31/10/2010 - 11:02

ملاحظة سريعة عن العنف / أحمد أبو حسين

ملاحظة سريعة عن العنف / أحمد أبو حسين
العنف يوّلد العنف، الإحتلال والإستعمار يشرعن المقاومة، وعندما تتخبط المقاومة يصبح عملها إرهاباً، وضياع بوصلة "المقاومين" عندما يضربون في كل حدب وصوب حتى وإن كانوا من أهلهم وناسهم، هي بحد ذاتها عهر الارهاب وهي بالطبع من مسؤولية الإحتلال لأنها تجرد الناس أحياناً من إنسانيتهم. ورغم ما يقال فإن المس بالمدنيين هي من المحرمات التي يجب أن تجمع عليها كل قوى حركة المجتمع، ولا مجال هنا للدخول في التفاصيل حول أهمية حسم هذه الموضوعة .

لا نسوق هذا الكلام للحديث عن شرعنة العنف والمقاومة ضد الاحتلال بل للتوقف بعجالة حول ظاهرة العنف المستشرية والمستفحلة في شارعنا العربي خاصة، ونحن على أعتاب انتخابات من المتوقع ان ترتفع خلالها وتيرة العنف الكلامي الى أعلى درجاتها، ولا أستبق هنا الاحداث ولا اتحدث عن "تنبؤات" بل بناءا على معطيات موجودة عن العنف والجريمة في الوسط العربي في الداخل، فالسلوك المتوقع منوط بالسلوك الراهن، لأن المجتمع الذي لا يستطيع أن يلجم العابثين بأمنه واستقراره وتطوره ويسلك سلوك المتملقين لقطاع الطرق وفي الوقت نفسه يتهادن مع سلوك الشرطة المتواطئ مع الجريمة والعنف لا يمكن أن يضمن مستقبله حتى وان ارتفعت نسبة المتعلمين والمثقفين في أوساطه. لذلك لا بد من التعامل بجدية قصوى وشجاعة من قبل القوى السياسية والهيئات التمثيلية مع هذه الظاهرة الآفة.

وعندما نطرق هذه القضية يجب الحديث بوضوح أن هناك "زعران من العالم السفلي" لهم علاقات متينة وتأثير على رؤساء سلطات محلية عربية. ( تخيّل بلدة عربية هادئة بالمفهوم الإسرائيلي تشهد إطلاق رصاص متبادل وحرق سيارات منذ سنتين بين "زعامات أكاديمية عائلية " على كرسي رئاسة المجلس المحلي ... تخيّل أيضا أكاديمياً وعائلياً متخلفاً يشارك في عملية شراء أسلحة من تجار الأسلحة والمخدرات ويقوم بإطلاق رصاص على الناس .. تخيّل أيضا بلدة أخرى تشهد إطلاق رصاص كل ليلة دون أن تحرك الشرطة ساكنا ثم يتدهور الأمر إلى جريمة قتل .. وبلدة عربية أخرى يقتل فيها تاجر مخدرات وأزعر "كبير" في المافيا الإسرائيلية تتحوّل حكايته مع الإجرام إلى سيرة "الهلالي" وإعجاب في أوساط الشبيبة العربية).

وعندما نناقش كيفية التعامل مع العنف، لا نزاود على من يعقد "رايات الصلح" ولا نتطاول على أشخاص عينيين حاولوا جاهدين "حل المشكلة" بين طرفين بل نحذر من الأسلوب وطرق المعالجة ولها أثرها أحيانا بتوسيع النزاعات العائلية ..

لا يمكن ولا بأي حال من الأحوال أن نتحول إلى مجتمع ديمقراطي وعصري وحديث ما دام العنف والإنتقام والثأر "قيماً" سائدة في المجتمعات العربية. ويبقى "الحديث بين المثقفين عن المجتمع الديمقراطي"، في الوقت الذي يعشش فيه العنف في داخلنا، دلالة على عمق الأزمة التي نعيشها.

فالكرامات الشخصية والخلافات الفارغة حتى داخل العائلة الواحدة تقود إلى إطلاق الرصاص وحرق الأملاك، ومن ثم يتدهور إلى نزاع أو على الأصح صراع بين أطراف مسلحة ينتج عنه مقتل أبرياء أقحموا في الخلاف العائلي المتخلف بسبب مفاهيم سائدة متخلفة وفاسدة ومصالح ضيقة تعطل تطور المجتمع.

إن الخروج من العنف الغارق به مجتمعنا العربي برمته بما في ذلك المحلي لا يتم من خلال "الجاهات" أو تنظيم ندوة أو منتدى يشارك به طلبة الثانوية أو مجموعة من المثقفين بل من خلال حث المجتمع على الخروج من اللامبالاة القاتلة وتعميق مفهوم المشاركة السياسية لأنها الضمان الأساس والممارسة اليومية التي تبعد الناس عن الكلام الفارغ والخلافات المفتعلة التي تنتج مسببات العنف. فلا بديل عن الدعوة إلى تنظيم المجتمع. ولا بد للأحزاب العربية التي ستخوض الانتخابات أن تطرح في أجندتها كيفية معالجة العنف ..

ملاحظة: المشهد المحزن أو الطوشة الدموية بين مؤيدي الإخوان المسلمين وحرس النظام المصري والتي عرضتها الفضائيات تشير إلى عمق مأزق العنف المجتمعي حتى في ظل إنتخابات يفترض أن تكون عملية ديمقراطية واعية. فـ"انتصار" الإخوان المسلمين له علاقة مباشرة بالقمع والعنف والمصالحات الكاذبة بين هذا التيار والنظام.

التعليقات