31/10/2010 - 11:02

من يضرب إولا.. إسرائيل.. حزب الله.. أم القاعدة ؟../ د.عصام نعمان

من يضرب إولا.. إسرائيل.. حزب الله.. أم القاعدة ؟../ د.عصام نعمان
مع اقتراب المدمرة الأمريكية "كول" وتوابعها من المياه الإقليمية اللبنانية، ازدادت احتمالات الإنفجار في المنطقة الممتدة من الساحل الشرقي للبحر المتوسط وصولاً إلى الساحل الشرقي للخليج العربي ـ الفارسي.

صاعق التفجير في يد كلٍ من إسرائيل وحزب الله و القاعدة. لعل إسرائيل هي المرشحة قبل غيرها للضغط على الصاعق. السبب؟ لأنها تريد تنفيذ مخططها قبل انتهاء ولاية جورج بوش مطلعَ العام القادم، بل هي تريـد التنفيذ قبـل منتصـف أيار (مايو) المقبـل. ذلك أن بعده تُشِلّ الإنتخابات الرئاسية والتشريعية الإدارة الأمريكية، فتخسر إسرائيل الدعم المطلوب.

المخطط يهدف إلى استعادة هيبة إسرائيل الردعية التي هتكها حزب الله في حرب الـ33 يوما صيفَ العام 2006. الهيبة تُستعاد، في ظنّها، بإزاحة الحضور الإستراتيجي الإيراني عن حدودها الشمالية مع لبنان المتمثل بالمقاومة اللبنانية حزب الله، وعن حدودها الجنوبية مع قطاع غزة المتمثل بالمقاومة الفلسطينية (حمــاس و الجهاد الإسلامي )، وعن حدودها الشمالية الشرقية مع سوريا المتمثل بتحالف دمشق الإستراتيجي مع إيران.

تنفيذ المخطط الإسرائيلي بدأ، على ما يبدو، في قطاع غزة، وهو مرشح للتصعيد. غيـر أن التصعيد مرهون ببقاء الجبهة مع كلٍ من حزب الله وسورية هادئتين. لضمان تهدئة الجبهتين، أرسلت واشنطن على عجل مدمرتها كول ولوّحت بإرسال المزيد من قطع أسطولها السادس. هل يهدأ حزب الله فتحاول إسرائيل الإنفراد بقطاع غزة وافتراس حماس و الجهاد الإسلامي، أم يستبق هجوماً إسرائيلياً لاحقاً عليه فيضرب الكيان الصهيوني في المكان والزمان المناسبين؟

إسرائيل حائرة. تعرف أن حزب الله سينتقم لا محالة لاغتيال القائد عماد مغنية، لكن يصعب عليها تحديد مكان الضربة الانتقامية وزمانها. يزيد من حيرتها وقلقها أخبارٌ تتردد عن تسلل عناصر من القاعدة إلي قطاع غزة بعدما اجتاح الفلسطينيون الجدار الفاصل في محور فيلادلفيا بين القطاع ومصر. مَن تراه يـكـون البادئ بالضرب: حزب الله أم القاعدة؟

تدرك إسرائيل أن لا صلة البتة بين حزب الله و القاعدة، كما تدرك أن لكلٍ منهما دافعاً للانتقام أو للـرد مختلفاً عن الآخر. مع ذلك هي قلقة لأنها، في هذه الآونة، هدف مطلوب ومشروع ومنذور لكليهما. ولكن، هل الانتقام توصيف دقيق لما يعتزم حزب الله القيام به ضد الكيان الصهيوني أم أن القضية أبعد من ذلك؟ وإذا كان حزب الله يعتزم الانتقام لاغتيال أحد أبرز قيادييه، فلأجل من تعتزم القاعدة الانتقام؟

قادة إسرائيل يعلمون أنهم في حرب مفتوحة مع المقاومة اللبنانية، كما يعلمون أن قادة حزب الله يعتبرون المقاومة منخرطة في حرب مفتوحة ومديدة إلى أن تخرج إسرائيل من وجودها، على حدّ تعبير السيد حسن نصر الله في خطبة تشييع مغنية. لذلك فإن اغتيال مغنية، كما الاقتصاص من قَتَلَتِه، لا يعقل أن تكون الغاية منه في كلتي الحالتين مجرد الانتقام. ثمة دافع للقتل لدى إسرائيل، وآخر للرد لدى المقاومة، يتجاوزان عملية الإغتيال إلى ما هو أوسع وأهم: وجود مخطط لكلٍ من الطرفين المتحاربين يندرج في الحرب المفتوحة والمديدة بينهما.

في جوّ الحيرة والترقّب، عرض رئيس شعبة الإستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي الجنرال عاموس يادلين أمام لجنة الشؤون الخارجية والأمن في الكنيست توقعاته حول ما يمكن أن يكون عليه انتقام حزب الله وما يمكن ألاّ يكونه. توقع أن يكون الثأر في يوم الأربعين للاغتيال وزعم أن هذا ما فعله حزب الله غالباً. غير أن عضو اللجنة رئيس الموساد السابق داني ياتوم حذره بالقول إن على إسرائيل أن تبقى جاهزة طوال الوقت تحسباً لأي عملية ثأرية.

