31/10/2010 - 11:02

ما خفي أعظم!../ رشاد أبو شاور

ما خفي أعظم!../ رشاد أبو شاور
يقال بأن التحقيقات مع ( أولمرت)، وإضعافه فوق ضعفه، وتوجيه الاتهامات له بالرشى، سببها أنه يفاوض ( الفلسطينيين).. وكأنه رجل سلام !

لكن التحليلات الجّادة تنطلق من أن التحقيقات معه، تعود إلى فشله وحكومته في حرب تموّز2006، مع تمويه الجهات التي تقف وراء التحقيقات الهادفة إلى تدفيعه ثمن: الفشل في القضاء على حزب الله، والفشل في استعادة الأسيرين الذين ثبت في اللحظات الأخيرة لعمليّة التبادل بأنهما شبعا موتا.

يضاف إلى الفشل العودة المظفّرة لعميد الأسرى العرب الذي حرّر وعاد إلى وطنه لبنان مرفوع الرأس، عالي خطاب الانتماء لعروبة فلسطين، وأن أعراس تحرير الأسرى اللبنانيين، وجثامين الشهداء العرب، أفرحت ملايين العرب والمسلمين، في مقابل الإحباط والشعور بالعجز في الكيان الصهيوني.

الضعيف المهزوم أولمرت يتشاطر على مفاوضيه الفلسطينيين، ويستدرجهم لتقديم المزيد من التنازلات، وفي عهده تفشّى الاستيطان، وزحف الجدار، وتضاعفت الاعتقالات وعمليات الاغتيال، وحتى ال198 أسيرا فلسطينيّا ما كان له أن يطلق سراحهم، لولا براعة حزب الله في إدارة عمليّة التفاوض التي تكلّلت بفوز مبهر، والتي كان أحد بنودها الإفراج عن أسرى فلسطينيين!

لا ينسى أولمرت وهو في مأزقه الشخصي ولاءه للكيان الصهيوني، ولا تضعف شهيته في التهام أراضي الفلسطينيين، هو الذي في عهده عندما كان (عمدة) لأورشليم، أشرف على خطط تهويد القدس، والتضييق على أهلها العرب الفلسطينيين ليضطرهم للهجرة، والتخلّي عن بيوتهم وأراضيهم.

هل يمكن أن يخجل من (أولمرت) هذا، فيجامل بعدم مفاتحته بحّق عودة ملايين الفلسطينيين؟!
رئيس السلطة أبومازن صرّح قبل أيّام، وياله من تصريح عجيب، بأنه لا يستطيع أن يطالب بعودة ملايين اللاجئين، وأنه يبحث فقط عدد الذين تقبل ( إسرائيل) بعودتهم!

حّق العودة للاجئين الفلسطينيين أولاً هو قرار وطني فلسطيني، والدليل أن شعب فلسطين داخل فلسطين المحتلّة عام 48 رفض التوطين، واستبدال القرى والمدن المحتلّة منذ عام 48 بأمكنة حتى داخل فلسطين نفسها، وما زال الفلسطينيّون يخوضون معركة (العودة) وهم يقيمون في (الناصرة) و(حيفا) و( يافا) ...

حّق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم كفلته شرعة الأمم المتحدة قبل ستيّن سنة بقرار حمل الرقم 194، وهذا القرار سياسي وإنساني، وهو واجب التطبيق، وسيبقى كذلك حتى يتّم فرضه بتمسّك شعب فلسطين العنيد به، ورفضه لكّل مقترحات التوطين، والوطن البديل، أو التعويضات كثمن لأرض الوطن والانتماء والكرامة وحقّ الأجيال العربيّة الفلسطينيّة في العيش في وطنها.

المجتمع الدولي أكّد على القرار194 خلال خمسين عاما 135 مرّةً، باستثناء ( إسرائيل) التي انضمّت إليها أمريكا أخيرا، وهذا شهادة قاطعة بالإجماع الدولي على ذلك. وفي القرار 3236 الصادر عام 1974 أكدت الأمم المتحدة أنّ العودة حّق من الحقوق ( غير القابلة للتصرّف)، بل وحثّت الدول على تقديم الدعم للشعب الفلسطيني، بما في ذلك السلاح للحصول على هذه الحقوق. كتاب ( حّق العودة مقدّس وقانوني وممكن للباحث الفلسطيني الدكتور سلمان أبوستة) ص 26.

كلام رئيس السلطة أبومازن، ليس كلام أي شخص، وهو ليس كلاما في الهواء، إنه موقف من حّق العودة، صادر عن رجل يفاوض (نيابة) عن ملايين الفلسطينيين الذين لم يوكلوه بالتفاوض نيابة عنهم، والذين لا يفكرّون بما يرضى به الكيان الصهيوني وبما لا يرضى به، كما يفعل أبو مازن والفريق المفاوض معه، الذي يكشف هذا التصريح إلى أي مدى وصلوا في تقديم التنازلات، هم الذين يتغاضون عن توسيع المستوطنات، وتهويد القدس، واختطاف ألوف الفلسطينيين وزجّهم في المعتقلات الصهيونيّة كرهائن!

