكثر من 80 بليون سيجارة سنوياً في العالم العربي وحده، لتتسبب في نهاية الأمر في قتل شبابنا وشاباتنا بطريق غير مباشر!

ولكنت - لو كنت زعيماً - منعت بيع السجائر بالكلية من بلادي قبل أي شيء، لأوفر لشعبي بلايين الدولارات الضائعة، وأبقي له صحته.

ولو كنت زعيماً عربياً لبدأت في إجراءات رفع دعوى قضائية ضد «هوليوود» التي شوهت سمعة العربي بإظهاره في مظهر البدوي المتخلف الذي لا يملك إلا بعيراً وبئر بترول ويستمتع بمئات السبايا من النساء، ولا يعرف سوى لعب القمار. ثم بعد ذلك بدأت في إجراءات دعوى قضائية أخرى مماثلة ضد الجهة نفسها، كونها من ينتج الأفلام التي تعين على العنف والإجرام، إضافةً إلى كونها أفسدت أولادنا ونشرت الرذيلة بين مجتمعاتنا.

وقد أعجبني رد إيران الرسمي الذي فتح باب محاكم الجمهورية الإسلامية على مصراعيه لتقبل أي دعوى ترفع ضد حكومة الولايات المتحدة، بعد الحكم القضائي الذي صدر من محكمة فيديرالية أميركية مؤخراً، والقاضي بتغريم إيران مبلغ 2.65 بليون دولار كتعويض لعائلات 241 جندياً من المارينز الذين قضوا في تفجير مقر قيادتهم المركزية ببيروت عام 1983، وقد نوهت بذلك الحكم في هذه الصفحة يوم الإثنين الماضي.

وعلى الجانب السياسي، لو كنت الزعيم العربي صاحب الطرفة، لربما رحبت بالرئيس بوش في مقهى شعبي في وسط أحياء أي عاصمة عربية، ليسمع مباشرةً من المواطنين ما إذا كانوا يريدون نسخةً ثانيةً من الديموقراطية التي أتحف بها الرئيس بوش الشعب العراقي!

ولو كنت زعيماً عربياً لدولة ذات حدود مع العراق، لقلت للمسؤولين الأميركيين الذين يطلبون مني إنفاق مئات الملايين من الدولارات لضبط حدودي مع العراق: لماذا لا تضبطون أنتم حدود العراق من الداخل؟ ألستم أقدر من يفعل ذلك؟ وإذا عجزتم عن فعل ذلك فلم تلومون غيركم؟

وعلى الصعيد الداخلي، لو كنت زعيماً عربياً، لربما نظرت إلى الحكمة الخفية في «النصيحة» التي أسداها الرئيس الأميركي، وعملت بالمثل الأميركي القائل «من يخالفك الرأي ليس بالضرورة عدوك». وتبعاً لذلك ربما قمت بإطلاق جميع سجناء الرأي ولو شتموني.
"الحياة"

التعليقات