ملف الأسرى بين التبادل والمفاوضات السياسية../ الأسير وليد دقة

ملف الأسرى بين التبادل والمفاوضات السياسية../ الأسير وليد دقة
ليس هناك من بين الأسرى من لديه اطلاع حقيقي، أو يعرف كيف تعمل اللجان والجمعيات التي من المفترض أنها تعمل باسمهم ومن أجلهم. لا أحد يعلم ما هي البرامج السنوية لهذه المؤسسات، وما هي مصادر تمويلها وحجم ميزانياتها وأوجه صرفها، أو لمن تقدم تقاريرها التي تعدها حول الأسرى وظروف اعتقالهم وحالتهم ا لصحية والمعنوية ومستوى تعليمهم.. الخ. فهي لا تقدم كشف حساب دوري أو سنوي تقول من خلاله للأسرى ولغيرهم ما الذي حققته، وما الذي أخفقت به ولماذا؟

إننا نعتقد بأن لجان الأسرى والجمعيات الفلسطينية الفاعلة على هذا الصعيد والتي من المفترض أن تسعى للدفاع عن حقوق الأسرى، هي أول من يصادر هذه الحقوق عندما لا تأبه برأيهم ولا تسعى لمشاركتهم في صياغة البرامج والتوجهات والخطط المستقبلية، حتى يكونوا فاعلين في الدفاع عن حقوقهم وتقرير مصيرهم.

لقد تحوّل الأسرى بالنسبة لهذه المؤسسات إلى موضوع دراسة وبحث سلبي متلق في أحسن الأحوال، وإلى مصدر للإرتزاق للقائمين عليها في أسوئها تبدد الإمكانات المادية وتهدرها دون أن تقدم قضية الأسرى خطوة واحدة إلى الأمام.

لكن الأخطر في نهجها الحالي، وبعد أكثر من عقدين من تراكم الفشل تلو الفشل، وفي ظل تكريس هذه المؤسسات لذاتها، بمنطق تبريري مقيت، هو أنها تبدد وتحول دون إمكانية إحداث اختراق نحو عمل مؤسساتي مهني منظم وجماعي، يعيد الثقة لهذه الوسائل في نظر الأسرى.

إن الأسرى اليوم لا يتلقون من هذه المؤسسات سوى بعض الخدمات التي بالإمكان الإستغناء عنها، خدمات تكلف لجان الأسرى جيشا من المحامين لا يغني ولا يسمن إلا ذاته.

ليس ما نسجله هنا من قراءة لواقع هذه المؤسسات نتاج ردة فعل لأسرى ضاق بهم السجن، ولا هو „فشة خلق” إزاء تقصير هنا أو خلل هناك، الأمر الذي قد ينشأ في سياق عمل أي مؤسسة من المؤسسات، بل إننا نتحدث عن نهج قائم وخلل بنيوي مستحكم في منهج التفكير منذ سنوات طويلة، ويحتاج إلى وقفة صريحة جادة ومسؤولة، خصوصًا وأننا نتحدث عن خلل راكم كمّاً هائلاً من الإحباط لدى الأسرى. تحول إلى كتلة حاسمة في تعاطيهم السلبي مع هذه المؤسسات شكك في نظرهم بقدرتها، بل وفي استعداديتها ورغبتها أصلاً على النهوض بحالهم وقضاياهم.

لقد أصبحت اللجان والجمعيات التي تعنى بشؤون الأسرى في الأراضي المحتلة، بمنطق عملها وفرضياتها ومنطلقاتها عائقًا حقيقيًا أمام ملف الأسرى. لقد أضاعت هذه اللجان فرصتين تاريخيتين لفضح إسرائيل وتعرية قضائها وجلب ضباط مديرية السجون للقضاء الدولي ليكونوا ملاحقين كمجرمي حرب. لقد كان بالإمكان تحويل قضية الأسرى إلى ملف دولي يوازي ملف غولدستون اليوم.

الفرصة الضائعة الأولى هي المحاكمات العسكرية الصورية، وبالجملة، لمئات وآلاف الأسرى الفلسطينيين في بداية الأعوام الأولى للإنتفاضة. لقد تراوح الموقف العام في حينه، بين مقاطعة هذه المحاكم وبين محاولة التوصل عبر المحامين لصفقات مع الإدعاء العام العسكري.

