31/10/2010 - 11:02

مسؤولية فتح وحماس عن الأزمة الفلسطينية الراهنة../ ماجد كيالي

مسؤولية فتح وحماس عن الأزمة الفلسطينية الراهنة../ ماجد كيالي
منذ صعود حركة "حماس" إلى سدّة السلطة (آذار/مارس 2006، وسيطرتها على الحكومة وعلى غالبية المجلس التشريعي، بدا واضحا أن عجلة النظام الفلسطيني لا تشتغل بطريقة سليمة أو بنّاءة، بل إنها تشتغل بدولابين متعاكسين، لأسباب عدة، أهمها:

1ـ إن حركة فتح، التي تآكل دورها في القيادة والسلطة، ظلت تمسك بسدّة رئاسة السلطة، كما برئاسة المنظمة، التي تمثل المرجعية العليا للسلطة الفلسطينية، بشخص الرئيس أبو مازن. وما فاقم الأمر أن غالبية العاملين أو الموظفين في أجهزة الأمن، وأجهزة السلطة، هم من منتسبي حركة فتح أو من المتعاطفين معها.

2 ـ إن حركة "حماس" لم تسهّل البتّة لأبي مازن، فهي، مثلا، منذ البداية شكلت حكومة أحادية، وخلقت واقعا من ازدواجية السلطة، أو ازدواجية المرجعية، في مواجهة موقع الرئيس، برغم أن شرعية الرئيس لا تقل عن شرعيتها، وعلى الرغم من معرفتها أن الرئيس هو مرجعية السلطة!

3 ـ أن الكيان الفلسطيني، من الأساس، قام وفق شروط ومعايير، محلية وإقليمية ودولية، لا تتلاءم مع توجهات حماس السياسية؛ خصوصا بعد أن بدا عدم أهلية حماس لمغادرة موقعها المعارض للعملية السياسية التي قامت على أساسها عملية التسوية، التي أنجبت الكيان الفلسطيني.

4 ـ إن حركتي "فتح" و "حماس" باتتا تحتكران المشهد الفلسطيني كله (تقريبا)، بعد تآكل مسار التعدد والتنوع في الساحة الفلسطينية، بسبب إمكانيات هاتين الحركتين، وتراجع نفوذ الفصائل الأخرى، ما عزّز من روح الاستقطاب والتنافس السياسي والميداني بينهما.

المعضلة أن أزمة النظام الفلسطيني، الناشئة عن كل ما تقدم، لم تقتصر على مجرد الاشتباك (بين فتح وحماس) في المجالات الدستورية التي ذكرناها، ولا على مجال الصراع على السلطة، فحسب، بين هاتين الحركتين، بوسائل متعددة بينها اللجوء للاقتتال والاتهامات، فهذه الأزمة اشتملت، إضافة إلى ما تقدم، على:

أولا، التصارع على تحديد المرجعية السياسية للساحة الفلسطينية، وتعيين خياراتها السياسية الاستراتيجية (التسوية أو الصراع)، وهنا مربط الفرس ومكمن التعقيد فيها.
ثانيا، إن هذه الأزمة بات لها مداخلات دولية وإقليمية، تتمثل بفرض آليات الحصار والعزل على الشعب الفلسطيني، وعلى كيانه السياسي، ووقف معونات الدول المانحة له، الأمر الذي يفترض معالجات وطنية مشتركة للخروج من هذه الدائرة.
ثالثا، ثمة في هذه الأزمة محاولة لإقحام الساحة الفلسطينية بالتوظيفات الدولية والإقليمية في الصراع المحتدم، في هذه المرحلة، على الشرق الأوسط، ما يصعب على الأطراف المعنية إيجاد حلول توافقية مناسبة.
رابعا، إن هذه الأزمة تحصل في ظل انسداد مختلف الخيارات، من العملية السياسية، إلى عملية المقاومة، أو الانتفاضة، لاسيما بعد أن استنزفت طاقات الفلسطينيين، طوال السنوات الخمس الماضية، بسبب الإجراءات الإسرائيلية، والفوضى والخلافات الداخلية.
خامسا، ثمة وجه اجتماعي ـ إنساني لهذه الأزمة فثمة 160 ألف من موظفي السلطة لم يتقاضوا البتة رواتبهم منذ أشهر عديدة، ما يفاقم من حدة الفقر، ومن المشكلات الاجتماعية والأخلاقية في المجتمع الفلسطيني، وما يقود إلى الفوضى ويسهل التوظيفات الخارجية.
سادسا، إن الأطراف المعنية مباشرة في هذه الأزمة، والمقصود هنا فتح وحماس تحديدا، هي أطراف مسلحة، والمشكلة أن هذه الأطراف ولجت حال الاقتتال الجانبي، الذي لا يحمد عقباه، لاسيما في ظل التحريض المتبادل، وفي ظل التشدق بالعبارات التخوينية والتكفيرية والاتهامية، كل طرف لأخر.