يادلين لا يتحسّب لضربة انتقامية من حزب الله فحسب بل تراه يبدي تخوفاً من القاعدة أيضا. فقد أكّد لأعضاء اللجنة أن نشطاء من القاعدة تسللوا إلي قطاع غزة في فترة فتح الحدود بين القطاع ومصر وأفلحوا في تهريب عشرات الخبراء في إنتاج العبوات الناسفة والصواريخ، بالإضافة إلي كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر. غير أن يادلين، كما عضو اللجنة عن حزب كديما يوحنان بالسنر، استبعدا أن يضرب حزب الله ضربته، عبر الخط الأزرق، في شمال إسرائيل بسبب ميزان الردع ووجود القوات الدولية في جنوب لبنان.
إلى ذلك استغل يادلين إجتماع لجنة الخارجية والأمن للإدعاء بأن إيران سيكون لديها خيار نووي في العام 2010. لكنه لم يُشر إلي إمكانية استعمال القاعدة سلاحاً نووياً ضد إسرائيل.

وكان المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي قد حذر في اليوم نفسه خلال مؤتمر حول نزع السلاح النووي في أوسلو من أن العالم عند مفترق حاسم، والنظام الأمني يتداعي، وأن الوكالة الدولية علي علم بأمر 150 حالة سنوياً من اختفاء مواد أو أسلحة نووية يمكن أن ينتهي بها الأمر إلي أيدي جماعات الجريمة المنظمة أو ما هو أسوأ... الإرهابيين. كما حذر البرادعي من انه إذا حصل المتطرفون علي أسلحة نووية فمن شبه المؤكد أن تُستخدم لأن مفهوم الردع المتبادل الذي يوجد بين الدول المالكة لأسلحة نووية غير ذي صلة علي الإطلاق بالإيديولوجية المتطرفة.
بصرف النظر عما تشكّله أو لا تشكّله القاعدة في هذه الآونة من خطر علي إسرائيل، فإن أحداً لا يشك في أن قادة الكيان الصهيوني يشعرون بأن التحدي الأول والأخطر هو حزب الله، وانـه مرشح قبل غيره، لاسيما بعد التزامه علناً دعم المقاومة المستهدفة في غزة، إلي توجيه ضربة مدّوية لدولة العدوان. فأين تراها تكون؟

قادة حزب الله يحاذرون الخوض في هذا الموضوع. يكتفون بتأكيد الردّ القوي من دون الإفصاح عن تفاصيل. غير أن تجارب الحزب الماضية توحي بأفكار واحتمالات في هذا السبيل:

* ليس من مهلة زمنية معينة يتقيد بها حزب الله قبل الردّ علي أي اعتداء إسرائيلي. فبعد اغتيال أمينه العام السابق السيد عباس الموسوي العام 1992، لم ينتظر الحزب يوم الأربعين ليضرب ضربته بل فعل ذلك بعد ثلاثين يوما للاغتيال بإطلاق قذائف على مستعمرة "كريات شمونة"، ثم بتفجير السفارة الإسرائيلية في العاصمة الأرجنتينية بوينس ايرس من دون أن يعلن مسؤوليته عن التفجير وإن كانت إسرائيل قد اتهمته بذلك.

* يحرص حزب الله على أن يضرب في غير خط التوقع. بذلك يفاجئ العدو ويُلحق به اكبر الأضرار. إذا افترضنا أن عملية بوينس ايرس هي من تدبير حزب الله، فإنها تكون قد وقعت في قارة بعيدة وفي مكان غير متوقع البتة. هل توقعت إسرائيل آنذاك حصول الرد علي بُعد مئات آلاف الكيلومترات؟

* لا يمكن فصل الضربة المقبلة ضد إسرائيل من حيث التوقيت والحجم والمكان عن وقائع الصراع المحتدم ومتطلباته في لبنان والمنطقة. فالضربة لن تكون لمجرد الانتقام بل ستكون علي الأغلب رداً له وظيفة تكتيكية أو إستراتيجية في سياق سياسة حزب الله وحلفائه في لبنان والمنطقة حيال إسرائيل والولايات المتحدة، كما حيال اللاعبين الإقليميين الآخرين.

* لا بدّ من أن تتحسب قيادة حزب الله، محلياً وإقليميا، لردة فعل إسرائيل على ضربته المقبلة لها. فضربة الحزب ستكـون متوسطة الحجم والفعالية إذا كان المقصود منها الردع والتعادل، وستكون قاسية ومدمرة ومدويّة إذا كان المقصود منها إلحاق هزيمة منظورة بإسرائيل مع جهوزية كاملة لمواجهة شاملة معها.

* يتحصّل من الاحتمالات آنفة الذكر أن قيادة حزب الله لن تكون عصبية وفاقدة الصبر ومستعجلة للرد بسرعة وارتجال. بالعكس، ستأخذ كامل وقتها وتفكر بعقل هادئ ودم بارد ليكون الرد قوياً وناجحاً وفي إطار خطة متكاملة.

حتى لو افترضنا أن الغاية من الرد المتوقع انتقامية بالدرجة الأولى، فإنه لا يغيب عن ذهن السيد حسن نصر الله وإخوانه المثل الفرنسي الشهير: الانتقام طبق من الطعام لا يجوز تناوله إلا بارداً
"القدس العربي"

التعليقات