مشكلة المفاوض نيابة عن شعبنا الفلسطيني، أنه ينطلق من التفكير بما يقبله المفاوض الصهيوني، ولذا يتجنّب طرح ما يزعجه، وما قد يدفعه لإنهاء المفاوضات مع طرف فلسطيني ينطلق من حالة عجز دفعته إلى (أوسلو)، وما زالت تشكّل خلفيّة تفكيره وسلوكه.

رئيس السلطة عندما يصرّح بأنه لا يستطيع أن يطالب بعودة ملايين اللاجئين، فإنه يمثّل نفسه فقط، لأنّ حّق العودة هو حّق لكّل فرد من أفراد الشعب الفلسطيني، ولذا فلا يحّق له أن يفاوض على هذا الحّق، وإن توصّل وفريق (غير المستطيعين) أولئك إلى اتفاق ما يخرج علينا به، فإنه لا يمثّل الشعب الفلسطيني الذي لم يختره في انتخابات حرّة ديمقراطيّة ووفقا لبرنامج وطني معلن يتّم تفويضه وفقا له، هو وفريقه، وهو ما ينطبق عليه، وعلى غيره، وغيرهم، الآن، ومستقبلاً.

لقد آن أن تتنادى التجمعات الفلسطينيّة داخل الوطن، وفي الشتات، للحوار والتشاور واتخاذ القرارات الوطنيّة التي تحول دون تنازلات جديدة تمّس جوهر قضيتنا، يمكن أن يقدم عليها المفاوضون الفلسطينيّون المعزولون عن شعبهم، حتى لا نتورّط في مصيبة جديدة أشّد ضررا من ( أوسلو)!

لا بدّ من إعادة تثبيت حّق العودة لكّل اللاجئين الفلسطينيين، ورفض سياسة الاستيطان ورفض تبادل الأراضي لأن هذه اللعبة ترمي إلى تمرير تهويد القدس، وتثبيت التجمعات الاستيطانيّة التي التهمت أراضي الفلسطينيين، وتحرمهم من التواصل أرضا وشعبا. محكمة العدل الدوليّة في ( لاهاي)، أدانت جدار النهب والتهجير، ولكننا السلطة لم تعمل على استثمار هذا القرار، وخوض معركة محليّة ودوليّة، تفرض على الاحتلال هدمه.. أما آن لنا أن نضع خطّة وطنيّة شاملة لمواجهة الجدار؟!

الإصرار على إطلاق سراح الأسرى، وإيقاف عمليات المطاردة للناشطين الفلسطينيين، واقتحام المدن والقرى والمخيمات، ولو أدّى هذا إلى إنهاء المفاوضات التي ثبت أنها مصلحة لعدونا...

تصريح رئيس السلطة التنازلي عن حّق العودة، وتصريحاته في إيطاليا، في المؤتمر السياسي والاقتصادي الذي جمعه مع بيرس، التي تبشّر بتقدّم في المفاوضات المكثّفة مع (إسرائيل) في قضايا مركزيّة على جدول الأعمال، لا تبشّر بخير ينتج عن هذه المفاوضات الدائرة في العتمة!.

ما تقدّم يفترض أن يدفع نساء ورجال شعبنا للتساؤل: ما دام أبو مازن وفريقه لا يستطيعون مجرّد المطالبة بعودة ملايين الفلسطينيين - خشية من غضب أولمرت ومن معه من المفاوضين الصهاينة - فلماذا لا يتخلّون عن دورهم كمفاوضين؟! لماذا لا ينسحبون ويتركوا الشعب الفلسطيني أن يختار من يستطيعون القول بملء الأفواه: حّق العودة لا تنازل عنه لأنه معنى وجودنا وانتمائنا، ولأنه جوهر الصراع، فالفلسطيني وأرضه هما الروح والجسد.

آن للحرصاء على حقوق شعبنا أن يتحرّكوا قبل فوات الأوان، فمن يفكّرون بما يرضى ويستفّز العدو الصهيوني، لا بما يرضى شعب فلسطين، سيأخذوننا أبعد مّما أخذونا إليه في ( أوسلو).
البيانات، والمقالات، على أهميتها، ما عادت تجدي مع هؤلاء (المفاوضين ) المدمنين الذين مهما صرخنا فيهم أن يحلّوا عن (سمانا)، وأن ينزلوا عن ظهورنا، فلن يستجيبوا ويتخلّوا عن امتيازاتهم ومكاسبهم الخّاصة بأريحيّة، ولن يقرّوا بفشلهم في التفاوض مع أولمرت!

بالمناسبة كيف سيفاوض هؤلاء نتنياهو إن جاء بعد سقوط أولمرت، أو باراك ( بطل) جرائم الاغتيالات وقصف المدن الفلسطينيّة بعد سلام ( أوسلو).. أو ( ليفني) الحالمة بتحقيق ما لم تحققه غولدا مائير؟!
حّق العودة لن يصونه إلاّ المؤمنون به، لا من يلتفّون على حقوق شعبنا وتضحياته ومقاومته!

التعليقات