31/10/2010 - 11:02

مصالحة "فتح" أو معاقبة "حماس".. كيف؟./ د.عصام نعمان*

مصالحة
قال محمود عباس في القاهرة بعد اجتماعه بوزراء الخارجية العرب: إن مسار التفاوض مع "إسرائيل" يخضع لمبدأ استراتيجي مهم وهو "لا اتفاق على شيء إلاّ بالاتفاق على كل شيء".

"إسرائيل" أعلنت بلسان رئيس حكومتها والكثير من الوزراء والمسؤولين والعسكريين والكتّاب السياسيين ان لا فرصة للاتفاق على "كل شيء" مع الفلسطينيين قبل نهاية العام الحالي.

عبارة "كل شيء" تعني، في المقام الأول، قضايا القدس والاستيطان والعودة. فلا المؤسسة السياسية والعسكرية الحاكمة في "إسرائيل" مستعدة لتقديم التنازلات اللازمة التي يطلبها الفلسطينيون حيال القضايا المشار إليها، ولا الفلسطينيون مستعدون للموافقة على أي تسوية لا تتضمن التنازلات المطلوبة حيال كل القضايا العالقة.

لا تسوية، إذاً، قبل انصرام ولاية جورج بوش. هذا الأمر يشكّل إحباطاً، إن لم نقل مشكلة، لكلٍ من الولايات المتحدة و "إسرائيل" والفلسطينيين والنظام العربي. ماذا سيفعل هؤلاء الأطراف لمعالجة الاحباط والمشكلة البازغة؟

واشنطن ستحاول إنقاذ سمعتها أمام العالم، وخصوصاً أمام العالم العربي والإسلامي. فبحسب المراسل السياسي للقناة الثانية في التلفزيون "الإسرائيلي"، ثمة مبادرة أمريكية جديدة ستظهر لعقد اجتماع دولي على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك بعد أسبوعين لعرض التقدم في المفاوضات بين "إسرائيل" والفلسطينيين. وتريد كوندوليزا رايس تحقيق غرضين من وراء هذه المبادرة: الأول، "تبرئة ذمة" أمريكا بإظهار الجهود التي بذلتها في إطار اللجنة الرباعية للتوفيق بين الطرفين. الثاني، عرض ما توصل إليه الطرفان من نتائج قبل تفرّق شمل القادة الذين عملوا على تحقيقها بسبب انتهاء الولاية ( بوش وعباس) أو الاستقالة بسبب الفساد (اولمرت) أو احتمال إجراء انتخابات نيابية في "إسرائيل" إذا لم يفز أي من المرشحين لزعامة حزب "كاديما" بنسبة تزيد على 40 في المائة من الأصوات.

"إسرائيل" ستحاول تبرئة ساحتها برد الفشل والإحباط إلى خلافات الفلسطينيين فيما بينهم وبالتالي عجز محمود عباس وفريقه عن اتخاذ قرار بقبول ما تعرضه "إسرائيل" من تنازلات في شأن قضايا الوضع النهائي.

الفلسطينيون في وضع لا يحسدون عليه. قادة المنظمات مختلفون حتى حدود التناحر، والقواعد الشعبية مصدومة وحائرة حتى حدود الإحباط. غير ان عباس لا يكفّ عن الحركة، فلسطينياً وعربياً ودولياً، من اجل إقناع واشنطن ببذل ضغوط على "إسرائيل" لتقديم التنازلات المطلوبة منها، وإقناع المسؤولين العرب بتحميل "حماس" مسؤولية عرقلة جهود المصالحة أملا بدفعها إلى إعادة الوضع في قطاع غزة إلى ما كان عليه قبل انفجار الخلاف وإخراج "فتح" من القطاع، وإقناع سائر المنظمات وجمهورها بضرورة التبكير في إجراء الانتخابات الرئاسية والنيابية قبل انتهاء ولايته في 9/1/2009.

لعل ابرز المحبطين والمحرجين قادةُ النظام العربي. هم يدركون مخاطر استمرار الخلافات بين "حماس" و "فتح" إلى ما بعد انتهاء ولايتي عباس وبوش وانعكاسها سلباً وحتماً على الوضع العربي عموماً وعلى أوضاع مصر والأردن وسوريا ولبنان خصوصا.

