31/10/2010 - 11:02

مصر ومأزق الحجاج الفلسطينيين../ أحمد الحيلة*

مصر ومأزق الحجاج الفلسطينيين../ أحمد الحيلة*
أكثر من ألفي حاج فلسطيني عالقون في الأراضي المصرية، جراء اشتراط السلطات المصرية عليهم التوقيع على وثيقة يتعهدون فيها بعودتهم إلى غزة عبر معبر "كرم أبو سالم" الواقع تحت السيطرة الإسرائيلية المباشرة بديلاً عن معبر رفح الخاضع للسيطرة الفلسطينية المصرية المشتركة.

السؤال البديهي الذي يُطرح: لماذا لا تسمح السلطات المصرية للحجاج بالعودة عبر معبر رفح، كما سمحت لهم بالخروج منه لتأدية فريضة الحج؟ أليس هذا هو الإجراء الطبيعي والمنطقي؟!

يدرك المرء أن السبب وراء هذه الأزمة، كون مصر تتعرض لحملة ضغوط من عدة أطراف..؛ فالاحتلال الإسرائيلي يضغط ويحرّض بهدف إحكام الإغلاق والحصار على الفلسطينيين في غزة وعلى الحكومة "المقالة" بقيادة حركة حماس، كما أن الاحتلال لا يريد لخروج ودخول الحجاج من معبر رفح لأن يشكل سابقة تؤدي بالتدريج إلى خلخلة الحصار عبر مصر، المتهمة إسرائيلياً بضعف رقابتها على الحدود المشتركة مع القطاع، وهذا هدف إسرائيليٌ تلتقي معه كل من الولايات المتحدة ورئاسة السلطة الفلسطينية التي أعربت سابقاً عن انزعاجها من موافقة مصر على خروج الحجاج عبر معبر رفح بالتنسيق مع حكومة إسماعيل هنية "المقالة".

هدف تشديد الحصار وخلق المزيد من الأزمات الإنسانية للفلسطينيين في قطاع غزة ـ عودة الحجاج نموذج ـ ، يأتي في وقت تشهد فيه العلاقات الثنائية المصرية ـ الإسرائيلية توتراً بسبب اتهام الأخيرة لمصر بتقصيرها في حفظ أمن الحدود مع القطاع. وذلك عندما هاجمت وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني مصر (24/12) قائلة أمام "الكنيست" الإسرائيلي بأن نشاط القوات المصرية على محور "فيلادلفيا" (الحدود المصرية ـ الفلسطينية) نشاط "سيء"، وبأنه "إشكال يمس التقدم في المسيرة السلمية"، الأمر الذي أغضب القيادة المصرية التي بدت بحسب تصريحات السيدة ليفني وكأنها وكيل أمني لحماية أمن إسرائيل يتلقى درجات التقييم من تل أبيب، هذا في الوقت الذي أعلن فيه الكونغرس الأمريكي عن وقف تحويل دفعة من المساعدات لمصر تقدر بنحو 100مليون دولار، وذلك نتيجة لنشاط اللوبي الصهيوني في واشنطن، ونتيجة لتحريض إسرائيل التي نقلت شريط فيديو ومعلومات استخبارية للأمريكان تدعي فيه ـ حسب المصادر الإسرائيلية ـ أن جنوداً مصريين يتعاونون مع المقاومة الفلسطينية في "تهريب" السلاح إلى غزة..

هذه الأجواء المشحونة والمتوترة جعلت القيادة المصرية غاضبة على السلوك الإسرائيلي المنافي للياقة الدبلوماسية ولعلاقات السلام بين البلدين، كما جعلها حذرة من ردة فعل الإدارة الأمريكية التي تصغي وتثق عادة بالمعلومات الإسرائيلية، هذا في الوقت الذي تحرص فيه مصر على عدم الزج بها في تفاصيل المشهد الفلسطيني المنقسم على نفسه، حتى لا يتسنى لإسرائيل تحميلها مسؤولية فشل مسيرة التسوية ـ المتعثرة أصلاً بفعل الإجراءات الاستيطانية والسياسيات الإسرائيلية على الأرض ـ ، من خلال "اتهامها" بدعم غزة وحركة حماس على حساب "المعتدلين" في رام الله..

