31/10/2010 - 11:02

ما الذي يمنع فتح ملفات الفساد ومحاسبة الفاسدين؟/ الأسير راسم عبيدات*

ما الذي يمنع فتح ملفات الفساد ومحاسبة الفاسدين؟/ الأسير راسم عبيدات*
عندما اعلن النائب العام، قبل ثلاثة اشهر، وعبر مؤتمر صحفي عن اسماء المؤسسات والملفات المحالة له بتهمة الفساد وسرقة وابتزاز وهدر المال من قبل اشخاص لهم اسماء وعناوين، استبشرنا خيراً، وقلنا اخيرا وبعد طول معاناة لم يعد الفساد كائناً وهمياً ومسؤولاً من قبل اشخاص من كواكب اخرى، بل هو حقيقة موجودة في ارض الواقع ويمارسه اشخاص ورموز لها اسماء ومسميات ومن لحم ودم.

ولعل المعطيات التي كشف عنها النائب العام عن حجم الفساد في اجهزة السلطة ومؤسساتها وهياكلها، يثبت بما لا يدع مجالاً للشك ان مثل هذه السلطة لا اسف على رحيلها، ولكن رحيلها لا يعني ان لا يتم كشف الحقائق وجلب المتورطين من رجالاتها في الفساد للعدالة والمحاسبة، وتحديداً ان الامور لم تقتصر على سرقة ونهب واهدار المال العام، والتزوير والنصب والاحتيال والابتزاز، بل وصل الامر في البعض لحد التورط في عمليات بيع اراض لجهات اسرائيلية، والمساهمة في بناء جدار الفصل العنصري!

وحتى لا نبقى في اطار التحليق في الفضاء والتكهنات وحرب الاشاعات، فانه من الضروري عدم الاكتفاء بالحديث عن الفساد واجترار ذلك، بل لا بد من الانتقال الى اطار الفعل والمحاسبة والمعالجة، وتسمية الامور بمسمياتها، وطرح واعلان وتشهير بالاسماء المتورطة بذلك مهما كان موقفها او نفوذها، وعلى الجماهير والسلطة الجديدة جلبها للقضاء، والمسألة يجب ان لا تبقى في اطار "الهوبرات" والفرقعات والخبطات الاعلامية وخلط الحابل بالنابل.

وجماهير شعبنا تدرك ان عمق الشعور بالاهانة والظلم والتقصير وتستر البعض على الفساد والقائمين عليه هو الذي دفع بالبعض لاخذ القانون والقضاء بأيديهم والقيام بعمليات تصفية لمن يعتقدون انهم رموز الفساد وسارقو وناهبو الشعب.

وفي هذا الجانب الحساس والذي يمس سمعة وصورة شعبنا في الصميم، يجب ان لا يكون هناك حصانة لاحد،كما هو الحال عند اعدائنا: فالفساد عندهم ليس بالمستوى والحجم الموجود عندنا، ولكنه ايضا موجود في كل هيئات ومؤسسات واجهزة الدولة وتورطت فيه قيادات حزبية وسياسية امثال عومري وجلعاد شارون، وتساحي هنغبي وغيرهم، ولكن هناك يجري اعلان اسمائهم وجلبهم للقضاء ومحاسبتهم، ولا يجري التستر عليهم تحت يافطة الموقع والنفوذ.. الخ

اما عندنا فان الامور بقيت في الاطار الشعاراتي والدعاوي والنظري، والحابل مختلط بالنابل، والجميع يدعو لمحاربة ومقاومة الفساد واجتثاثه، الفاسد وغير الفاسد، بحيث بتنا لا نعرف من هو الفاسد او المسؤول عن الفساد، أهو الاحتلال؟ ام مخلوقات قادمة من كواكب اخرى؟

ومن هنا فإن اولى المهام التي يجب ان تنتصب امام الحكومة القادمة والمجلس التشريعي، فتح ملفات الفساد على مصراعيها، في اطار الشفافية والمساءلة والمحاسبة الجادة التي من شأنها ان تخلق حالة من الثقة والاطمئنان بين جماهير شعبنا الفلسطيني، وبأنها لن تلقى رحمة مثل هذه العصابات والمافيات والتي اسست الفساد وشكلت له بنى وهياكل واجهزة بحيث غدا كالاخطبوط.

والفساد ليس مقتصراً على شكل او نوع محدد، فله اكثر من شكل ونوع، بدءاً من فرض الخاوات والاتوات ومروراً باستغلال المناصب والمواقع والنفوذ وتلقي الرشاوى والابتزاز وهدر المال العام وسرقته واحتكار الشركات والوكالات والمشاريع، واذونات الاستيراد والتصدير، واحتكار الوظائف والمناصب وقصرها على لون سياسي دون آخر، وعدم اعتماد معايير الكفاءة والمهنية والتخصص في التوظيف... الخ.

والحديث عن الفساد في مؤسسات واجهزة وهياكل السلطة، يجب ان لا يعمي عيوننا عن الفساد المستشري في اوساط مؤسسات المجتمع المدني الممولة اجنبياً، حيث اغلب المال الاجنبي المقدم لهذه المؤسسات له اهداف سياسية واقتصادية واولويات تختلف عن اولويات واحتياجات الشعب الفلسطيني، وهذا المال الاجنبي خلق أباطرة وامراء يستغلون هذا المال المقدم لهم باسم الشعب الفلسطيني لاهداف ومصالح خاصة عائلية وجهوية وحزبية، حتى ان هناك "حيتان" في هذا الجانب لا تسمح بأية عملية تمويل لمؤسسة مجتمع مدني من الخارج دون اذنها وموافقتها، ولذلك هذا الملف لا يقل اهمية عن ملف الفساد الحكومي فالمساءلة والمحاسبة يجب ان تطال كل المتورطين في الفساد ايا كان موقفهم او منصبهم او نفوذهم ولا حصانة لاحد، ولا احد فوق المحاسبة والقانون.



سجن عسقلان
عن "القدس"

التعليقات