مصر محبطة وستكون محرجة جداً إذا ما بقي الحصار مضروباً على قطاع غزة لأن الفلسطينيين يتهمون حكومتها بأنها شريك رئيس في تنفيذه. لكنها محرجة ايضاً تجاه تل أبيب إذا ما تغاضت هي عن بقاء "حماس" مسيطرة على القطاع وناشطة في إدارة مئات الأنفاق التي تؤمّن نقل مختلف أنواع السلع والمعدات والمواد إلى داخله.

الأردن مدرك لمخاطر بقاء الخلافات قائمة ومتفاقمة بين المنظمات الفلسطينية من جهة ومن تقصير أمريكا وربما رفضها الضغط على "إسرائيل" لتقديم التنازلات المطلوبة منها بغية التوصل إلى التسوية المقبولة من الفلسطينيين من جهة أخرى.

سوريا محرجة إذا ما طالبها قادة النظام العربي بالانضمام إليهم في مسألة إدانة "حماس" لعرقلتها عملية المصالحة، بل وبمطالبتها بما هو أخطر: ان يقود ضابط سوري قوة ردع عربية للانتشار في قطاع غزة بما يؤدي إلى الاصطدام بحركة "حماس" سياسياً وميدانياً.

لبنان الذي ما زال حبل الأمن فيه مضطرباً يخشى ان يؤدي استمرار خلافات المنظمات الفلسطينية إلى ما بعد نهاية العام الحالي إلى انتقالها إلى لبنان وانفجارها في مخيمات اللاجئين حيث تتواجد أيضا مجموعات ناشطة من الإسلاميين السلفيين، يناصب بعضها حكومة لبنان العداء، ويتخذ بعضها الآخر موقفاً سلبياً إما من "فتح" أو من "حماس".

الأخطر من كل هذه المخاطر والاحتمالات قيام قادة النظام العربي، عبر وزراء خارجيتهم في ختام اجتماعاتهم في القاهرة أخيراً، باتخاذ موقف عجيب غريب، بالغ الحدة، وغير مسبوق بمعاقبة من يرفض المصالحة بين الفلسطينيين ! ذلك ان القادة العرب كانوا يحرصون دائما، عبر الجامعة العربية، على التوفيق بين الأطراف المتنازعين وعدم الانحياز إلى طرف دون آخر. هذا ما فعلوه دائما، وكان آخر نشاط لهم في هذا المجال دعوة الأطراف اللبنانيين المتنازعين إلى مؤتمر الدوحة وحثهم على المصالحة والتوافق، ونجاحهم الملحوظ في هذا السبيل. فما عدا مما بدا حتى ينذر وزراء الخارجية العرب الفصائل الفلسطينية بمعاقبة من يرفض منها المصالحة التي تسعى إليها مصر بينهم منذ مدة؟

ثمة مخاوف متعددة في مجال الإجابة عن هذا السؤال أبرزها ثلاثة:

* أولها، ان تنهار عملية المفاوضات الدائرة منذ عشرين سنة بين "إسرائيل" ومنظمة التحرير (والسلطة) الفلسطينية ما قد يؤدي إلى انفجار الوضع فلسطينيا وعربياً ودفع المنطقة التي تمزقها الحروب والاضطرابات إلى معاناة المزيد منها وربما على نحو أعنف وأقسى.

* ثانيها، احتمال انهيار "النظام" الفلسطيني نفسه تحت وطأة انحياز النظام العربي إلى أحد أطرافه، "فتح"، مع تعذر إجراء انتخابات رئاسية لتجديد ولاية محمود عباس المنتهية في 9/1/،2009 ومخاطر التداعيات الناجمة عن ذلك، لاسيما على مصر والأردن.

* ثالثها، احتمال نشوء انقسام جديد وعميق في صفوف الشعب الفلسطيني عقب انهيار "النظام"، ذلك أن بعضاً من الفصائل والقوى سيتجه إلى التخلي عن خيار "دولة لكل من الشعبين" ("الإسرائيلي" والفلسطيني) واعتماد خيار "دولة واحدة للشعبين معا"، فيما يتجه بعضها الآخر إلى اعتبار انهيار "النظام" دليلاً على سقوط خيار "دولة لكل من الشعبين" وتعزيزاً للخيار الأصلي والأصيل الداعي إلى المقاومة من اجل تحرير فلسطين التاريخية من البحر إلى النهر لكون "إسرائيل" غير راغبة وغير قادرة على تقديم أي تنازلات وازنة تسمح بقيام دولة فلسطينية بين النهر والبحر.