عموما فإن جميع القوى الفلسطينية الفاعلة (وخصوصا فتح وحماس)، تتحمل قسطها من المسؤولية عما حصل. أما مسؤولية حماس تحديدا، في الأزمة الراهنة، فهي تنبع أولا من كونها هي التي بادرت إلى عملية الاقتتال والحسم العسكري في قطاع غزة. وثانيا، أنها رفضت حل مشكلة ازدواجية السلطة بوسائل الحوار وبالأساليب الديمقراطية عبر الذهاب نحو استفتاء شعبي بشأن تنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة، وأنها كانت ترى في ذلك مؤامرة عليها.

وللأسف فإن حركة حماس في هذا وذاك لم تتعاط بشكل لائق على أساس أن حركة فتح والسلطة والرئيس أبو مازن قاوما الضغوط الأمريكية والإسرائيلية بشأن إخراجها من النظام الفلسطيني، وحرمانها من الدخول في الانتخابات، وضرب بنيتها التحتية. كما لم تتعاط حماس بشكل لائق مع الرئيس أبو مازن بوصفه فرض على حركته فتح خوض الانتخابات في ظروف غير مواتية لهذه الحركة، بعد رحيل الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، وأنه المسؤول عن نقل السلطة إليها، برغم ما شاب كل ذلك من شوائب أو تقصيرات.

أيضا فإن مسؤولية حماس إزاء ما حصل، تنبع من كونها انخرطت في السلطة، من موقع النقيض، أو من موقع معارضة أو مناهضة المرجعيات التي تأسست عليها هذه السلطة، وهي عملية التسوية مع إسرائيل كما تمثلت باتفاقيات أوسلو (1993). وأنها دخلت النظام الفلسطيني من بوابة السلطة الناشئة عن عملية التسوية، في حين أنها مانعت الدخول من بوابة منظمة التحرير، وهي المنظمة الأكثر تمثيلا وتعبيرا عن الشرعية والوطنية لدى الفلسطينيين. فوق هذا وذاك فإن حركة حماس كانت أصرت على تشكيل حكومة حمساوية بعد فوزها في الانتخابات التشريعية، ظنا منها أنها منحت تفويضا مطلقا، يبيح لها أخذ الشعب الفلسطيني حيث تريد، بعيدا عن الاجماعات والشرعيات الفلسطينية التاريخية، وبعيدا عن المعطيات الدولية والإقليمية المحيطة بالقضية الفلسطينية، ومن دون اعتبار لشرعية الرئيس أبو مازن التي لا تقل عن شرعيتها.

أما مسؤوليات حركة فتح إزاء ما حصل، فهي تتمثل بعدم هضم هذه الحركة للهزيمة التي لحقت بها في الانتخابات التشريعية، وعدم استيعابها لفكرة وجود شريك سياسي يقاسمها التقرير بشؤون الشعب الفلسطيني. وفي مدى أعمق فإن مسؤوليات حركة فتح، إزاء ما جرى، تكمن في أنها ظلت على الدوام تستهتر بالتغيرات والتحولات الحاصلة في الساحة الفلسطينية، وأنها استمرأت العيش على تاريخها النضالي، وأنها لم تجر أية مراجعة لإصلاح أوضاعها وتطوير خطاباتها وأشكال عملها. وأنها لم تكرس العلاقات المؤسسية والديمقراطية والتشاركية في النظام السياسي الفلسطيني.

على أية حال وبغض النظر عن توزيع المسؤوليات فإن الساحة الفلسطينية تقف اليوم، أي بعد التطورات المتعلقة بسيطرة حركة حماس على قطاع غزة بالوسائل العسكرية، وقيام الرئيس الفلسطيني بحل حكومة الوحدة الوطنية وتشكيل حكومة طوارئ، في مواجهة خيارين، لا ثالث لهما، فإما التوافق بين «فتح» و «حماس»، وغيرهما، على قواسم سياسية وميدانية مشتركة، لمواجهة السياسات الإسرائيلية، ولإدارة الوضع الداخلي، وتوطيد بنيان الكيان الفلسطيني، وإما التحول نحو حسم واقع الازدواجية والتعادل بينهما بالوسائل الديموقراطية والدستورية، عبر تنظيم انتخابات مبكرة رئاسية وتشريعية في آن معاً، للحسم في مجمل القضايا السياسية المختلف عليها، بما يضمن تجاوز الواقع الإشكالي الناشئ، عن الاقتتال والانقسام والاختلاف، بشكل لائق وحضاري، وبما يضمن سلامة المسيرة الفلسطينية أيضاً.

وفي الواقع فإن الوضع الفلسطيني الراهن لا يتحمل "ترف" الإيغال في الخلاف والانقسام والعناد، لحسابات فصائلية ضيقة، لأن البديل عن الخيارين المذكورين هو استمرار الاقتتال المجاني والعبثي، ما يضر بالقضية وبالشعب وبالحركة الوطنية.

التعليقات