وقد ساد بالتالي الموقف الثاني، الأمر الذي كان مرده غياب الموقف المبدئي بشأن خيار المقاطعة من قبل لجان الأسرى، وغياب الخطة والبديل النضالي العملي على هذا الصعيد. وإطلاق يد المحامين في عقد الصفقات والذين تضاربت مصالحهم مع مصلحة الأسرى في موقف المقاطعة، فهم يريدون إنهاء أكبر عدد ممكن من الملفات وتلقي أتعابهم. وقد قاموا بذلك بصب الزيت من حيث لا يدرون على عجلة الإحتلال وقضائه لكي يلتهم في سجونه مزيدًا من الفلسطينيين.

أما الفرصة الضائعة الثانية كانت الإضراب المفتوح عن الطعام عام 2004، الذي حظي باهتمام إعلامي والتفاف شعبي أخرج مئات الآلاف من المتضامنين إلى الشوارع في البلدان والعواصم المختلفة. فلم تقم لجان الأسرى بإعداد تقرير مهني جاد توثق به ممارسات إدارة السجون الإسرائيلية أثناء الإضراب، ولم تقرأ هذه الممارسات في إطار الخطة العامة الإسرائيلية، التي تستهدف مقولة الشعب وصهر وعي جيل الشباب الفلسطيني.

كان من الضروري طرح الأسئلة الصحيحة من قبل لجان الأسرى لتصل للإجابات الصحيحة. فقد بقيت ممارسات مديرية السجون قبل وأثناء وبعد الإضراب في نظرها، أي اللجان، بمثابة كارثة طبيعية وقدرًا إلهيا، بل وعبئاً لا يستهدف الا تعذيب الأسرى وكأن التعذيب غاية وليس وسيلة لتحقيق الأهداف، فلم تسأل مثلاً أسئلة حول دور القضاء الإسرائيلي في تبريره للإجراءات القمعية.. وهل كان هناك دور للأكاديميات الإسرائيلية في توفير الخبرات والدراسات والنظريات العلمية بهدف كسر الحالة النفسية والمعنوية للأسرى المضربين؟ ما هو دور الجهاز الطبي في مديرية السجون؟ هل أجريت تجارب عضوية ونفسية على الأسرى أثناء الإضراب من قبل باحثين ومتخصصين في علم النفس وعلم الإجتماع؟

بكلمات أخرى هل هناك تجاوزات للقانون الدولي الذي يمنع إجراء أبحاث وتجارب على الأسرى.. وهل تجاوز الأطباء والباحثون أخلاقيات المهنة؟ وكيف علينا وعلى المجتمع الدولي التعامل مع المؤسسات والأكاديمية الإسرائيلية ممن شاركوا وساهموا في تعذيب الأسرى؟

إننا لا نطرح هذه الأسئلة من فراغ، فنحن نعتقد بأن تجاوزات خطيرة حصلت على هذا الصعيد ويجب بحثها وتوثيقها، بل حان الوقت لتبحث مثل هذه الأسئلة وغيرها في إطار أبحاث ترعاها كليات الحقوق وعلم الإجتماع والنفس في الجامعات الفلسطينية لتكون جزءا من رسالات الماجستير والدكتوراه.

وحتى نصل لذلك، فلا بد أولاً أن تعيد لجان الأسرى والجمعيات حساباتها، وأن تقيم سبل عملها وتوجهاتها وأن تنتقد ذاتها وتقدم كشف حساب أمام الأسرى.

لقد بات من الضروري عقد مؤتمر يجمع كل هذه الفعاليات لتضع اسراتيجية عمل توزع فيما بينها المهام والمسؤوليات والتخصصات. فالمطلوب مهنية في العمل. لا يعقل أن يبقى هذا الملف الخطير والنازف إنسانياً ووطنيًا متروكا للاجتهادات ولحسن النوايا أو سوئها، أو لتشغيل من لا شغل له.

إن المطلوب هو استراتيجية وخطة عمل إعلامية وقانونية وجماهيرية، علينا أن نحول احتجاز الآلاف من الأسرى إلى عبء ثقيل على كاهل السياسة والقضاء الإسرائيلي. فما بين تبادل الأسرى والمفاوضات السياسية كسبل لتحريرهم ثمة مساحة كبيرة من العمل حان الوقت لملئها.. وعلى كل حال فإن تبادل الأسرى، وإن حصل فعلاً فإنه لن يحل ملف الأسرى بالكامل، فهناك الآلاف سيبقون للأسف داخل السجون الإسرائيلية. أما المفاوضات فهي لم تكن حلاً وإنما سببًا في تكريس وجودنا داخل الأسوار لعشرات السنين.

التعليقات