هذه المخاوف الثلاثة تقلق، بلا شك، قادة النظام العربي ولعلها السبب الرئيس لاعتمادهم ذلك التحذير بل الإنذار الأخرق الموجّه، في الواقع، إلى "حماس" و" فتح" ومؤداه: إما ان تذعن الأولى إلى مصالحة الثانية على شروط هذه الأخيرة وإما ان تجلب على نفسها عقوبة من جانب النظام العربي بكل أطرافه. هكذا يعاقب الفلسطينيون أنفسهم بخلافاتهم، ويعاقبهم النظام العربي لعدم إزالتها !

بصرف النظر عن مضمون العقوبة المرتقبة وإمكانية تنفيذها فإن إطلاق الإنذار المذكور يحمل ثلاثة معانٍ في آن واحد: إدانة "حماس" دون غيرها بجرم عرقلة المصالحة، وتبرئة "إسرائيل" من أي مسؤولية في هذا الخصوص، وتحميل الشعب الفلسطيني في الواقع، وليس "حماس" وحدها، أعباء العقوبة موضوع الإنذار ما يطرح على قادة النظام العربي سؤالاً اتهامياً: ألا تكفي العقوبات التي تفرضها "إسرائيل" على الشعب الفلسطيني حتى يتبرع بعض قادة العرب أو كلهم بفرض عقوبات إضافية عليه؟!

لا اعتقد ان وزراء الخارجية العرب جادون في معاقبة "حماس" والشعب الفلسطيني. إنذارهم الأخرق ذاك هو للضغط على القادة الفلسطينيين من اجل ان يتصالحوا قبل فوات الأوان... أوان المصالحة على شروطٍ تريد "إسرائيل" فرضها عليهم وتعتقد، مخطئةً، ان بمقدور قادة النظام العربي حمل "فتح" على القبول بها. وإذا كان أبو مازن قد صرح علناً ان "لا إتفاق على شيء إلاّ بالاتفاق على كل شيء"، فلماذا هذا التمرين العربي الرسمي في ديبلوماسية اللاجدوى التي تسيء إلى الفاعلين كما تسيء إلى المفعول بهم؟
"الخليج"قال محمود عباس في القاهرة بعد اجتماعه بوزراء الخارجية العرب: إن مسار التفاوض مع "إسرائيل" يخضع لمبدأ استراتيجي مهم وهو "لا اتفاق على شيء إلاّ بالاتفاق على كل شيء".

"إسرائيل" أعلنت بلسان رئيس حكومتها والكثير من الوزراء والمسؤولين والعسكريين والكتّاب السياسيين ان لا فرصة للاتفاق على "كل شيء" مع الفلسطينيين قبل نهاية العام الحالي.

عبارة "كل شيء" تعني، في المقام الأول، قضايا القدس والاستيطان والعودة. فلا المؤسسة السياسية والعسكرية الحاكمة في "إسرائيل" مستعدة لتقديم التنازلات اللازمة التي يطلبها الفلسطينيون حيال القضايا المشار إليها، ولا الفلسطينيون مستعدون للموافقة على أي تسوية لا تتضمن التنازلات المطلوبة حيال كل القضايا العالقة.

لا تسوية، إذاً، قبل انصرام ولاية جورج بوش. هذا الأمر يشكّل إحباطاً، إن لم نقل مشكلة، لكلٍ من الولايات المتحدة و "إسرائيل" والفلسطينيين والنظام العربي. ماذا سيفعل هؤلاء الأطراف لمعالجة الاحباط والمشكلة البازغة؟

واشنطن ستحاول إنقاذ سمعتها أمام العالم، وخصوصاً أمام العالم العربي والإسلامي. فبحسب المراسل السياسي للقناة الثانية في التلفزيون "الإسرائيلي"، ثمة مبادرة أمريكية جديدة ستظهر لعقد اجتماع دولي على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك بعد أسبوعين لعرض التقدم في المفاوضات بين "إسرائيل" والفلسطينيين. وتريد كوندوليزا رايس تحقيق غرضين من وراء هذه المبادرة: الأول، "تبرئة ذمة" أمريكا بإظهار الجهود التي بذلتها في إطار اللجنة الرباعية للتوفيق بين الطرفين. الثاني، عرض ما توصل إليه الطرفان من نتائج قبل تفرّق شمل القادة الذين عملوا على تحقيقها بسبب انتهاء الولاية ( بوش وعباس) أو الاستقالة بسبب الفساد (اولمرت) أو احتمال إجراء انتخابات نيابية في "إسرائيل" إذا لم يفز أي من المرشحين لزعامة حزب "كاديما" بنسبة تزيد على 40 في المائة من الأصوات.

