31/10/2010 - 11:02

ما بين رسائل التهدئة والتهديد وسيناريو الحرب القادمة../ أحمد الحيلة*

ما بين رسائل التهدئة والتهديد وسيناريو الحرب القادمة../ أحمد الحيلة*
شرع الاحتلال الإسرائيلي في إجراء مناورة على الجبهة الداخلية، ابتداءً من يوم الأحد الماضي (6/4)، وبمشاركة من المستوى الوزاري والسياسي في الدولة إلى جانب الأجهزة التنفيذية الوظيفية، وسط جدل كبير في الأوساط المتابعة حول حقيقة وأهداف هذه المناورة. بمعنى هل هي مقدمة وتهيئة لحرب قادمة أم أنها مجرد فعل داخلي تفرضه حيوية الدولة وأجهزتها التنفيذية في ظل الدروس المستفادة من الحرب على لبنان في تموز 2006؟

لوحظ في الأيام الأخيرة، وبالتوازي مع إجراء المناورة، أن القيادة الإسرائيلية بثت رسائل تهدئة لدول الجوار، وخاصة سوريا ولبنان للتقليل من خطورة الموقف، وللقول بأن التدريبات أو المناورة تندرج فقط في ظل الاستعداد الدفاعي وليس الهجومي، وأنها تنسجم مع توصيات لجنة فينوغراد لمواجهة أي اعتداء محتمل.

وفي هذا السياق، فقد أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود اولمرت في اليوم الأول لانطلاق المناورة (6/4) بأن "ليس لدى إسرائيل خطط سرية، هذه المناورة ليست جزء من أي شيء آخر، إسرائيل لا تتطلع للحرب. المناورة ليست عطاءً لأي نية حربية اتجاه سوريا أو لبنان، والسوريون أنفسهم يعرفون بأنه ليس لديهم ما يبرر إعطاء تفسير آخر لهذه المناورة".

أما وزير الدفاع ايهود باراك، فقد أوضح بأن "ليس لدينا مصلحة في التدهور، والطرف الآخر يعرف ذلك". (معاريف 7/4)
وفي معرض تعليق رئيس دولة الاحتلال شمعون بيريز على التوتر الراهن في المنطقة، قال: "هذا برأيي توتر مصطنع، وهو سيزول بسرعة" مضيفاً: "يوجد فارق بين الإحساس وبين الحرب، الإحساس يأتي وينقضي، وأنا آمل ـ والقول لـ بيريزـ في أن الإحساس الحالي سينقضي، ولا أرى ضرورة في أن تكون حرب". (يديعوت أحرونوت 3/4)

على المقلب الآخر، وبالتوازي مع تلك الرسائل الرامية لإشاعة جو من الطمأنينة، والحد من القلق المتزايد، يمكن رصد عدة مواقف، وتحركات تشير في الاتجاه الآخر إلى مستوى التصعيد السياسي والعسكري اتجاه سوريا ولبنان، وذلك كما يلي:

• نقلت صحيفة معاريف (7/4)، أن إسرائيل بعثت برسالة تهديد حادة اللجة إلى دمشق تفيد بأنه "إذا ما وقعت عملية ثأر جماعية على تصفية مسؤول حزب الله عماد مغنية، فإن إسرائيل سترد بشدة"

• في مقابلة أجرتها مجلة "دير شبيغل" الألمانية مع وزير الدفاع ايهود باراك، قال فيها: "يمكن لإسرائيل أن تنتصر على سوريا وحزب الله، وهي لا تزال الدولة الأقوى في محيط 1500 كيلومتر من القدس، ولكن مصلحتنا تكمن في إنهاء المواجهة مع جيراننا. نحن مستعدون للبحث في السلام مع سوريا..، ولكن لأسفي، لا أرى أن السوريين مستعدون" (معاريف 6/4).

ومن الجدير ذكره أن وزير الدفاع باراك الذي ألغى أو أرجأ زيارته إلى ألمانيا الأسبوع الماضي بسبب التوتر على الحدود الشمالية، كان قد كرر تهديده لسوريا أثناء تفقده لمواقع الجيش الواقعة على الحدود مع سوريا ولبنان.

وفي وقت سابق، نقلت صحيفة الحياة (21/2)، أن وزير الدفاع الإسرائيلي باراك وأثناء زيارته إلى تركيا (منتصف شباط الماضي)، طلب من مضيفيه نقل رسالة إلى دمشق تفيد بأن إسرائيل تتوقع بأن تغير سوريا سياستها العاطفة على حزب الله وحماس..، وإذا لم تستجب دمشق لهذا الطلب، فإن إسرائيل كفيلة بأن تعود إلى مهاجمة منظمتي الإرهاب هاتين على الأرض السورية".

