31/10/2010 - 11:02

"منظومة السيطرة" هنا كذلك!!../ نبيل الصالح

«منظومة السيطرة» هذه هي ناتج تكافُل مخطَّط ومحْكَم لأذرع النظام الإسرائيليّ لإحكام السيطرة على الأرض والبشر، وإخضاعهما، لمدّة تزيد عن أربعة عقود.

هل ثمّة ما يربط بين التالية؟:
ملاحقة واعتقال الناشطَيْن في المجال السياسيّ- الاجتماعيّ عمر سعيد وأمير مخّول بصورة وحشيّة؛
قرار محكمة العدل العليا بمنح كاتب عربي من الداخل حقّ السفر إلى لبنان لاعتبارات فرديّة إنسانيّة؛
محاكمة عضوَي الكنيست محمّد بركة وسعيد نفّاع؛
تبرئة القائد الإسلاميّ رائد صلاح من إحدى التهم الموجَّهة إليه؛
تخصيص الوزير المُخَوَّل بمتابعة شؤون العرب مبالغَ طائلة للنهوض بالاقتصاد العربيّ في إسرائيل؛
التحريض ضدّ بعض الجمعيّات الأهليّة الوطنيّة والسعي إلى ضربها عبر اتّهامها بالعنصريّة والوطنيّة أمام الرأي العامّ الغربيّ وإقناع المموِّلين ودولهم بالتخلّي عن دعمها ماليًّا (المراكز «مدى الكرمل» وَ «عدالة» وَ «الميزان»، على الأقلّ، تعرّضوا مؤخَّرًا لمثل هذه الإجراءات)؛
التغاضي بالسكوت عن زيارة وفد من فلسطينيّي الداخل للعقيد القذّافي، قائد ثورة الفاتح...؛
التحريض المنهجيّ المتواصل الذي يمارسه الوزراء، على اختلافهم، ضدّ العرب.

هذا الجمع من الإجراءات السياسيّة التي قد تبدو، للوهلة الأولى، متناقضة، هدفها واحد هو قمع أيّ مظهر من مظاهر رفض الواقع المفروض إسرائيليًّا، وردع كلّ صوت عربيّ وطنيّ، وبثّ الرعب الجماعيّ، ليصبّ كلّ ذلك في مصبّ تحوّل في الساحة السياسيّة العربيّة المحلّـيّة، التي شهدت في السنوات الأخيرة نقلة نوعيّة على مستوى الشعار السياسيّ، وإن كان الشعار ما زال بعيدًا عن ممارسته برفع سقف المطالب وأقلمة أساليب الاحتجاج لواقع سياسي متغيّر بتسارع كبير.

هذا الشكل من أشكال السلوك السياسيّ الإسرائيليّ ليس جديدًا، فقد لجأت إليه إسرائيل لتثبيت احتلالها للضفّة الغربيّة وقطاع غزّة منذ سنة 1967. إنّه سلوك يعيد إلى الذاكرة أساليب «منظومة السيطرة» التي حلّلها بدقّة متناهية الكاتبان الإسرائيليان التقدّميّان عادي أوفير وأريئيلا أزولاي، في كتاب تناول -بعمق غير مسبوق- آليّات التحكّم بالمناطق المحتلّة. ويبدو أنّ إسرائيل قرّرت نقل نفس المنظومة للتعامل مع الفلسطينيّين في الداخل.

«منظومة السيطرة» هذه هي ناتج تكافُل مخطَّط ومحْكَم لأذرع النظام الإسرائيليّ لإحكام السيطرة على الأرض والبشر، وإخضاعهما، لمدّة تزيد عن أربعة عقود.

أذرع النظام الإسرائيليّ (وبضمنها الشاباك والموساد والشرطة)، والجهازُ القضائيّ بقضاته ومَحاكمه، والوزاراتُ المختلفة بطواقمها المتنفّذة، ووسائلُ الإعلام، والقطاعُ غير الحكوميّ في المجتمع الإسرائيليّ، والأحزابُ الصهيونيّة على امتداد قوس الانتماءات، والرأيُ العامّ (صنيعة النخب المتنفذّة)، جميعها شاركت في ترسيخ الاحتلال منذ العام 1967، وجميعها ما زالت جاهزة، كما بدا واضحًا، لنقل أسلوب العمل الذي آتى ثماره، قتلاً وهدمًا وترهيبًا، في حالة «غير المواطنين» الفلسطينيّين في الضفّة والقطاع.

وها نحن بدورنا نواجه «منظومة السيطرة» الإسرائيليّة ذاتها، التي تحاول عبر تركيبتها أن تخفي ملامحها الاستعماريّة القمعيّة بتجنيدها الجهاز القضائيّ للإيهام بنزاهة الإجراءات وبعافية «سيادة القانون» ودفع سِمَة «دولة البوليس» عن إسرائيل، وبتجنيدها لليبراليّة وزراء من اليسار الصهيونيّ وشمعون بيرس، لتسويغ كلّ جريمة إسرائيليّة في عيون العالم.