"إسرائيل" ستحاول تبرئة ساحتها برد الفشل والإحباط إلى خلافات الفلسطينيين فيما بينهم وبالتالي عجز محمود عباس وفريقه عن اتخاذ قرار بقبول ما تعرضه "إسرائيل" من تنازلات في شأن قضايا الوضع النهائي.

الفلسطينيون في وضع لا يحسدون عليه. قادة المنظمات مختلفون حتى حدود التناحر، والقواعد الشعبية مصدومة وحائرة حتى حدود الإحباط. غير ان عباس لا يكفّ عن الحركة، فلسطينياً وعربياً ودولياً، من اجل إقناع واشنطن ببذل ضغوط على "إسرائيل" لتقديم التنازلات المطلوبة منها، وإقناع المسؤولين العرب بتحميل "حماس" مسؤولية عرقلة جهود المصالحة أملا بدفعها إلى إعادة الوضع في قطاع غزة إلى ما كان عليه قبل انفجار الخلاف وإخراج "فتح" من القطاع، وإقناع سائر المنظمات وجمهورها بضرورة التبكير في إجراء الانتخابات الرئاسية والنيابية قبل انتهاء ولايته في 9/1/2009.

لعل ابرز المحبطين والمحرجين قادةُ النظام العربي. هم يدركون مخاطر استمرار الخلافات بين "حماس" و "فتح" إلى ما بعد انتهاء ولايتي عباس وبوش وانعكاسها سلباً وحتماً على الوضع العربي عموماً وعلى أوضاع مصر والأردن وسوريا ولبنان خصوصا.

مصر محبطة وستكون محرجة جداً إذا ما بقي الحصار مضروباً على قطاع غزة لأن الفلسطينيين يتهمون حكومتها بأنها شريك رئيس في تنفيذه. لكنها محرجة ايضاً تجاه تل أبيب إذا ما تغاضت هي عن بقاء "حماس" مسيطرة على القطاع وناشطة في إدارة مئات الأنفاق التي تؤمّن نقل مختلف أنواع السلع والمعدات والمواد إلى داخله.

الأردن مدرك لمخاطر بقاء الخلافات قائمة ومتفاقمة بين المنظمات الفلسطينية من جهة ومن تقصير أمريكا وربما رفضها الضغط على "إسرائيل" لتقديم التنازلات المطلوبة منها بغية التوصل إلى التسوية المقبولة من الفلسطينيين من جهة أخرى.

سوريا محرجة إذا ما طالبها قادة النظام العربي بالانضمام إليهم في مسألة إدانة "حماس" لعرقلتها عملية المصالحة، بل وبمطالبتها بما هو أخطر: ان يقود ضابط سوري قوة ردع عربية للانتشار في قطاع غزة بما يؤدي إلى الاصطدام بحركة "حماس" سياسياً وميدانياً.

لبنان الذي ما زال حبل الأمن فيه مضطرباً يخشى ان يؤدي استمرار خلافات المنظمات الفلسطينية إلى ما بعد نهاية العام الحالي إلى انتقالها إلى لبنان وانفجارها في مخيمات اللاجئين حيث تتواجد أيضا مجموعات ناشطة من الإسلاميين السلفيين، يناصب بعضها حكومة لبنان العداء، ويتخذ بعضها الآخر موقفاً سلبياً إما من "فتح" أو من "حماس".