• نائب رئيس هيئة أركان جيش الاحتلال اللواء دان هارئيل، أطلق تهديدات لسوريا وحزب الله خلال لقائه مجموعة من المراسلين العسكريين الإسرائيليين في مقر وزارة الدفاع قائلاً: "كل من يحاول المس بإسرائيل عليه أن يتذكر أنها الدولة الأقوى في المنطقة، وردنا سيكون شديداً ومؤلماً"(معاريف 2/4)

• أفادت صحيفة يديعوت أحرونوت (3/4) بأن المحادثات التي أجراها أولمرت مع نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني لدى زيارته لإسرائيل (قبل نحو ثلاثة أسابيع)، تمحورت بالأساس حول الموضوع الإيراني، والتداول في سيناريوهات مختلفة بينها توجيه ضربة استباقية ضد المنشآت النووية الإيرانية قبل وصول إيران إلى نقطة اللاعودة". وعلى صعيد متصل أفادت الصحيفة بأن مستشاري الرئيس الأمريكي جورج بوش، ورئيس الحكومة الإسرائيلية ايهود اولمرت أجروا محادثات سرية في واشنطن يوم السبت الموافق (29/3)، وقد تناولت المحادثات "قضايا تتعلق بالبرنامج النووي الإيراني، وموضوعات تنطوي على حساسية بالغة تتعلق بحزب الله".

• الحكومة الإسرائيلية المصغرة (2/4) تتخذ قراراً يقضي بإعادة توزيع الكمامات الواقية من أسلحة غير تقليدية على المواطنين، حيث ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن وزارة الدفاع الإسرائيلية، بادرت إلى إعادة توزيع الكمامات "على خلفية تهديد صواريخ أرض ـ أرض إيرانية أو سورية لإسرائيل تحتوي على مواد كيماوية".

تلك المواقف المتأرجحة بين التهدئة وبين التهديد والتلويح باستخدام القوة العسكرية قد تبدو متباينة إلى حد إثارة الحيرة في حقيقة الموقف الإسرائيلي الراهن. ولكن عند المقارنة بين الإعلان والواقع على الأرض، فالواقع أصدق أنباءً من التصريحات وإطلاق المواقف الإعلامية ذات الأغراض السياسية أو الدعائية أحياناً.

وهنا لا بد من القول بأن إسرائيل، قد تكون بصدد الإعداد لمواجهة عدة سيناريوهات واقعية إلى حد بعيد ومنها:

السيناريو الأول: إقدام حزب الله على الثأر لمسؤوله العسكري الشهيد عماد مغنية الذي اغتيل في دمشق، مما سيدفع الصهاينة إلى الرد والانتقام، ومن ثم الدخول في حلقة متواصلة من الفعل ورد الفعل الفاتح لخيار الحرب الإقليمية بين إسرائيل وحزب الله أو بين إسرائيل ومحور الممانعة والمقاومة في المنطقة.

السيناريو الثاني: مبادرة الاحتلال الإسرائيلي بتوجيه ضربة عسكرية لسوريا، على أساس الاعتقاد الصهيوني بأن عقدة محور الممانعة العربية تكمن في دمشق، وأن إيقاع "الهزيمة" بدمشق، أو استمرار الضغط العسكري عليها من شأنه أن يفك الارتباط والتحالف الاستراتيجي بينها وبين طهران، إضافة إلى دفعها إلى رفع غطائها السياسي عن حركتي حماس وحزب الله. بمعنى آخر الضغط على دمشق يراد منه تغيير المعادلة في الشرق الأوسط بفرط عقد محور الممانعة والمقاومة، لفتح الطريق دون معوقات لسيناريو الهيمنة الصهيوأمريكية على المنطقة.

السيناريو الثالث: قيام الولايات المتحدة بتوجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية، مما يتطلب من إسرائيل الاستعداد لمواجهة محتملة مع حزب الله، هذا إن لم يكن قيام إسرائيل بهجوم مباغت على سوريا أو لبنان أو كليهما معاً بالتوازي مع الهجوم الأمريكي على إيران، بهدف إنزال الهزيمة بمحور الممانعة والمقاومة بشكل مباشر.

