31/10/2010 - 11:02

مرحلة التحالف في الصراع العربي الإسرائيلي!../ سمير كرم

مرحلة التحالف في الصراع العربي الإسرائيلي!../ سمير كرم
بلا مقدمات .. فالمقدمات أحيانا ما تكون محاولات للالتفاف حول الحقائق الجوهرية.

الحقيقة الجوهرية الجديدة هي أن الصراع العربي الإسرائيلي مرشح للدخول في مرحلة تاريخية ومصيرية لم يدخلها من قبل .. مرحلة انعطاف نحو إحلال تحالف بين النظام العربي المعتدل والنظام الإسرائيلي المتطرف.
فالنظام العربي المعتدل ـ ولا نقول النظم المعتدلة ـ أصبح موحدا أو واحدا في طريقة تعامله مع إسرائيل والصراع العربي ـ الإسرائيلي، ولم يكن ينقصه إلا أن يتوحد لكي يصبح صالحا لفكرة التحالف مع العدو «السابق» إسرائيل.

كادت الخشية من بروز التطرف الاسرائيلي وصعوده الى السلطة ممثلا في بنيامين نتنياهو تظهر كحاجز دون إتمام فكرة إقامة تحالف بين إسرائيل والنظام العربي المعتدل. ولكن هذه الخشية لم تلبث أن زالت بسهولة قياسية، بمجرد أن تذكر أصحاب مشروع التحالف كأساس جديد لحل الصراع العربي الإسرائيلي، وبالأحرى إزالته، أن بداية السلام، أي الصلح المنفرد الذي أجراه رئيس مصر أنور السادات قبل ثلاثين عاما مع إسرائيل، إنما جرت لأن التطرف البيغيني كان في السلطة في إسرائيل.

وكادت الخشية من بروز الحرج السعودي من الانتقال من وضع المعارضة الدينية أو شبه الدينية لأي تصالح مع إسرائيل الى وضع التحالف، تقف حاجزا دون فكرة التحالف. ولكن هذه الخشية بدورها لم تلبث أن توارت. فقد برهنت السعودية على قدرتها على التقدم بخطوات غير رسمية تجاه إسرائيل تحمل تباشير الرغبة في السلام، وكانت أهمها المبادرة السعودية (العربية) التي تبنتها قمة بيروت العربية في عام 2002. ولم تلبث السعودية أن برهنت على قدرتها على المساهمة بالدور الاكبر في إزاحة إسرائيل من موقع العدو الأول والرئيسي للعرب (والمسلمين) بالعمل الدؤوب والملح على إحلال إيران في هذا الموقع، مستخدمة عددا من الحجج والذرائع الدينية والمذهبية والطائفية والسياسية ... وأكثر.

وكانت الخشية من بروز اشمئزاز مصري رسمي من فكرة أن تزيح السعودية مصر من موقع الزعامة للنظام المعتدل العربي لدى الدخول الى مرحلة التحالف، أن تشكل عقبة أمام الفكرة الأميركية الجديدة: تحالف بين نظام الاعتدال العربي ونظام التطرف الإسرائيلي ضد إيران ... لكن هذه الخشية لم تلبث أن اختفت، بل كادت أن تؤكد أنها لن تظهر أساسا. فإن القاهرة المعتدلة تخجل من أن تبدو زعيمة أمام السعودية في أي مجال، على عكس ما تشعر به أمام ايران. والسعودية من جانبها تعرف كيف تتعامل مع مصر على النحو الذي يجعلها ترضى بالمركز الثاني في نظام الاعتدال.

ولا يعني هذا انه لا عوائق أو عقبات أمام مشروع التحالف العربي ـ الإسرائيلي الذي تسفر عنه أفكار «التغيير» التي حملت باراك أوباما الى الرئاسة الأميركية ومعه هيلاري كلينتون الى رئاسة الدبلوماسية الأميركية. لكنها كلها عوائق وعقبات تقع خارج نطاق الاعتدال العربي .. حيث لجماهير الشعوب العربية رأي مختلف، ومن الممكن ـ هكذا ثبت في أحوال ماضية كثيرة ـ منع هذا الرأي من أن يتحول الى موقف، الى معارضة، الى ثورة.

