31/10/2010 - 11:02

ما المطلوب من الدول العربية الآن وما بعد الآن../ جوني منصور

ما المطلوب من الدول العربية الآن وما بعد الآن../ جوني منصور
وضعت الحرب الاسرائيلية الأخيرة على لبنان أوزارها، بالرغم من أنها لم تنتهِ بعد بصورة نهائية، كما تشير دلالات كثيرة على ذلك، وها هي الدول العربية تتدارس فيما بينها ما يمكن فعله الآن للبنان أولاً ثم لأنفسها ثانيا.

لن نخوض في هذه المقالة الموجزة في الدور الخجول والعاجز للدول العربية قبيل اندلاع العدوان الاسرائيلي على لبنان، إنما سنتطرق إلى ما هو مطلوب من هذه الدول في هذه الفترة بالذات وما بعدها بقليل.

أظهرت هذه الحرب معطيات جديدة لا يمكن لكل ذي حجى التنكر لها، إذ كشفت مواطن ضعف في المناعة الاسرائيلية وتراجعًا ما في الدبلوماسية الاسرائيلية عالميا، إضافة إلى خلل مزمن في النظام السياسي الاسرائيلي الداخلي الذي بيّن أن اسرائيل تسير في طريق نحو انهيار الحكومة الحالية والتوجه إلى انتخابات جديدة. وكشفت ـ وهذا هو الأهّم ـ أن بإمكان العرب قول لا لإسرائيل وحلفائها وتطبيق هذه "اللا" على أرض الواقع بقليل من الجرأة المطلوبة!

كل هذه الإفرازات من الضروري أن تُحرّك الدول العربية لإعادة صياغة دورها الدبلوماسي الآني، بكونها محوراً أساسيا لكل تسوية لأزمات الشرق الأوسط. ولكن يسبق هذا الدور، أو تسير بموازاته، بشكل حتمي مسألة إعادة اعمار ما دمره العدوان الاسرائيلي الشرس والهمجي في لبنان. حياة وأرزاق مئات آلاف اللبنانيين هو همٌّ لبناني وعربي على حدٍّ سواء. والمساهمة العربية فيه تأكيد التعاون المشترك وإن كان بعد دمار كهذا. وهذا التعاون هو مؤشر إلى استمرارية التضامن العربي الهش في أساسه.

أما فيما يتعلق بالدبلوماسية العربية الآنية فمن الضروري أن تكون حاضرة بفعالية وقوة ضاغطة في كل المحافل الدولية وألا تغيب عن إحداها إطلاقا. فمجلس الأمن ذو القرارات المتعاطفة بصورة ما مع اسرائيل بحاجة إلى حضور قوي ونشيط للتحرك العربي لكسب تأييد أكبر عدد من الدول الأعضاء، وليكون هذا المجلس منبرا للتعبير الصارخ والفاضح لمخططات اسرائيلية وامريكية مشتركة أو منفصلة ضد الدول العربية بهدف السيطرة عليها وعلى مقدراتها وثرواتها.

ويتوجب على الديبلوماسية العربية الآن، وليس غداً، التحرك الفاعل والقوي لدى الاتحاد الاوروبي لمنعه قدر الإمكان من البقاء مرتميا في أحضان الولايات المتحدة. الاتحاد الاوروبي يملك قدرة من التأثير في الشأن الاقليمي والدولي لا بأس بها.

وباعتقادي أنه يتوجب على الديبلوماسية العربية التحرك نحو الصين لجعلها دولة ضاغطة على الساحة الدولية. وكذلك الاستفادة من المعارضة القوية التي أظهرها الرئيس شافيس لاسرائيل خلال عدوانها على لبنان، وأن يكسب العرب من خلاله تأييد مجموعة دول امريكا اللاتينية التي في معظمها رافضة للسياسة الامريكية العالمية والاقليمية الخاصة بها.

أفرزت نتائج الحرب الاسرائيلية على لبنان مساحة من الدبلوماسية الجيدة للدول العربية، بحيث أنه إذا عرفت هذه الدول كيفية استثمار هذه المساحة واللعب فيها لأعادت شيئا من بريق كرامتها ومكانتها التاريخية.

أما المطلوب من العرب بعد الآن، أي بعد هذه الخطوات الأساسية وغيرها، إعادة النظر جيدا في العملية السلمية التي لم تعد قائمة بالمطلق برؤيتنا واعتقادنا. بمعنى، أنه يتوجب على الدول العربية عدم الإسراع والهرولة لطرح مشاريع وبرامج سلام مع اسرائيل والدماء لم تنضب ولم تجف بعد. تحتاج هذه المشاريع إلى تريث مبني على وحدة صف حقيقية كي لا تتمكن الحكومة الاسرائيلية من استثمار مواقف زعماء عرب ضد المقاومة اللبنانية لدق إسفين بين الدول العربية.

الدول العربية الآن في وضع أفضل سياسيا ونوعا ما عسكريا لفرض ضغوط على اسرائيل والمجتمع الدولي الصامت عن جرائم الاحتلال الاسرائيلي لأجزاء من فلسطين وسوريا ولبنان.
من جهة أخرى تحتاج الدول العربية في المستقبل القريب إلى إعادة صياغة أهداف وتطلعات وآلية أداء جامعة الدول العربية. هذه الهيئة بحاجة ماسة إلى إنعاش جذري كي لا تبقى صورة خطابية / كلامية فقط.

أظهرت مواقف وتحركات الجامعة في الآونة الأخيرة أنها تستطيع فعل شيء ما ولكن سقفها ما زال منخفضا. ما زالت الجامعة غير قادرة على عقد قمة عربية عليا في ظرف استثنائي وخطير على واقع ومستقبل الأمّة. وهذا في حدّ ذاته فشل كبير لا يمكن اجتيازه بسرعة أو التغاضي عنه بسهولة. وهذا هو الوقت الماثل أمام الدول العربية للبدء بالتفكير الجدي بالعودة إلى سلاح النفط بكونه سلاحا سياسيا واقتصاديا سيترك أثره على القرارات الدولية، فلا بأس من التلويح به عاليا بصورة جدية للغاية.

دروس الحرب على لبنان تفرض تغييرا في الواقع العربي الهش والمأزوم والمتسربل بأثقال وأعباء الماضي، ليكون بقدرة الدول العربية تقديم شيء فعلي لشعوبها ومن ثم للحضارة العالمية. توقعاتنا من الدول العربية ـ كما علمنا التاريخ ـ ليست كثيرة، ولكن ضمن القليل نتوخى السعي إلى إعادة ملمح وجه الأمّة بالعودة إلى الذات وبناء استراتيجية سياسية وعسكرية وثقافية معاصرة تقف في مواجهة تحديات العصر والتغييرات الحاصلة في العالم، واستثمار إفرازات الحرب على لبنان لصالح الشعوب العربية كافة بالرغم من أن الوجع كبير والألم عميق لما حل بالشعب اللبناني الأبي.


"فصل المقال"

التعليقات