ويحضرنا هنا التذكير بالتحريض الإسرائيلي المستمر لواشنطن على إيران، إضافة إلى تهديدات الاحتلال المباشرة لطهران، والتي كان آخرها ما جاء على لسان وزير البنى التحتية بنيامين بن اليعازر، عندما قال: "أحمدي نجاد عندنا على الخط، يجدر بهذا الرجل أن يعرف شيئاً واحداً فقط، في أن لا معنى من تحدينا. ليس سراً كبيراً في أنه إذا تجرأ على لمس إسرائيل، فنحن لن نترك حجراً واحداً في إيران. ينبغي أن يكون هذا واضحاً. هذه ليست سائبة. إسرائيل لن تمر بالصمت إذا وجهت إيران سلاحاً على إسرائيل. أقول هذا بشكل واضح: "ستكون هذه نهاية إيران". (يديعوت أحرونوت 8/4)

تلك النوايا والتصريحات الصهيونية العدوانية ليست من فراغ، وليست عبثية، فالاحتلال بعد حرب تموز 2006، يدرك أنه يقف على أعتاب مرحلة جديدة، باتت فيها قدرته على الردع محل شك، في مقابل تعاظم قوة الخصم الذي بات يمسك بنقطة الضعف لدى الاحتلال ودولته العتيدة، ويبنى عليها، ولذلك ليس غريباً أن جاء التقرير الاستخباري السنوي لأجهزة الأمن الصهيونية، والمقدم لجلسة مجلس الوزراء الإسرائيلي يوم الأحد الموافق 9/3/2008، محذراً من الاشتعال القادم، حتى أن قدامى الوزراء في إسرائيل ـ والقول لصحيفة معاريف 10/3 ـ لا يتذكرون توقعاً استخبارياً "أسود بهذا القدر"، وتضيف الصحيفة التي أوجزت ما ورد في التقدير الاستخباري بالقول: "دوائر المدى التي عرضها رؤساء أجهزة الأمن على الحكومة كانت تجمد الدم: دوائر ـ دوائر تغطي كل أراضي دولة إسرائيل، أكثر من مرة واحدة. حماس تتعاظم بوتيرة سريعة. الصواريخ لدى حزب الله تغطي الأغلبية الساحقة من دولة إسرائيل. سوريا تغطي بسهولة كل أراضي الدولة. وكذا إيران في الصورة".

وتضيف الصحيفة: "الاشتعال القادم، كما حذر رؤساء أجهزة الأمن، لن يكون في جبهة واحدة فقط، بل في ثلاث جبهات: حزب الله يستعد لاستئناف القتال تحت مظلة إيرانية، وبإسناد الصواريخ من غزة. وسوريا هي الأخرى تكن الشرور ولم تتخل بعد عن نواياها للرد على إسرائيل على ما كان أو لم يكن في أيلول 2007(والمقصود الاعتداء الإسرائيلي على منطقة دير الزور في شمال سوريا)، كل هذا يؤدي إلى إمكانية أن يحتمل في غضون سنة أو سنة ونصف كحد أقصى، أن يحيط بإسرائيل حزام إرهابي مسلح، مدرب ومزود بالصواريخ مع إسناد من دولتين مجاورتين حدوديتين هما سوريا ولبنان.."

فهل هذا التقدير الاستخباري سيعجل القرار لدى قيادة الاحتلال للتفكير في توجيه ضربة عسكرية استباقية للخصم، لإفقاده القدرة على الردع، وبغطاء أو شراكة أمريكية مباشرة، في ظل قيادة الرئيس جورج بوش الذي ما زال يؤمن بحيوية الحسم العسكري، وبأهمية الحرب الاستباقية؟

وهل ما تشهده إسرائيل من تدريبات ومناورات على الجبهة الداخلية والتي تعد الأكبر من نوعها منذ قيام دولة الاحتلال، هو إشارة عملية على مستوى الإعداد والاستعداد لحرب قادمة؟

يقول وزير البنى التحتية بنيامين بن اليعازر معلقاً على هذه المناورات: "إن مناورات الجبهة الداخلية ليست عبثاً أو سيناريو خيالياً"، ويضيف: "برأيي، الواقع المستقبلي من شأنه أن يكون أشد بأضعاف من ذاك الذي نعرفه. في الحرب المستقبلية سيكون آمناً أكثر بكثير العيش في نهاريا وفي شلومي مما في القدس وتل ابيب، لأني أتوقع أن تسقط في الضربة الأولى على إسرائيل مئات الصواريخ. لن يكون هناك مكان في الدولة لا يكون في مدى صواريخ سوريا وحزب الله". (يديعوت أحرونوت 8/4)

تلك المواقف تبين ما تخفيه النوايا الصهيونية من استعدادات لحرب قادمة..، لكن السؤال: هل من يستطيع أن يشعل الحرب في المنطقة، يمكن له أن يتحكم في نتائجها أو أن يوقف نارها متى وكيف شاء؟

التعليقات