وقد جاهرت السيدة كلينتون بفكرة التحالف بين الاعتدال العربي والتطرف الاسرائيلي في بيان لها أمام الكونغرس عن حل الصراع بين العرب وإسرائيل من باب توحيد عدائهما في مواجهة «الخطر الإيراني»، وهي ان كانت قد تراوحت أو تذبذبت بين تعبيري التحالف والائتلاف في هذا البيان إلا انه كان من الواضح تماما أنها تعني الشيء نفسه. وكان واضحا بالمثل انه كانت تعني أيضا تحالفا يتجاوز التصدي للخطر الإيراني ليبقى أساسا للعلاقات العربية الإسرائيلية في الأمد البعيد.

وعندما قال رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو، أثناء وجوده في واشنطن، ان الخطر الايراني أولوية تسبق في تقدير إسرائيل أي خطر آخر على إسرائيل وعلى العرب وعلى الولايات المتحدة. بما في ذلك خطر الصراع العربي ـ الاسرائيلي. وعندما ربط بين التصدي للخطر الايراني والعودة الى التفاوض مع الفلسطينيين فإنه كان يستجيب، على طريقته وعلى النحو الذي يحقق ما تريد إسرائيل، لفكرة التحالف مع النظام العربي المعتدل ضد إيران.

وليس واضحا بعد اذا كان الرئيس الاميركي أوباما سيطرح هذه الفكرة، فكرة التحالف، ضمن ندائه الى العالم الإسلامي من القاهرة يوم 4 حزيران / يونيو المقبل. وان كان منطق المناسبة يستبعد ذلك. فليس من المعقول أن يبقى أوباما على رأيه بفتح الباب أمام مفاوضات أميركية إيرانية، وان يطرح على العالم الإسلامي في الوقت نفسه فكرة تحالف عربي إسرائيلي ضد ايران، وهو يعرف ـ بالتأكيد يعرف ـ ما هي إيران بالنسبة للعالم الإسلامي.

لكن لزيارة أوباما للقاهرة هدفا آخر غير توجيه النداء الأميركي الى العالم الإسلامي بضرورة الاحترام المتبادل بينهما محل العداء الاستراتيجي والثقافي وشبه الديني بينهما. ونعني هدف التقدم بمبادرة بشأن حل الصراع العربي الإسرائيلي .. وان لم تتضح بشكل كاف حتى الآن السمات الأساسية لهذه المبادرة. مع ذلك يمكن الجزم بأنها ترتكز أساسا على فكرة التحالف هذه. واذا كان قد دار حوار طويل ومعقد حول وقوع اختيار أوباما على القاهرة (بعد أنقرة) كمركز إسلامي مهم يوجه منه نداء أميركيا جديدا الى العالم الإسلامي، إلا أن العامل الرئيسي الذي لعب دوره في هذا الاختيار هو رغبة واشنطن أوباما في تقوية مكانة النظام المصري عربيا وإسلاميا لحساب مشروع التحالف مع إسرائيل. الأمر الذي يعكس حالة عدم اطمئنان أميركية (لدى الادارة الاميركية ولدى الكونغرس على السواء) إزاء وضع النظام المصري، خاصة ميله في الحقبة الأخيرة الى انتهاج سياسات غير ديموقراطية تجاه التيارات والجماعات المعارضة وبعض زعاماتها وإزاء الصحافة المعارضة والمستقلة.

وبالمقابل فإن النظام المصري بذل أقصى ما بوسعه لتأكيد اقترابه من اسرائيل، خاصة ابتداء من حرب إسرائيل على غزة في نهاية العام الماضي وبداية العام الحالي، وتعاون القاهرة بالكامل مع تل أبيب في ما يتعلق بمعبر رفح المصري (الوحيد بين مصر وغزة ) وفي ما يتعلق بالأنفاق التي يقال إنها تستخدم في التهريب بين مصر والقطاع. وأخيرا استقبال نتنياهو في مصر بدون شروط وبقدر مفرط من المودة.