ومن هنا أخذت مسألة عودة الحجاج عبر معبر رفح ـ رغم بعدها الإنساني والديني الأصيل ـ بعداً سياسياً وأمنياً إضافياً وأصبحت مادة سياسية يحاول كل طرف أن يستعملها ويوظفها لصالح رؤيته وموقفه من حالة الانقسام والتنافس الفلسطيني الداخلي بأبعاده الخارجية.

ورغم كل ما سيقال.. فإن مسألة الحجاج العالقين في مصر ليست إلا تعبير عن حالة البؤس الفلسطيني، والعجز والهوان العربي، وليس أمام القيادة المصرية إلا السير في إحدى خيارين وذلك على النحو التالي:

الخيار الأول: استجابة مصر للضغوط الإسرائيلية باشتراطها عودة الحجاج عبر معبر كرم أبو سالم، مقابل تراجع الضغوط الإسرائيلية ـ الأمريكية على مصر، وتسهيل وتسارع وصول المزيد من المساعدات الأمريكية لها، الأمر الذي سيعني خذلان مصر للفلسطينيين في غزة التي تربطها بها مسؤولية أخلاقية وأدبية وسياسية بكونها احتلت إسرائيلياً وهي تحت السيادة المصرية، هذا بالإضافة على إتاحة الفرصة للاحتلال باعتقال العشرات من الحجاج المطلوبين، مما سيضع علامة استفهام حول مستقبل ودور الأمن المصري..، ناهيك عن تشوه صورة مصر القومية أمام الرأي العام المصري والعربي الذي سينظر لها بعين الضعف وبأنها دولة قابلة للابتزاز السياسي..

الخيار الثاني: مضي مصر في الوفاء بتعهدها ودورها السيادي بعودة الحجاج الفلسطينيين من معبر رفح الذي خرجوا منه، أي نصرتها للشعب الفلسطيني وحقوقه السياسية والإنسانية..، الأمر الذي سيفضي إلى المزيد من التوتر في العلاقة مع إسرائيل، وذلك مقابل حفاظ مصر على دورها وصورتها الوطنية والقومية أمام الرأي العام المصري والعربي بأنها دولة لا تقبل الابتزاز والإملاءات الخارجية، وبالتالي قطعها الطريق على كل محاولات التدخل في سياستها الداخلية وأمنها القومي.

وبحسبة سياسية مصلحية بعيداً عن المفردات الوطنية والقومية، فإننا نرى مصلحة مصر الدولة في انحيازها للشعب الفلسطيني ولحجاج غزة العائدين، لأن في ذلك تعزيز للنظام المصري الداخلي، باكتساب المزيد من تأييد الرأي العام المصري المعادي بطبيعته للاحتلال الإسرائيلي، والرافض للحصار على غزة..

أيضاً استعادة مصر ولو نسبياً لحيوية دورها ووهج مكانتها الإقليمية المتراجعة في العديد من الملفات السياسية، وذلك بعيداً عن بؤرة الجذب والتأثير الأمريكي المباشر، فمصر دولة عربية إقليمية كبيرة لها مصالحها ولها سياستها الخاصة بها، وهي تتمتع بهامش أكبر من أي دولة عربية أخرى في السياسة الإقليمية بحكم حاجة واشنطن لها وتحديداً في القضية الفلسطينية.

ومن هنا فإن قرار مصر بعودة الحجاج عبر معبر رفح رغم أنه قد يؤدي إلى توتر آني في العلاقات مع إسرائيل، إلا أنه في البعد الاستراتيجي سيرفع من رصيد مصر والقيادة المصرية، بحكم استقلالية قرارها السيادي، وبحكم موقعها الجيوسياسي من فلسطين، وبحكم ظلالها السياسية التاريخية على القضية الفلسطينية.

التعليقات