31/10/2010 - 11:02

ما الذي أعاد ملف المصالحة إلى الواجهة؟.. هاني المصري

-

ما الذي أعاد ملف المصالحة إلى الواجهة؟.. هاني المصري
بعد اللقاء المفاجئ في مكة عشية عيد الفطر بين الوزير عمر سليمان وخالد مشعل، وبعد اتصال هاتفي أجراه سليمان مع الرئيس أبو مازن عادت الحياة إلى ملف المصالحة الذي دخل في مرحلة جمود كان من المتوقع لها أن تطول.
 
كل التقديرات والتوقعات تقريباً كانت تشير إلى أن استئناف المفاوضات الثنائية المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين في ظل الانقسام الفلسطيني، ودون وقف الاستيطان والاتفاق على مرجعية واضحة وملزمة سيؤدي إلى زيادة حدة الخلاف والانقسام بين الفلسطينيين، وبالتالي إلى تراجع ملف المصالحة إلى الوراء حتى إشعار آخر.
فما الذي أعاد ملف المصالحة إلى الواجهة؟
 
لنبدأ في لقاء مكة الذي بدا وكأنه تم مصادفة وعفوياً، ليتبين بعد ذلك أنه مرتب وجاء من حيث المكان في السعودية، وفي ظل انسجام متزايد في العلاقات السعودية - المصرية، انعكس على لقاء سليمان - مشعل، حيث اتفقا على عدم ممانعة مصر للتوصل إلى تفاهمات فلسطينية - فلسطينية، يتم الاتفاق عليها قبل توقيع "حماس" على الورقة المصرية، بحيث تضمن أن ملاحظاتها عليها ستؤخذ بالحسبان عند التطبيق.
 
ما الذي جعل مصر تغير موقفها، فهي كانت تصر على ضرورة توقيع "حماس" على الورقة المصرية أولاً، ثم تؤخذ بعد ذلك ملاحظاتها بالحسبان عند التطبيق.
 
لا بد أن الأمر يتعلق أولا بأن انطلاق المفاوضات دون ضمانات ومرجعيات، واستمرار تعنت وتطرف الحكومة الإسرائيلية ورفضها حتى تمديد مسرحية التجميد الجزئي والمؤقت للاستيطان، الأمر الذي أعاد الجميع من التحليق في سماء الأوهام إلى الأرض، ليتعاملوا مع حقيقة أن المفاوضات إذا استمرت محكوم عليها - على الأرجح - بالفشل، ما يفرض من أجل الاستعداد لفشلها أو لمنعه إظهار أن لدى الفلسطينيين بديلاً آخر يمكن أن يلوحوا به أو يستخدموه إذا لزم الأمر.
 
ويرتبط بهذا العامل أن المعارضة الفلسطينية الواسعة للمفاوضات المباشرة لم تقتصر على "حماس" و"الجهاد" وإنما وصلت إلى داخل "فتح" وفي صفوف منظمة التحرير ما يقتضي تخفيف حدة المعارضة والانتقاد لتمكين الرئيس من الاستمرار بالمفاوضات، وليس هناك ما يساعد على ذلك سوى فتح ملف المصالحة الذي يعتبر مطلباً من الأغلبية الساحقة من الفلسطينيين.
 
ثانياً: إن الإدارة الأميركية بدأت تحركاً لضم سورية ولبنان إلى المفاوضات، لأنها تبحث عن حل إقليمي شامل لإدراكها أن الاستفراد بالمسارات وضربها ببعض لم يجد سابقاً، وإنما أدى إلى تقليل فرص النجاح بشكل كبير على أي مسار من المسارات. لقد ذكرت الأنباء أن جورج ميتشل طرح أثناء زيارته الأخيرة لدمشق مسألة استئناف المفاوضات السورية - الإسرائيلية، برعاية أميركية، ولا شك بأن مثل هذا التطور يساعد على تحريك ملف المصالحة الفلسطينية لأن لسورية دوراً فلسطينياً لا يمكن لأحد عاقل التقليل من شأنه. طبعاً يرتبط هذا التوجه أيضا بالمساعي الأميركية الرامية إلى إبعاد سورية عن إيران.
 