وقد اختار النظام المصري أن يتعامل مع إسرائيل على أساس قاعدة: ان حليف حليفي هو حليفي .. بمعنى أن مصر حليف لأميركا شأنها شأن اسرائيل، وبالتالي فإن اسرائيل أقرب ما تكون الى حليف لمصر، وان بصورة غير مباشرة. ويجدر بالذكر هنا أن مصادر مصرية قالت لصحيفة «الشروق» المصرية قبل أيام إن مصر على علم بكل تفاصيل المشروع الاسرائيلي لإقامة سياج على الحدود بين مصر وإسرائيل، و«ان حديثا مباشرا دار في هذا الشأن بين القاهرة وتل أبيب، وان مصر ليس لديها أي تحفظ قانوني على بناء هذا السياج لأنه لن يقع على الأراضي المصرية، وترى مصر انه يمثل رسالة إيجابية بشأن رغبة إسرائيل في التعايش والاندماج في المنطقة».

وكانت القاهرة الرسمية قد أبدت في الأسابيع الأخيرة، منذ بداية قصة «خلية حزب الله في مصر»، استياء إزاء صمت واشنطن عن التعبير عن موقف صريح تجاه هذه الخلية. وتردد ان السفارة الأميركية في القاهرة طلبت من وزارة الخارجية المصرية أن لا تتوقع مشاركة أميركية من أي نوع في هذا الموضوع. ولهذا فإن زيارة أوباما الى القاهرة هي سلوك تعويضي عن مشاعر عدم ارتياح لدى النظام المصري من إدارة أوباما (...) مع ذلك فإن السفارة الأميركية أبدت لبعض الصحافيين المصريين استياء من أن زيارة أوباما للقاهرة لمخاطبة الرأي العام العربي والإسلامي لم تعامل إلا كحدث مصري بحت ولم تقابل بتحضير عربي أوسع يواكبها ويدل عليه مدى أهميتها عربيا وإسلاميا.

أما عن مبادرة السلام الأميركية التي ينتظر أن يعلنها أوباما من القاهرة فإن ما أعلن عنها حتى الآن من مصادر أميركية وإسرائيلية (لا شيء من مصادر مصرية) إنما يعطي إشارات الى أنها لن تكون جديدة تماما، بل ستكون بمثابة تعديلات على المبادرة السعودية (العربية)، بل ستكون هذه التعديلات استجابة لطلبات إسرائيلية محددة. وفي هذا المجال قال نائب وزير الخارجية الإسرائيلي داني ايالون إن المبادرة الأميركية لن تكتمل دون التشاور مع إسرائيل وقال ـ من ناحية اخرى ـ إن ما يقوله الرئيس أوباما لا يختلف جوهريا عما كان يقوله الرئيس السابق جورج بوش «باستثناء حديث أوباما عن تسوية إقليمية، وهذا أمر ليس متناقضا بالضرورة مع مصلحة إسرائيل».

وعلى الرغم من الكلام الكثير الذي دار عن خلافات بين أوباما ونتنياهو في اجتماعهما الأخير في واشنطن، فإن المصادر الأميركية والإسرائيلية حرصت على التأكيد أنهما يدركان «أهمية العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وإسرائيل وضرورة عدم المساس بها كعلاقات ذات أهمية وجودية بالنسبة لإسرائيل وبالنسبة لأي إدارة أميركية بالمثل» حسب تعبير صحيفة هآرتس الإسرائيلية المستقلة. وقد أصبح في حكم المؤكد انهما اتفقا في واشنطن على تشكيل مجموعات عمل: (1) بشأن ايران، (2) المستوطنات الإسرائيلية، (3) وبشأن تطبيع العلاقات الاسرائيلية العربية.

والمعتقد أن مجموعات العمل هذه منحت فرصة حتى وقت زيارة أوباما المقبلة لإسرائيل ..التي لم يحدد وقتها بعد.

بالتالي يمكن القول إن مشروع التحالف بين النظام العربي المعتدل وإسرائيل ليس محددا بوقت. ويعكس هذا إدراكا لدى الأطراف جميعا بأنه لن يكون مشروعا سهلا. وان العقبات التي يمكن أن تواجهه من خــارج أطرافه الثــلاثة (نظام الاعتدال العربي ـ نظام التطرف الإسرائيلي ـ ونظام التغيير الأميركي) قد لا يمكن الاستهانة بها.
"السفير"

التعليقات