31/10/2010 - 11:02

محاولة تقويم ملتقى حق العودة../ عوني فرسخ

محاولة تقويم ملتقى حق العودة../ عوني فرسخ
في رحاب دمشق، التي لما تزل قلب العروبة النابض، وبدعم رسمي وشعبي سوري، عقد “الملتقى العربي الدولي لحق العودة” يومي 23 و24 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، ما اعتبر في نظر كثير من المحللين السياسيين أنه أكبر وأهم مؤتمر عربي ودولي يختص بالقضية الفلسطينية بشكل عام، وبحق العودة بصفة خاصة، فضلاً عن أنه شكل الرد الشعبي العربي على ما يتهدد هذا الحق المشروع دولياً من مخاطر في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ الصراع العربي الصهيوني. مرحلة من أبرز معالمها تشكل تحالف دولي وإقليمي وسلطوي فلسطيني يستهدف تصفية الصراع التاريخي وفق الاشتراطات الأمريكية الصهيونية.

الملتقى شارك فيه ما يقارب الخمسة آلاف، من ستين دولة، بينهم رؤساء وأعضاء مجالس هيئات المجتمع المدني العربية، وممثلو الجاليات العربية في المهجر، والعديد من الشخصيات دولية المكانة في مقدمتهم مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا السابق، والمطران كبوتشي وجورج جالوي.

كما تمثلت فيه جميع فصائل المقاومة الفلسطينية، وإن بحضور متميز لحماس. وبرغم استنكاف الرئيس محمود عباس وأركان سلطته عن المشاركة، ألقى رجل “فتح” التاريخي فاروق القدومي كلمة “منظمة التحرير الفلسطينية” في حفل الافتتاح، مديناً اتفاق أوسلو والمفاوضات العبثية. ولم يأخذ المؤتمر طابعاً فصائلياً برغم حضور حماس المتميز، وإنما كان وطني الطابع قومي التوجه. إذ كان قوميو الالتزام غالبية المتحدثين في ندوات الملتقى الخمس والعشرين، التي شارك فيها مائتان وخمسة مفكرين وسياسيين وإعلاميين ورموز مقاومة.

ولمركزية الالتزام بحق اللاجئين في العودة لديارهم، واستعادتهم أملاكهم التي تشكل 92% من مساحة “إسرائيل”، والتعويض عليهم عن معاناتهم في زمن اللجوء القسري، وللموقع الذي يحتله هذا الالتزام في الفكر والحراك السياسي الوطني الفلسطيني والقومي العربي، ونظراً لخطورة ما يتهدد الحقوق المشروعة لستة ملايين لاجئ في فلسطين المحتلة من النهر إلى البحر والشتات العربي والدولي، لكل ذلك متفاعلاً احتل حق العودة الأولوية في كلمات الافتتاح وندوات الملتقى، التي بحثت بعمق وشمول أبعاده السياسية والحقوقية والثقافية والدينية والقومية، وموقعه في شرعة حقوق الإنسان، وصلته بقضية القدس، وبالحق المشروع بالمقاومة، ودور هيئات المجتمع المدني تجاهه، والموقف “الإسرائيلي” منه، وأوضاع اللاجئين في الوطن المحتل والشتات العربي والدولي.

ولأن حق العودة هو المكوّن الأساسي للقضية الفلسطينية، كان منطقياً أن تحظى مختلف جوانب القضية باهتمام الملتقين وأن تشغل بها ندواتهم. فالمقاومة وصلتها بحق العودة كانت موضوع ندوتين شارك في إدارتهما والحديث فيهما رموز قيادية من مختلف فصائل المقاومة، مؤكدة أنه في مواجهة التحالف الاستعماري الصهيوني تظل المقاومة هي الخيار الاستراتيجي للشعب الفلسطيني وأمته العربية، وموضحة أن تجارب ما يجاوز قرناً من الصراع الممتد مع الاستعمار الاستيطاني العنصري الصهيوني ورعاته على جانبي الأطلسي، تدل دلالة قاطعة على أن المعركة التي فجرها تواجده القسري على التراب العربي الفلسطيني، إنما هي “مباراة صفرية” لا تحسم بالتنازلات، ولو كانت متبادلة، وإنما بالصراع الطويل الممتد الذي يحسمه الطرف الأكثر استعداداً للتضحية والصبر على المعاناة. والصراع العربي التاريخي مع الغزاة عبر الزمن يشهد لشعب فلسطين وأمته العربية بالقدرة الفذة على العطاء والصمود حتى دحر الغزاة. وفي مستجدات ومتغيرات الصراع العربي الصهيوني، ما يؤشر إلى أن الزمن لم يسر لمصلحة التحالف المضاد، بدليل أن الشعب العربي في فلسطين ولبنان أخطر اليوم على حاضر “إسرائيل” ومستقبلها من أي وقت مضى، للمكانة التي باتت تحتلها المقاومة في الحراك الوطني الفلسطيني واللبناني، كما في فكر ووجدان القوى الوطنية ما بين المحيط والخليج.

وفي تناول الملتقين لحصار غزة، أوضح أكثر من عالم في القانون الدولي ومختص بحقوق الإنسان، أن فرض حصار الجوع على الصامدين في قطاع الممانعة والمقاومة انما هو ممارسة لجريمة التطهير العرقي، بموجب اتفاقيات جنيف للعام 1949 وشرعة حقوق الإنسان. وهي جريمة المسؤول عنها تاريخياً وأخلاقياً ليس فقط صناع قرار التحالف الأمريكي الصهيوني، الآمرين بالحصار عقاباً لممارسة مواطني الضفة والقطاع حقهم الديمقراطي، وانما أيضاً كل من التزم بقرار التحالف المعادي وأسهم في الإبقاء على حصار الجوع، أياً كانت أسبابه.

وفي الختام جرى تكريم رموز النضال الفلسطيني التاريخيين: بسام الشكعة وبهجت أبوغريبة ود. أنيس الصايغ وأحمد اليماني ود. سلمان أبو ستة. ثم تلا خالد السفياني، أمين عام المؤتمر القومي العربي، “إعلان دمشق” بدعم حق العودة والمقاومة، والمطالبة برفع الحصار عن قطاع الممانعة والمقاومة، وتأييد المقاومة في العراق المحتل، ودعم مختلف قضايا التحرر العربي. ويمكن القول، وبكثير من الثقة، إن الملتقى حقق نجاحاً فاق ما كان متوقعاً، الأمر الذي يدل دلالة قاطعة على ما تختزنه الأمة العربية والشعوب الإسلامية من إرادة الممانعة والمقاومة ورفض المساومة والاستسلام.

والسؤال الأخير: هل سيكون لرسالة الملتقى صداها لدى المهرولين للصلح والتطبيع وما يقتضيه ذلك من تفريط في حق العودة والمقاومة، وإهدار الثوابت الوطنية الفلسطينية، أم أنهم عن الاستجابة لنبض الشارع العربي ممتنعون؟
"الخليج"

التعليقات