إنّ التنسيق والضبط المحْكَمَيْن هما أساس نجاح «منظومة السيطرة» الذي لا يقاس بإتقان الأداء فحسب، وإنّما بالظهور بالمظهر الذي قمنا بتوصيفه سالفًا، وهذان أمران يتطلّبان توزيعًا ناجعًا للمهامّ والصلاحيّات وتوقيتًا متّفَقًا عليه للتنفيذ بالتناوب. كما يتطلّب نجاح المنظومة لجوءًا إلى تبدّل متواصل بين المكافأة والمعاقبة لإشاعة أجواء من الرضوخ والقبول والتوهّم أنّ النظام يعامل رعاياه/ مواطنيه وَفْق قواعد عادلة لا يخرج عنها إلاّ مع الاستثناء الذي يعامل على نحو استثنائيّ. وها هي أذرع «منظومة السيطرة» تأذن وتعتقل، تبرّئ وتعتدي بالضرب على عائلات المعتقَلين، تغدق الهبات للقابلين الباحثين عن مصالحهم الخاصّة، وتلاحق مركز أبحاث يصرّ على ثوابت وطنيّة. ومسألة نجاحها أو إخفاقها ليست أمرًا يستدعي النظر في مقالات أخرى.

إزاء هذه الحال، يعود الى الواجهة، وفي هذه المرّة بإلحاح أشدّ، سؤال طبيعة فعل المواجهة.

هنا، لابد من التوضيح أنّ هذا التحليل لا يقصد، في أيّ حال من الأحوال، «فضْحَ» السياسة، أو تحذيرَ الدولة والمجتمع في إسرائيل من منزلق عنصريّ، أو التذكيرَ والتنبيه، فقد ثبت أن لا طائل من انتظار استفاقة ضمير إسرائيليّ أو استقدام نجدة من ناشطين غربيّين من وراء البحار، وليس هناك ما يُرجى من الرأي العامّ اليهوديّ في إسرائيل؛ إذ إنّ تغاضيه عن جرائم نظامه يبرهن أنّ ارتكاب الجريمة لا يقتصر على المخطِّطين والمنفّذين، بل يتعدّاهم إلى جميع الساكتين عنها، ناهيك عن الداعمين المهلّلين، وليس فعل الفصل بين الأخيار والأشرار في المجتمع الإسرائيليّ إلاّ ضربًا من تسامح الرهبان الذي سيعود بالضرر -وجنوب أفريقيا في ما بعد الأبارتهايد شاهدٌ حيّ-.

أمّا من يَعقدون الآمال على الجهاز القضائيّ وقوانين الأساس، ملاذ الديمقراطية الأخير، فنذكّر بما ورد آنفًا من اندراج الجهاز القضائيّ بين مركّبات «منظومة السيطرة»، وأنّ أيّ إنجاز يتحقّق في المحكمة ليس سوى وجه آخر لقرار مجحف آتٍ على التوّ.

والعمل؟!!! لم يعد هناك مناص من توسيع دائرة العمل، ومن تفعيل أدوات وآليّات تناسب مقتضيات الواقع. وللبدء بالعمل، نتساءل: ألا يجدر بأعضاء الكنيست العرب، من باب أضعف الإيمان، الإعلان فورًا عن الانسحاب من الكنيست ليوم واحد على الأقلّ، وعقد اجتماع متواصل في أيّ مدينة أو قرية عربيّة للتباحث واتّخاذ القرارات في ما تَؤُول إليه حالنا أمام سياسة الدولة ضدّ العرب، والإعلان عن خطوات فوريّة، من بينها التحضير لمؤتمر للجماهير العربيّة يجري فيه عرض إستراتيجيّة فلسطينيّة عربيّة لمواجهة الآتي؟ إذا لم نفعل، كيف سيعرف هذا النظام الاستعماريّ أنّه يمعن في تجاوز الحدود الحمراء، وأنّ ما تُقْدِم عليه «منظومة السيطرة» الإسرائيليّة هو اعتداء على الوجود العربيّ في الداخل برمّته؟

ألا يجدر بلجنة المتابعة العليا، اليوم قبل الغد، عقد اجتماع لمركّباتها، برعاية جماهيريّة واسعة، وبحضور شعبيّ مراقب وضابط للقيادات، للإعلان عن برنامج خطوات احتجاجيّة تغطّي مساحة التواجد العربيّ في الداخل، تصعيدًا نحو إضراب عامّ، والاستعداد لكلّ ما سيطرأ بعد ذلك؟

ألم يَحِنِ الوقت، ونحن أمام هذه الممارسات الإسرائيليّة المتمادية، لأن نبدأ، أمام آليّات القوّة الإسرائيليّة، بالسلوك كشعب لا كانتماءات سياسيّة وعائلية متعصّبة، ونتجاوز ما حدث لنا عندما اعتبر البعض أنّ ملاحقة عزمي بشارة قضيّة تخص التجمّع، وأنّ سَجن الشيخ رائد صلاح شأن محض للحركة الإسلاميّة الشماليّة، وأنّ محاكمة محّمد بركة مسألة جبهويّة خالصة، وفي خلفيّة المشهد الشماتة والتشفّي السياسيّان حاضران لدى كلّ طرف ضدّ الآخر؟

مثلما وظّفت اسرائيل تجربتها الاستعماريّة، خلال فترة الحكم العسكريّ حتّى العام 1966، في سيطرتها على المناطق المحتلّة منذ 1967، ثم سرّبت أساليبها في المناطق المحتلّة إلى داخل حدود الخطّ الأخضر، وها هي اليوم تستلهم دروسها في السيطرة الاستعماريّة للتعامل مع «المواطنين» العرب، لا بدّ لنا كذلك من أن نستلهم من تجاربنا ومن دروس الشعوب التي ناضلت وانتصرت. إنّ التراخي أمام «منظومة السيطرة» يورّطنا في دائرة مفرغة من ازدياد الهيمنة وتفاقم الضعف- نحن نُظهر ضعفًا فتزداد السلطة قوّة وقمعًا، فترهبنا أكثر لنضعف أكثر، وهكذا دواليك...

التعليقات