الأخطر من كل هذه المخاطر والاحتمالات قيام قادة النظام العربي، عبر وزراء خارجيتهم في ختام اجتماعاتهم في القاهرة أخيراً، باتخاذ موقف عجيب غريب، بالغ الحدة، وغير مسبوق بمعاقبة من يرفض المصالحة بين الفلسطينيين ! ذلك ان القادة العرب كانوا يحرصون دائما، عبر الجامعة العربية، على التوفيق بين الأطراف المتنازعين وعدم الانحياز إلى طرف دون آخر. هذا ما فعلوه دائما، وكان آخر نشاط لهم في هذا المجال دعوة الأطراف اللبنانيين المتنازعين إلى مؤتمر الدوحة وحثهم على المصالحة والتوافق، ونجاحهم الملحوظ في هذا السبيل. فما عدا مما بدا حتى ينذر وزراء الخارجية العرب الفصائل الفلسطينية بمعاقبة من يرفض منها المصالحة التي تسعى إليها مصر بينهم منذ مدة؟

ثمة مخاوف متعددة في مجال الإجابة عن هذا السؤال أبرزها ثلاثة:

* أولها، ان تنهار عملية المفاوضات الدائرة منذ عشرين سنة بين "إسرائيل" ومنظمة التحرير (والسلطة) الفلسطينية ما قد يؤدي إلى انفجار الوضع فلسطينيا وعربياً ودفع المنطقة التي تمزقها الحروب والاضطرابات إلى معاناة المزيد منها وربما على نحو أعنف وأقسى.

* ثانيها، احتمال انهيار "النظام" الفلسطيني نفسه تحت وطأة انحياز النظام العربي إلى أحد أطرافه، "فتح"، مع تعذر إجراء انتخابات رئاسية لتجديد ولاية محمود عباس المنتهية في 9/1/،2009 ومخاطر التداعيات الناجمة عن ذلك، لاسيما على مصر والأردن.

* ثالثها، احتمال نشوء انقسام جديد وعميق في صفوف الشعب الفلسطيني عقب انهيار "النظام"، ذلك أن بعضاً من الفصائل والقوى سيتجه إلى التخلي عن خيار "دولة لكل من الشعبين" ("الإسرائيلي" والفلسطيني) واعتماد خيار "دولة واحدة للشعبين معا"، فيما يتجه بعضها الآخر إلى اعتبار انهيار "النظام" دليلاً على سقوط خيار "دولة لكل من الشعبين" وتعزيزاً للخيار الأصلي والأصيل الداعي إلى المقاومة من اجل تحرير فلسطين التاريخية من البحر إلى النهر لكون "إسرائيل" غير راغبة وغير قادرة على تقديم أي تنازلات وازنة تسمح بقيام دولة فلسطينية بين النهر والبحر.

هذه المخاوف الثلاثة تقلق، بلا شك، قادة النظام العربي ولعلها السبب الرئيس لاعتمادهم ذلك التحذير بل الإنذار الأخرق الموجّه، في الواقع، إلى "حماس" و" فتح" ومؤداه: إما ان تذعن الأولى إلى مصالحة الثانية على شروط هذه الأخيرة وإما ان تجلب على نفسها عقوبة من جانب النظام العربي بكل أطرافه. هكذا يعاقب الفلسطينيون أنفسهم بخلافاتهم، ويعاقبهم النظام العربي لعدم إزالتها !

بصرف النظر عن مضمون العقوبة المرتقبة وإمكانية تنفيذها فإن إطلاق الإنذار المذكور يحمل ثلاثة معانٍ في آن واحد: إدانة "حماس" دون غيرها بجرم عرقلة المصالحة، وتبرئة "إسرائيل" من أي مسؤولية في هذا الخصوص، وتحميل الشعب الفلسطيني في الواقع، وليس "حماس" وحدها، أعباء العقوبة موضوع الإنذار ما يطرح على قادة النظام العربي سؤالاً اتهامياً: ألا تكفي العقوبات التي تفرضها "إسرائيل" على الشعب الفلسطيني حتى يتبرع بعض قادة العرب أو كلهم بفرض عقوبات إضافية عليه؟!

لا اعتقد ان وزراء الخارجية العرب جادون في معاقبة "حماس" والشعب الفلسطيني. إنذارهم الأخرق ذاك هو للضغط على القادة الفلسطينيين من اجل ان يتصالحوا قبل فوات الأوان... أوان المصالحة على شروطٍ تريد "إسرائيل" فرضها عليهم وتعتقد، مخطئةً، ان بمقدور قادة النظام العربي حمل "فتح" على القبول بها. وإذا كان أبو مازن قد صرح علناً ان "لا إتفاق على شيء إلاّ بالاتفاق على كل شيء"، فلماذا هذا التمرين العربي الرسمي في ديبلوماسية اللاجدوى التي تسيء إلى الفاعلين كما تسيء إلى المفعول بهم؟
"الخليج"

التعليقات