ثالثاً: إن حركة حماس تجاوبت مع المبادرة المصرية الأخيرة لأنها تنسجم مع موقف أبدته عندما طرحت فكرة إيجاد تفاهمات فلسطينية داخلية لأول مرة، من قبل وفد المستقلين برئاسة منيب المصري منذ شهر شباط الماضي، ووفد لجنة المصالحة ومن قبل شخصيات وأطراف مختلفة، وفي زيارة عمرو موسى، ولكنها كانت تصر على توفير ضمانات لتطبيق هذه التفاهمات من خلال توقيع مصر وجامعة الدول العربية عليها، واكتفت الآن بأن تتضمن التفاهمات نصاً على أنها ملزمة عند التطبيق كما جاء في البيان الصادر في دمشق عن لقاء وفدي "حماس" و"فتح" برئاسة مشعل والأحمد.
 
إن سبب مرونة "حماس" الإضافية، رغم استئناف المفاوضات المباشرة التي تعارضها بشدة، يعود إلى الضائقة الشديدة التي تعيشها حالياً جراء تشديد الحصار المصري عليها بحيث لم يعد أي عضو أو قيادي من "حماس" قادراً على عبور معبر رفح إلا لأسباب إنسانية ملحة.
 
أن "حماس" راهنت دائماً على فشل المفاوضات والعملية السياسية، ولكنها الآن أقل رهاناً على ذلك، وأكثر خشية من "نجاحها" لأن النجاح في التوصل إلى حل يمكن أن يقود إلى حرب ضدها، ليس بالضرورة أن تكون حرباً إسرائيلية فقط بل يمكن أن تكون حرباً عربية إقليمية دولية. فلن يسمح العالم بقيادة أميركا لـ "حماس" بتعطيل تطبيق الحل إذا تم التوصل إليه، مع أن التوصل إلى حل يبدو أمراً مستبعداً، وإن لم يكن مستحيلاً.
 
رابعاً: أما بالنسبة لحركة فتح وأبو مازن فإن استئناف جهود المصالحة بعد استئناف المفاوضات أمر حميد جداً، لأنه يقلل من المعارضة للمفاوضات، ويساعد المفاوض الفلسطيني الذي سيظهر أنه أقوى ويملك بديلاً عن انهيار المفاوضات، ويساعد على استمرار المفاوضات رغم عدم تمديد تجميد الاستيطان، الأمر الذي سيكون أصعب بكثير إذا لم يكن ملف المصالحة مفتوحاً.
 
 في سياق ما سبق، "فتح" أبدت مرونة في أن تعتبر التفاهمات ملزمة وأن يتم الاتفاق عليها مسبقاً وقبل التوقيع، رغم كل ما سبق، لا يجب الإغراق بالتفاؤل أو وضع توقعات عالية، فأسباب وجذور وعوامل الانقسام مستمرة، وتجدد جهود المصالحة لها أسباب تكتيكية حتى الآن لدى مختلف الفرقاء يمكن أن تزول بزوالها، والوصول إلى توقيع الورقة المصرية على أهميته لكونه يعيد الحوار الوطني الشامل، لا يحل المشكلة لأن التنفيذ أصعب من التوقيع، ولأن التنفيذ دون الاتفاق - على اعتبار أن المصالحة ضرورة لا غنى عنها وأولوية على كل الصعد - على برنامج الحد الأدنى المشترك الوطني، الذي لا يمكن التراجع عنه، وعلى المضمون السياسي لاتفاق المصالحة، وعلى تشكيل حكومة وفاق وطني مهما كان شكلها، لا يمكن أن يقود إلى مصالحة حقيقية قابلة للبقاء وإنما في أحسن الأحوال إلى هدنة سرعان ما ستنهار!!.

التعليقات